البطلة المسلمة المجهولة في إحياء ذكرى 11 سبتمبر.. مهندسة أعادت إعمار موقع تحطُّم البنتاغون

قبل 18 عاماً، في أحد صباحات شهر سبتمبر/أيلول التي لن تنساها أبداً، هربت منال عزت من مبنى البنتاغون المُحترِق، وسط اندفاع يُخيّم عليه الذعر، لدرجة أن حجابها قد سقط.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/09/12 الساعة 17:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/12 الساعة 17:02 بتوقيت غرينتش
المهندسة الأمريكية المسلمة منال عزت

قبل 18 عاماً، في أحد صباحات شهر سبتمبر/أيلول التي لن تنساها أبداً، هربت منال عزت من مبنى البنتاغون المُحترِق، وسط اندفاع يُخيّم عليه الذعر، لدرجة أن حجابها قد سقط.

في اليوم التالي، تقول صحيفة Washington Post الأمريكية، بينما كانت الحرائق لا تزال مشتعلة، بدأت منال مهمتها المتمثلة في إعادة البناء، وأدّت رؤيتها، إلى جانب عمل فريق ضخم من الموظفين العموميين، إلى ما شُيِّدَ بعد ذلك على هذه الأنقاض، ألا وهو استخدام جديد لموقع سيظل إلى الأبد مُرتبطاً بذكرى مأساة. 

اليوم، في المكان نفسه الذي تحطمت فيه الطائرة التي قادها إرهابيون لترتطم بمبنى البنتاغون، توجد كنيسة صغيرة، وبعد 18 عاماً من الهجوم الذي أودى بحياة 184 شخصاً في هذا المكان، يجتمع الموظفون العسكريون الأمريكيون من كل العقائد يومياً للصلاة.

مهندسة مسلمة في الجيش الأمريكي وراء بناء كنيسة

قالت منال في حديث أُجري معها هذا العام، بينما تفكّر في ذكرى اليوم الذي مازالت عاجزة عن فهمه بالكامل: "كانت هناك الكثير من المشاعر الكامنة في هذا الجهد، أردنا فقط جعله مكاناً مُسالمِاً من شأنه المساعدة في محوِ المأساة" .

وعرفت منال، وهي موظفة بفيلق المهندسين في الجيش الأمريكي وكانت مديرة مشروع الجيش في البنتاغون وقت الهجوم، على الفور حين تولّت، هي وزملاؤها، العمل على مهمّة تصميم إعادة الإعمار أنها لم تكن ترغب في تحويل هذه الساحة بمقرّ البنتاغون إلى مكاتب مرة أخرى، إذ لا يريد أحدٌ أن يتخذ هذا الموقع مقراً لمكتبه، وبدلاً من ذلك، بحثت عن هدف جديد ذي معنى.

الكنيسة التي تم تشييدها في موقع الهجوم على البنتاغون
الكنيسة التي تم تشييدها في موقع الهجوم على البنتاغون

وما تمخضوا عنه كان ملاذاً هادئاً، به مقاعد زرقاء مبطنة وكتب للعبادة من عدة طوائف دينية، وتشييد النوافذ الزجاجية الملونة بمن لقوا حتفهم هنا، إذ كُتب عليها: "متحدون في الذاكرة، 11 سبتمبر/أيلول 2001″، ويمكن للجميع الذهاب -ما أرادوا- إلى الحجرة المجاورة، حيث النصب التذكاري الذي كُتِبت به أسماء كل الضحايا على الحائط، وسُرِدت قصص حياتهم، مثلما كتبها أحباؤهم، في كتابين كبيري الحجم، ويمكن لموظفي البنتاغون الذين يريدون فقط زيارة الكنيسة الصغيرة دون التوقف عند النصب التذكاري الدخول من أبواب بديلة.

ويُظهر جدولٌ منشورٌ على الحائط مواقيت إقامة الصلوات الأسقفية واللوثرية في أيّام الأربعاء، وجلسات العبادة الهندوسية، وحلقات الدراسة اليهودية في أيّام الخميس من كل أسبوع، والخدمات الأرثوذكسية اليونانية كل يوم جمعة، وتقام الصلاة البوذية مرتين في الشهر، وأكثر من ذلك.

وبحسب القسيسة مونيكا لوسون، فإن أكثر مُرتادي الكنيسة هم الكاثوليك، الذين يحضرون قداساً يومياً هناك، والمسلمون من بين القوى العاملة الضخمة التي يبلغ عدد أفرادها 26 ألف شخص في البنتاغون.

 ويزور بعض المسلمين -الذين يصلون خمس مرات في اليوم كما جرت العادة- الكنيسة عندما يحتاجون إلى مساحة خاصة للصلاة، ويقيم المسلمون يومياً صلاة الظهر جماعة في الكنيسة، ويمارسون طقوس صلاة الجمعة وخطبتها في يوم الجمعة من كل أسبوع.

المسلمون أيضاً يؤدون صلواتهم داخل الكنيسة

بالنسبة لمنال -المسلمة التي أزعجها أولئك الذين ألقوا باللوم على دينها بالكامل لأن الإرهابيين الذين هاجموا البنتاغون كانوا متطرفين مسلمين- فإن رؤية المسلمين الذين يؤدّون مهامهم كموظفين عسكريين أمريكيين يؤدّون الصلاة في الكنيسة، تُعد أمراً يُرضي القلب.

تقول منال: "على المستوى الشخصي، سمعت أشياء سلبية… سمعت ذلك في الأروقة والممرات، إذ يقولون: هؤلاء البلهاء فعلوا هذا وذاك، وهذا يؤلمني"، ولقد أرادت أن تجادل بالقول إن الإرهابيين هم عددٌ قليلٌ فظيع من الأشخاص، ولا يُمثّلون دينها، لكنها قررت تجاهل الأمر، إذ تقول: "سمعت ذلك وانزعجت منه، وبعد دقيقة انتهيت من الأمر" .

يذهب قوي عبدالله صبري، خبير الأمن السيبراني الذي يعمل موظفاً مدنياً في البنتاغون منذ 27 عاماً، إلى دار التعبُّد كل يوم، وأحياناً مرّتين في أيّام الجمعة، وغالباً ما يجد نفسه يركع ليردد الأدعية الإسلامية إلى جانب زملاء العمل الذين قد يقرأون من كتاب الصلوات المسيحية، واقفين أمام يهود يتلون أو يجلسون في تأمل هادئ.

ويقول: "أن يكون هناك مكان تأتي إليه وتفكّر فقط في معتقداتك وتفكّر في الخالق الذي منحنا الحياة لهو أمر يمنحني الهروب من الروتين اليومي للعمل. إنه شيء جيد للغاية أن يكون لدينا مكان كهذا، والبنتاغون مكان للعمل، لذا فإنها منحة كريمة أن يكون به مكان للصلاة" .

كان صبري على بعد أمتار فقط من زملائه الذين قتلوا عندما اصطدمت الطائرة بالبنتاغون، ويقول إنه لو لم يبتعد للتحدث مع موظف آخر، للقي حتفه معهم، ويقول: "إنه شيء لا تنساه، إنه شيء تتذكّره وتمنع حدوثه مرة أخرى، وتلك المساحة التي توجد فيها الكنيسة الصغيرة بالفعل هي تذكير" .

ومفتوحة أمام جميع الديانات الأخرى

قالت مونيكا لوسون، وهي قسّيسة في الكنيسة الأسقفية الإفريقية الميثودية، وواحدة من ثلاثة كهنة متفرغين متمركزين في البنتاغون، إنها ترى في هذه الكنيسة مثالاً على القيم الأمريكية التي لا يمكن للإرهابيين تدميرها.

وتقول: "كل يوم آتي فيه إلى هنا، أفكر في هذا الأمر، إنه تذكير بمدى امتيازنا وتكريمنا لأننا نعيش في بلد يمكننا أن نتعبّد فيه هنا بساحة العمل، وفي اليوم الأول الذي بدأت فيه هنا، راودتني بقوّة مدى أهمّية المكان الذي تقع الكنيسة على أرضه" .

في حين أن القسيسين الآخرين في البنتاغون كلاهما بروتستانتي مثل مونيكا، فإن القساوسة الموظفين يعملون على توظيف قادة مؤهلين لأداء مراسم العبادة لجميع المجموعات الدينية الأخرى التي تريد استخدام تلك الساحة، وقالت: "كلنا نقول "أمة واحدة تحت مظلّة الإله"، وعندما تدخل إلى هنا وترى ذلك، والجميع يحترمون أديان بعضهم البعض، فهذه نعمة" .

وقالت منال إنها تُقدّر قيام فريقها بإنشاء مكان للصلاة يمكن للمسلمين الذين يكرسون حياتهم المهنية لأمن أمريكا التعبّد فيه، وهو نفس المكان الذي شنّ عليه المتطرفون هجومهم، وقالت: "الصلوات المشبّعة بالإيمان التي تُقام في هذه الساحة، سواء كانت يهودية أو إسلامية أو مسيحية، هي جميلة، ونحن نؤمن في الإسلام بأن الصلوات والأدعية للموتى تصلهم، أينما كانوا" .

كان الإسراع لإعادة بناء البنتاغون بمثابة هوسٍ، ولا يزال أعضاء الخدمة من الشباب الذين ينظّمون جولات البنتاغون للزائرين يتفاخرون بذلك، إنهم يذكرون كيف طُلب من الفريق الموكل إليه إعادة البناء إتمام الأمر خلال ثلاث سنوات، وتمكنوا من القيام بذلك في أقل من عام، وكيف كانوا يعملون تقريباً طيلة 24 ساعة يومياً، وخلال كافّة أيام الأسبوع لإتمام الأمر، وبعد ذلك تبرعوا براتب ذلك الوقت الإضافي، الذي كان يبلغ حوالي 3 ملايين دولار، لدفع نفقات هذه الكنيسة والنصب التذكاري، ولدعم أسر الضحايا.

في نهاية تلك السنة، كانت منال مُتعبَة للغاية، وتقول: "عندما عملت في البنتاغو شعرت أنني كنت بصحبة عائلتي الثانية، لقدّ دمّرني الأمر، وكنت بحاجة للخروج من هنا، وهذا المبني أعاد الكثير من الذكريات السيئة، لذا لم أستطع البقاء" .

تحميل المزيد