اندلعت مشاجراتٌ في مجلس العموم البريطاني صباح اليوم الثلاثاء 10 سبتمبر/أيلول 2019، وسط مشاهد غير مسبوقة، بينما كان بعض النواب يحتجون على قرار رئيس الوزراء بوريس جونسون تعليق عمل المجلس.
فمع بدء المراسم التقليدية لإغلاق المجلس، تقدَّم بعض نواب المعارضة نحو كرسي رئيس المجلس، جون بيركو، حاملين لافتاتٍ مكتوباً عليها: Silenced أو "مُسكَتون"، بحسب ما ذكرته صحيفة The Daily Mail البريطانية.
ونظراً إلى أنَّ المراسم كانت تقتضي سير بيركو من مجلس العموم إلى مجلس اللوردات، هرع النائب لويد راسل مويل، صاحب الـ35 عاماً والمنتمي إلى حزب العمال، نحو بيركو، في محاولةٍ رمزية لمنعه من الحركة.
وبينما كان حاجبو المجلس يحاولون إبعاده، أمسك به زملاؤه النواب المحتجون، فيما سقط بعض النواب الآخرين أرضاً وسط تلك الفوضى.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن بيركو نفسه الذي يؤيد بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي والذي أعلن استقالته قبل الجلسة بساعات، ألقى خطاباً حماسياً ضد تعليق أعمال المجلس، ووصفه بأنه "غير طبيعي"، وقال لأحد نواب حزب المحافظين الذي اعترض على موقفه: "لا أكترث برأيك".
وفي أثناء المراسم، حين طلبت الحاجبة حاملة العصا من النواب الذهاب إلى مجلس اللوردات، صرخ نواب المعارضة قائلين: "لا"، ليطغى صوتهم على صوتها، قبل أن يندفع عددٌ منهم نحو بيركو.
دعم للنواب المحتجين
وأعرب بيركو بعد ذلك عن دعمه للنواب المحتجين، وقال لهم إنَّ بإمكانهم البقاء في مقاعدهم وعدم الانضمام إليه في مجلس اللوردات.
وأضاف قائلاً: "أفهم كلياً سبب رغبة عدد كبير للغاية من الأعضاء في البقاء في مكانهم". لكنَّه أدى دوره في قيادة النواب المتجهين إلى مجلس اللوردات عبر اللوبي المركزي، الذين كان معظمهم من حزب المحافظين، وسط هتافاتٍ من نواب المعارضة تقول: "عارٌ عليك".
وبدأت هذه الأحداث الدرامية في حوالي الساعة 1:30 صباحاً، بعد عمل يومٍ حافل شهد اعتراض النواب محاولة جونسون الأخيرة لإجراء انتخابات مبكرة.
وكان رئيس الوزراء قد أعلن اعتزامه تعليق -أو تأجيل انعقاد- البرلمان خمسة أسابيع حتى 14 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، قبل أن تبدأ الجلسة المقبلة بخطابٍ جديد للملكة.
ويقول بعض خصوم جونسون السياسيين، إنَّه يفعل ذلك لإسكات النواب في الفترة التي تسبق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقد أدى ذلك إلى زيادة حدة التوترات مع بدء المراسم التقليدية، التي تُقام في نهاية كل جلسةٍ برلمانية.
ثم دخلت سارة كلارك، التي عُيِّنت مؤخراً في منصب الحاجبة حاملة العصا، بصفتها مندوبةً من اللوردات، إلى مجلس العموم للتحدث مع بيركو بصفته رئيس مجلس العموم.
وحين بدأت حديثها، رمقت أحد نواب حزب العمال بنظرةٍ حادة حين طلب منها التوقف عن الكلام، لكنَّها واصلت كلامها قائلةً إنَّ مجلس اللوردات "يرغب في حضور أعضاء هذا المجلس الكريم…"، وقبل أن تتمكن من إنهاء حديثها "إلى مجلس اللوردات"، طغى صوت نواب المعارضة على صوتها وهم يهتفون: "لا"، قبل أن تقف جانباً للسماح لبيركو بعرض ردّه.
ثم اندلعت المشاجرات بجوار بيركو، الذي كان من المتوقع في الظروف العادية أن يقود جميع النواب ببساطة عبر اللوبي المركزي إلى مجلس اللوردات.
وحين هدأت المشاجرات، ردَّ بيركو على كلارك مباشرة بينما كانت ترمقه بنظراتٍ حادة.
أغانٍ ارتجالية
وفي مشاهد مشحونة ستُذكَر في تاريخ وستمنستر، قال لها: "سأتعامل معكِ ومع ما تقولينه باحترام، وأدرك أنَّ حضورنا مرغوبٌ فيه من مفوضي جلالة الملكة، إنهم يفعلون ما يعتقدون أنَّه صواب، وأنا أدرك دوري (المقتصر على المراسم) في هذه المسألة".
وأضاف: "أنا سعيد بأداء دوري، كما ذكرت لبعض الأشخاص الآخرين، لكنَّني أريد أن أوضح أن هذا ليس تعليقاً عادياً أو طبيعياً".
وقد تعرَّض بيركو للمقاطعة مراراً من كلا جانبي المجلس: إذ كان نواب المعارضة يشيدون به قائلين: "جون الأمين"، فيما كان نواب حزب المحافظين يقولون له: "لا تفعل شيئاً سوى تأدية دورك".
وواجه بيركو غضب اثنين من النواب، فيما خرج نائب حزب المحافظين أندرو ستيفنسون غاضباً من المجلس، وصرخ بيركو قائلاً: "لن نفتقدك"، قبل أن يقول لأحد النواب الآخرين في حزب المحافظين: "لك كامل الحق في إبداء رأيك، لكنني لا أكترث به".
ثم انضم إلى الحاجبة حاملة العصا ليقود النواب، الذين كان معظمهم من حزب المحافظين، إلى مجلس اللوردات.
وبقي نواب المعارضة في مجلس العموم احتجاجاً على تلك المراسم، وبدأوا ينشدون بعض الأغاني بطريقةٍ ارتجالية.
وبدأ نواب الحزب القومي الأسكتلندي في غناء أغنية "Scots Wha Hae"، التي يعتبرها الحزب النشيد الوطني البديل.
ثم غنَّى نواب حزب العمال أغنية Red Flag، قبل أن يطلب غافن نيولاندز، النائب في الحزب القومي الأسكتلندي، مازحاً من نواب حزب المحافظين الغناء دون أي ردٍّ منهم.
إشادة بـ بيركو
وكانت مقاعد المعارضة في مجلس اللوردات خالية، بينما كان بعض نواب حزب العمال وحزب الليبراليين الديمقراطيين في مجلس اللوردات يقاطعون المراسم احتجاجاً على تعليق عمل البرلمان.
وتولَّت ناتالي إيفانز زعيمة كتلة حزب المحافظين في مجلس اللوردات، ونورمان فاولر رئيس المجلس، وديفيد هوب قائد كتلة المستقلين في المجلس، مهمة استقبال بيركو ونواب مجلس العموم رسمياً.
وبعد عودة بيركو من مجلس اللوردات، استقبله نواب المعارضة بالإشادة وسط بقاء معظم مقاعد ممثلي الحكومة فارغة.
وقال بيركو: "أشعر بأنني في المنزل هنا"، فيما سأله أحد النواب مازحاً عمَّا إذا كان قد عُرِض عليه منحه أحد الألقاب النبيلة. فأجاب بيركو: "من قال إنني تلقيت عرضاً كهذا؟".
ثم قرأ بيركو خطاباً تقليدياً يوضِّح ما حدث في مجلس اللوردات، وبهذا سرى قرار تعليق مجلس العموم قبل الساعة الثانية صباحاً بقليل.
ثم شوهد بيركو وهو يصافح جيريمي كوربين زعيم حزب العمال، وعدداً من أعضاء الحزب.