"تكاثروا وإلا ستواجهون الانقراض".. هذه هي الرسالة التي يوجهها قادة دول وسط أوروبا إلى شعوبهم الآخذة في التناقص، في الوقت الذي تعمل فيه حكومات تيار اليمين في المنطقة على ترسيخ سياسة "العائلة أولاً" لتشجيع الإنجاب، نقلاً عن صحيفة The Guardian البريطانية.
وفي هذا السياق، تعقد حكومة المجر قمة ديموغرافية دولية في العاصمة بودابست هذا الأسبوع، من المقرر أن يحضرها عدة قادة من المنطقة ووفود من عشرات الدول في محاولة للترويج لاستثمارها في السياسات العائلية.
ورجَّح رئيس وزراء المجر المُعادي للأجانب، فيكتور أوربان، أن تختفي المجر ببساطة، في ظل انخفاض عدد سكانها عن 10 ملايين شخص، وكذلك تقلُّص عدد السكان نتيجة تراجع معدلات المواليد وهجرة المجريين إلى دول أقصى غرب أوروبا.
نظرية الاستبدال الكبير تُخيف قادة وسط أوروبا
وقال أوربان، في مستهل المؤتمر، الخميس 5 سبتمبر/أيلول 2019: "ليس من الصعب تصوُّر أنه لن يتبقى سوى رجل وحيد سيتعين عليه إسدال الستار على هذا البلد".
وأضاف أوربان، الذي ارتكزت حملاته السياسية في السنوات الأخيرة على مشاعر معاداة اللاجئين والمهاجرين، قائلاً إنَّ الساسة الأوروبيين الآخرين وجدوا الحل في الهجرة، وهو ما أعرب عن رفضه القاطع له، مثيراً نظرية مؤامرة "الاستبدال الكبير" التي يتبناها اليمين المتطرف.
وتابع أوربان: "إذا لم يعُد الأوروبيون يسكنون أوروبا مستقبلاً، وتقبلنا هذا باعتباره أمراً واقعاً؛ فنحن نتحدث إذاً عن تبديل للسكان، أي يحل آخرون محل السكان الأوروبيين.
هناك قوى سياسية في أوروبا ترغب في إبدال السكان لأسباب أيديولوجية أو أسباب أخرى".
أوروبا القارة الفارغة
وحظيت كلمات أوربان بتأييد أحد ضيوف شرف القمة، وهو رئيس الوزراء الأسترالي السابق توني أبوت، الذي حيَّا القائد المجري لتحليه بـ "الشجاعة السياسية لتحدي الكياسة السياسية".
وقال أبوت إنَّ الشعوب المُحتضِرة، وليس التغير المناخي، هي التهديد الأكبر الذي يواجه الحضارة الغربية، وانتقد بشدة الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل لتصريحاتهما الأخيرة بأنهما لن ينجبا سوى طفلين نتيجة التأثيرات على البيئة. وعلَّق أبوت: "خفض معدل الإنجاب في الدول الغربية لن يكون له تأثير يُذكَر على تحسين المناخ في ضوء ارتفاع معدل الإنجاب في مناطق أخرى".
واستحوذ موضوع الخوف من الزيادة السكانية في مناطق أخرى من العالم على اهتمام جلسة الافتتاح الصباحية لقمة بودابست، على الرغم من حضور وفود من عدة دول نامية.
وافتُتِحَت القمة بأداء فني كان هو المحدد للنغمة السائدة في القمة، إذ صوَّر حشوداً من الناس يتدفقون من الشمال والجنوب صوب أوروبا.
من جانبها، قالت كتالين نوفاك، وزيرة الدولة لشؤون الأسرة والشباب والشؤون الدولية في المجر: "أصبحت أوروبا قارة المهود الفارغة، بينما يواجهون في آسيا وأوروبا تحديات ديموغرافية معاكسة".
وشهدت القمة، التي تستمر ليومين، حضور رئيس وزراء التشيك أندريه بابيش، ورئيس صربيا ألكسندر فوتشيتش، اللذين صرحا بأنَّ تعزيز معدلات الإنجاب يمثل أولوية لخطط التطوير طويلة المدى في بلديهما. وقال فوتشيتش إنَّ بلده يفقد ما يعادل سكان بلدة متوسطة الحجم كل عام. وأضاف: "لدى الصربيين تعبير عن المعدلات السلبية للنمو السكاني، هو: الراية البيضاء".
مشروع التغيير الديموغرافي في المجر
وفي مراسلات خطية سابقة رداً على أسئلة من صحيفة The Guardian البريطانية، قال نوفاك إنَّ الحكومة المجرية ضاعفت الإنفاق العائلي خلال الفترة من 2010 إلى 2019؛ بهدف تحقيق "تغيير دائم في العمليات الديموغرافية بحلول 2030". ووفقاً لإحصائيات حكومية، ارتفعت معدلات الخصوبة من 1.2 إلى 1.5 طفل لكل سيدة. ومع ذلك، تظل هذه المعدلات أقل بكثير من معدل 2.1 الذي تقول الأمم المتحدة إنه مطلوب لنمو سكاني مستدام.
إضافة إلى ذلك، قدَّمت حكومات عدة دول في وسط أوروبا حوافز مالية لتشجيع إنجاب الأطفال؛ فمثلاً طرحت بولندا (خطة 500+) التي تدفع الحكومة بموجبها 500 زلوتي بولندي (127 دولاراً) للوالدين شهرياً عن كل طفل بدايةً من الطفل الثاني وما يزيد.
في حين قال بابيش إنَّ التشيك ترغب أيضاً في تشجيع تكوين عائلات كبيرة. وأضاف: "الطفل الثالث هو من يمثل أهمية كبرى… نحن لا نرغب في رشوة أي أحد لينجب طفلاً ثالثاً، لكن يجب توفير الدعم بالأساس للأسر التي تقرر طوعياً تحمل مسؤولية طفل ثالث".
وفي هذا الصدد، قررت الحكومة المجرية خلال العام الجاري توفير قروض بدون فوائد بقيمة 10 ملايين فورنت مجري (أي 33428 دولاراً) للأسر، وتصبح الأسرة معفاة من سداد القرض إذا كان لديها 3 أطفال.
وأنكر نوفاك أنَّ هذه الخطوة تضع ضغوطاً على النساء لإنجاب 3 أطفال: "على عكس الاتهامات المُسيَّسة والباطلة، لا نرغب في إجبار أي أحد على إنجاب الأطفال… من المثير للصدمة أننا نتعرض للهجوم باستمرار لمحاولة دعم الأسر بكافة الوسائل الممكنة".