في مساء خميسٍ قائظ خلال شهر يوليو/تموز الماضي، في مانهاتن وسط نيويورك، كان الناس في جميع أنحاء المدينة يستعدون لما وصفه خبراء الأرصاد الجوية بـ "أحرّ عطلة نهاية أسبوع في العام". وعلى مدار العقدين الماضيين، كانت تتزامن ذروة استخدام الكهرباء في المدينة مع الموجة الحارة، إذ يلجأ ملايين الأشخاص إلى تشغيل وحدات تكييف الهواء في نفس الوقت. ولذلك، في المقر الرئيسي لشركة Con Edison بوسط المدينة، حيث تقع الشركة التي تزوّد أكثر من 10 ملايين شخص في نيويورك بالكهرباء، كان الموظفون مشغولين بتحويل قاعة المؤتمرات في الطابق التاسع عشر إلى مركز قيادةٍ للطوارئ.
وبداخل قاعة المؤتمرات، اجتمع ما يقرب من 80 مهندساً ومسؤولاً تنفيذياً بالشركة، وانضم إليهم ممثلون عن قسم إدارة الطوارئ بالمدينة، لمراقبة حالة شبكة الطاقة بالمدينة، وتوجيه الأطقم الأرضية، ومشاهدة مجموعةٍ من المؤشرات التي تعرض تصاعد استهلاك الكهرباء في كل منطقةٍ بالمدينة. وقال أنتوني سوزو، كبير مشغِّلي الأنظمة الأسبق بالشركة، لصحيفة The Guardian البريطانية: "الأمر أشبه بالجسر الموجود في مسلسل Star Trek، لديك كل القوى العاملة على متن السفينة، ويطلبون "سكوتي" إصلاح الأشياء. النظام يعمل في تلك الأثناء بأقصى قدرةٍ له".
الأمر يفوق قدرات شركات الكهرباء
وتُقاس قدرة شبكات الطاقة بمقدار الكهرباء التي يمكنها أن تمر من خلالها في أي وقت. وبإمكان شبكة Con Edison، التي تملك 62 محطة طاقة فرعية وأكثر من 21 ألف كيلومتر من خطوط وأسلاك الطاقة عبر مدينة نيويورك ومقاطعة ويستتشستر، توصيل 13,400 ميغاواط كل ثانية؛ أي ما يعادل تقريباً 18 مليون حصان.
وفي أي يوم عادي، تحتاج مدينة نيويورك إلى حوالي 10 آلاف ميغاواط كل ثانية؛ وخلال الموجة الحارة، قد يتجاوز هذا الرقم الـ13 ألف ميغاواط في الثانية. والجمع بين زيادة الطلب ودرجات الحرارة العالية قد يتسبب في سخونةٍ مفرطة لبعض أجزاء النظام وتعطلها، مما يؤدي إلى انقطاع الطاقة الكهربائية. وفي عام 2006، أدّى عطلٌ في المعدات إلى حرمان 175 ألف شخص في كوينز من الطاقة الكهربائية لمدة أسبوع، خلال موجة حارة تسببت في مقتل 40 شخصاً.
مكيّفات الهواء المتعطشة للطاقة
وهذا العام، في مساء يوم الأحد 21 يوليو/تموز، بدرجة حرارة تتجاوز 36 درجة مئوية وطلبٍ تجاوز الـ12 ألف ميغاواط في الثانية؛ قطعت شركة Con Edison الطاقة عن 50 ألف إنسان في بروكلين وكوينز لمدة 24 ساعة، خوفاً من انهيار أجزاءٍ من شبكة الطاقة القريبة التي تغذي المنطقة. وكان يمكن أن يؤدي هذا الانهيار إلى قطع الكهرباء عن مئات الآلاف من الأشخاص لمدة أيام. واضطرت الولاية إلى إرسال الشرطة لمساعدة السكان، ووزّع طاقم عمل شركة Con Edison الثلج الجاف على الأشخاص لتبريد منازلهم.
ولأن العالم يزداد حرارة، سوف تصبح مشاهدُ مثل هذه مألوفة وشائعة. وقد يكون شراء مكيف هواء هو الاستجابة الفردية الأكثر شيوعاً في مواجهة التغيرات المناخية. وتعد مكيفات الهواء أجهزةً متعطشة للطاقة على نحوٍ فريد، إذ تستهلك وحدة التبريد الصغيرة لغرفةٍ واحدة -في المتوسط- طاقة أكبر مما تستهلكه أربع ثلاجات. بينما وحدة التبريد المركزية لمنزل متوسط الحجم تستهلك طاقةً أكبر من 15 ثلاجة. ويقول جون دولاك، المحلل بوكالة الطاقة الدولية: "العام الماضي في بكين، خلال الموجة الحارة، كانت مكيفات الهواء تستهلك 50% من الطاقة الكهربائية للمدينة. إنّها لحظاتٌ عصيبة".
ويوجد الآن أكثر من مليار وحدة تكييف هواء سعة الغرفة الواحدة في العالم، أي حوالي وحدة لكل سبعة أشخاص على سطح الأرض. وتوقعت عدة تقارير وصول العدد إلى أكثر من 4.5 مليار وحدة بحلول عام 2050، أي ستصبح في كل مكان مثل الهواتف المحمولة الآن.
المكيفات تنتج مليارَي طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام
ويصل استهلاك الولايات المتحدة للطاقة الكهربائية لأغراض تكييف الهواء كل عام ما يعادل الاستهلاك الإجمالي لبريطانيا. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أنَّه في حال وصول بقية العالم إلى مستويات مشابهة، سوف تستهلك مكيفات الهواء حوالي 13% من إجمالي الطاقة الكهربائية على سطح الكوكب، وتنتج مليارَي طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام، بما يُعادل الكمية التي تنتجها الهند في اليوم، وهي الدولة الثالثة على العالم من حيث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وأشارت جميع التقارير إلى المفارقة المخيفة لتلك الحلقة المفرغة: إذ تُؤدي درجات الحرارة الأعلى إلى المزيد من مكيفات الهواء؛ والمزيد من مكيفات الهواء تؤدي إلى درجات حرارةٍ أعلى. وتُشبه مشكلة مكيفات الهواء، بصورة أصغر، المشكلة التي تواجهنا عند معالجة الكارثة المناخية. فالحلول التي نتوصل إليها بسهولة تقربنا فقط من المشكلة الأصلية، ولا تعالجها.
وتلك الهيمنة العالمية لوجود مكيفات الهواء لم تكن حتمية. فحتى وقتٍ قريب، في العقد الأخير من القرن الماضي، لم يكن هناك سوى 400 مليون وحدة مكيف هواء في العالم، غالبيتها في الولايات المتحدة. وكانت مُصممةً بشكلٍ أساسي للاستخدامات الصناعية، حتى أصبح تكييف الهواء في النهاية أمراً أساسياً، ورمزاً للحداثة والراحة.. ثم أصبح ظاهرةً عالمية. واليوم، كما هو الحال مع الأسباب الأخرى وراء الأزمة المناخية، نسابق الزمن للعثور على حلول، ومحاولة فهم كيف انتهى بنا المطاف بهذا الارتباط الوثيق مع تقنيةٍ سوف تتسبب في هلاكنا.
التقنية التي ستتسبب في هلاكنا
ومثل القناطر المائية أو السيارات، كانت مكيفات الهواء هي التقنية التي غيَّرت مجرى العالم. ووصفها لي كوان يو، أول رئيس وزراءٍ لسنغافورة المستقلة، بـ "واحد من الابتكارات البارزة في التاريخ"، إذ سمحت بالتحديث السريع لبلده الاستوائي. وفي عام 1988، قال الأكاديمي الأمريكي ريتشارد ناثان لصحيفة New York Times إنّ مكيفات الهواء، إلى جانب "حركة الحقوق المدنية"، هي العامل الأكبر في تغيير التركيبة السكانية والسياسات الأمريكية على مدار العقود الثلاثة السابقة، إذ مكنت حدوث تنمية سكانية واسعة النطاق في الجنوب الأمريكي الحار جداً، والمحافظ جداً.
كيف بدأت فكرة مكيفات الهواء؟
قبل قرنٍ من الزمن، لم يكن الكثيرون يتوقعون ذلك. فخلال أول 50 عاماً من تواجد مكيفات الهواء، اقتصر وجودها بشكل رئيسي على المصانع وعددٍ قليل من الأماكن العامة. ويرجع الفضل في ابتكاره إلى ويليس كارير، المهندس الأمريكي في شركة التدفئة والتهوية، الذي كُلّف في عام 1902 بمهمة تقليص الرطوبة داخل مصنع طباعةٍ في بروكلين.
ولكننا نفترض اليوم أنَّ الغرض من تكييف الهواء هو تقليص الحرارة، لكن المهندسين في ذلك الوقت لم يكن اهتمامهم الوحيد يرتكز على درجات الحرارة؛ إذ أرادوا خلق أكثر الظروف ملاءمةً واستقراراً للإنتاج الصناعي. وفي مصنع للطباعة، كانت الرطوبة تفسد ألواح ورق الطباعة وتُلطِّخ الحبر.
وأدرك كارير أنَّ إزالة الحرارة من هواء المصنع سوف يحد من الرطوبة، لذا استعان بتقنية صناعة التبريد الناشئة في ذلك الوقت لإنشاء ما كان، وما يزال في الواقع، ثلاجةً مرفوعة. وكانت مكيفات الهواء تعمل كما هي الآن، تستنشق الهواء الدافئ، وتمرره على سطحٍ بارد، لتُخرج الهواء الجاف والبارد.
نجح هذا الابتكار بشكل فوري في الصناعة، وكانت مصانع النسيج والذخيرة والمستحضرات الدوائية من أوائل الداعمين لهذا الاختراع، ثم بدأ ينتشر في أماكن أخرى. ظهرت مكيفات الهواء في مجلس النواب عام 1928، ثم البيت الأبيض ومجلس الشيوخ عام 1929. ولكن خلال تلك الفترة، لم يتعرض غالبية الأمريكيين لأجهزة التكييف إلا في أماكن مثل المسارح أو المتاجر الكبرى، حيث كانوا يعتبرونها من مظاهر الحداثة والإبداع المترفة.
الأربعينيات.. المكيّفات تغزو أمريكا
واستمر الأمر على هذا الحال حتى أواخر أربعينيات القرن الماضي، حين بدأت مكيفات الهواء دخول المنازل. عندئذ، يمكننا القول إنَّ مكيفات الهواء غزت الولايات المتحدة فعلياً. وقبل ذلك، وفقاً للمؤرخة غيل كوبر، عانت صناعة تكييف الهواء من أجل إقناع العامة بأن مكيفات الهواء ضرورة، وليست من مظاهر الترف.
وفي كتابها عن الأيام الأولى لصناعة تكييف الهواء "تكييف أمريكا بالهواء Air-Conditioning America"، قالت كوبر إنَّ المجلات وصفت سلوك صناعة مكيفات الهواء في ذلك الوقت بـ "التذلل" إلى المستهلكين. وقالت مجلة Fortune إنها "خيبة الأمل الكبرى في الثلاثينيات". وبحلول عام 1938، لم يكن هناك سوى منزل واحد من بين كل 400 منزل أمريكي يحتوي على مكيف هواء، بينما تصل النسبة اليوم إلى قرابة التسعة منازل من كل 10.
ولم يكن الانفجار المفاجئ في الطلب على السلع الاستهلاكية هو ما أدّى إلى انتشار مكيفات الهواء، ولكنه تأثير الصناعات خلال طفرة الإسكان الكبيرة بعد الحرب. بين عامَي 1946 و1963، أُنشىء 31 مليون منزل جديد في الولايات المتحدة، وبالنسبة لمن كانوا يبنون تلك البيوت، كانت مكيفات الهواء بمثابة هِبة من السماء.
لم يعد على المهندسين وشركات الإنشاءات القلق بشأن التغيرات المناخية، إذ يمكنهم بيع نفس تصميم المنزل بسهولة سواء كان في نيو مكسيكو أو ديلاوير. كانت العقلية السائدة في هذا الوقت إن أي مشكلات بسبب الطقس الحار، أو مواد البناء الرخيصة، أو رداءة التصميم، أو التخطيط السيئ للمدينة يمكن التغلب عليها، كما كتبت الجمعية الأمريكية للمعماريين في عام 1976: "عن طريق الاستخدام الغاشم للمزيد من مكيفات الهواء". وكتبت كوبر: "كان المهندسون والمعماريون والبنوك هم مَن وافقوا على مكيفات الهواء أولاً، ولم يكن أمام العملاء إلا مواجهة الأمر الواقع، والتصديق عليه".
ويأتي انتشار المرافق الكهربائية، والشركات التي تدير محطات توليد الطاقة الكهربائية وبيعها إلى المستهلكين، بنفس مقدار أهمية انتشار مكيفات الهواء. تستفيد تلك الشركات من كل منزل جديد ينضم إلى شبكتهم، ولكن خلال بدايات القرن العشرين كانوا يبحثون أيضاً عن طرق تدفع هؤلاء المستخدمين الجدد إلى استهلاك المزيد من الطاقة الكهربائية في منازلهم. كانت تُعرف هذه العملية بـ "تعزيز الأحمال"، بعد إطلاق مصطلح "الأحمال" تعبيراً عن مقدار الكهرباء المستهلكة في أي وقت. يقول ريتشارد هيرش، مؤرخ تقني بجامعة فرجينيا للتقنية: "كانت تكلفة الكهرباء منخفضة، لذا كان تعزيز الأحمال أمراً جيداً لشركات الكهرباء. يرفعون معدلات الطلب، ويشجعون العملاء على استهلاك المزيد من الكهرباء بحيث يمكنهم التوسع وإنشاء محطات توليد طاقة جديدة".
وأدركت شركات الكهرباء سريعاً أن مكيفات الهواء يمكنها تعزيز الأحمال بشكل قوي. في عام 1935، ذكرت شركة Commonwealth Edison، التي تحولت فيما بعد إلى شركة Con Edison الحالية، في تقرير نهاية العام أن طلب الطاقة من مكيفات الهواء ازداد بمعدل 50% خلال العام، مع إمكانات كبيرة لزيادة تلك النسبة في المستقبل. وفي نفس العام، ذكرت مجلة Electric Light & Power، المتخصصة في هذا المجال، أن الشركات في المدن الكبيرة تشجع الآن على استخدام مكيفات الهواء. ومن أجل مصلحتهم، ينبغي أن تنشط جميع شركات الطاقة في هذا المجال".
مواكبة موجة الرأسمالية الأمريكية الكبيرة
وفي خمسينات القرن الماضي، حلّ المستقبل المنتظر. قدمت شركات الكهرباء إعلانات مطبوعة وإذاعية ومصوّرة تروّج لمكيفات الهواء، فضلاً عن توفير تمويل وخصومات لشركات الإنشاءات التي تركّب المكيفات. وفي عام 1957، كانت أول مرة تذكر فيها شركة Commonwealth Edison إن ذروة استهلاك الكهرباء لم تكن في الشتاء، عند استخدام أجهزة التدفئة، بل كانت خلال الصيف، عند استخدام وحدات تكييف الهواء. وبحلول عام 1970، أصبحت أجهزة التكييف في 35% من المنازل الأمريكية، أي أكثر 200 مرة من عددها قبل ثلاثة عقود.
وفي نفس الوقت، كانت المباني التجارية المتعطشة لمكيفات الهواء تنتشر في أنحاء الولايات المتحدة. وأصبحت ناطحات السحاب الزجاجية بالكامل، وتصميم البناء الذي يخصص أكثر من نصف احتياجاته من الطاقة الكهربائية لتكييف الهواء بسبب خصائص الانعكاس الضعيفة ونقص التهوية، النموذج الأكثر شيوعاً في الولايات المتحدة. وبين عامَي 1950 و1970 ازداد متوسط استهلاك الطاقة الكهربائية لكل متر مربع في المباني التجارية لأكثر من الضعف. وكان مركز التجارة العالمي في نيويورك، الذي اكتمل بناؤه عام 1974، وقتذاك لديه أكبر وحدة تكييف هواء في العالم، بتسعة محركات هائلة وأكثر من 270كم من أنابيب التبريد والتدفئة. وذكرت وسائل إعلامية في ذلك الوقت أن المركز يستهلك يومياً نفس كمية الطاقة الكهربائية التي تستهلكها مدينة سكنيكتادي القريبة، البالغ عدد سكانها 80,000 نسمة.
واتجهت شركات تكييف الهواء، والإنشاءات وشركات الكهرباء جميعاً نحو مواكبة موجة الرأسمالية الأمريكية الكبيرة بعد الحرب. وفي سعيها لتحقيق الأرباح، عملت تلك الشركات على التأكد من أن يصبح مكيف الهواء مكوناً أساسياً في حياة الأمريكيين. قال أحد المديرين التنفيذيين بشركة تكييف الهواء لمجلة Time عام 1968: "ينشأ أطفالنا في ثقافة تكييف الهواء، لا يمكنك أن تتوقع منهم المعيشة في منزل غير مكيف الهواء". وبمرور الوقت، وجد الجمهور أنهم أحبوا تكييف الهواء، واستمر معدل استخدامه في الارتفاع، ليصل إلى 87% من المنازل الأمريكية بحلول عام 2009.
كانت طفرة المباني والإنشاءات ما بعد الحرب تستند إلى فكرة أن كل تلك المباني الجديدة سوف تستهلك كمّاً هائلاً من الطاقة، ولن يمثّل ذلك أي مشكلات خطيرة في المستقبل. وفي عام 1992، نشرت مجلة Energy and Buildings مقالاً كتبه الأكاديمي البريطاني غوين برينز، قال فيه إن إدمان الأمريكيين على مكيفات الهواء يعد رمزاً "للانحطاط العميق". ولخّص برينز العقيدة الأمريكية على النحو التالي: "ينبغي ألا نشعر بالحر، وأن تفيض أطباقنا عن آخرها، وأن يكون سعر غالون الوقود 1 دولار، آمين".
الإدمان على المكيّفات يغزو العالم
وفي الوقت الذي كانت تعيد فيه مكيفات الهواء تشكيل المدن الأمريكية، كان تأثيرها أقل في الأماكن الأخرى. (مع بعض الاستثناءات؛ مثل اليابان وأستراليا وسنغافورة التي كانت من أوائل مَن تبنَّت تقنية تكييف الهواء). ولكن الآن، انتشرت مكيفات الهواء أخيراً في كل أنحاء العالم. وإذا كان انتشار مكيفات الهواء في الولايات المتحدة يرجع إلى الطفرة الإنشائية والاستهلاكية بعد الحرب، فإن انتشاره في العصر الحديث يرجع إلى العولمة. إذ بدأ العالم يتجه إلى النمط الأمريكي في البناء والمعيشة، وينطبق نفس الأمر على مكيفات الهواء.
في تسعينيات القرن الماضي، انفتحت العديد من الدول في آسيا على الاستثمار الأجنبي وشرعت في إحداث طفرة إنشاءات حضرية غير مسبوقة. على مدار العقود الثلاثة الماضية، انتقل حوالي 200 مليون شخص في الهند إلى المدن؛ وفي الصين، وصل عدد المنتقلين إلى المدن أكثر من 500 مليون شخص. ومن نيودلهي إلى شنغهاي، بدأت المباني التجارية والفنادق والمجمعات التجارية مكيفة الهواء في الانتشار. تلك المباني لا يمكن تمييزها عن نظيراتها في نيويورك أو لندن، وغالباً ما تُصمم وتُبنى بواسطة نفس المهندسين والمعماريين. يقول أشوك لال، المهندس الهندي الذي يركز على تصميمات المساكن التي تحتاج إلى طاقة منخفضة: "عندما تحتاج إلى المال اللازم من بقية العالم لإنشاء تلك المباني الشاهقة، غالباً ما يأتي المال مع مصمم أو استشاري أمريكي أو أوروبي. وتكون مكيفات الهواء ضمن الباقة الإنشائية، فهم يعتقدون أنه مرادف للتقدم".
تصاميم المنازل والمكاتب جعلت مكيفات الهواء ضرورة لا غِنى عنها
ومع زيادة معدلات ونطاق الإنشاءات بشكل مكثف، أصبحت الوسائل المعمارية التقليدية لتخفيف درجات الحرارة ضرباً من ضروب الماضي. تقول لينا توماس، أستاذة الهندسة المعمارية الهندية بجامعة سيدني التقنية: "خلال تسعينيات القرن الماضي في دلهي، بدأت التصميمات الأمريكية والأوروبية تحل محل تصميمات المباني القديمة، التي تعتمد في تعاملها مع الحرارة على النوافذ والواجهات الزائفة وتعريشات المظلات". وأضافت: "ويمكنني القول إن هذه التصميمات العالمية أمامها الكثير من التساؤلات التي ينبغي أن تجيب عليها". مثل الولايات المتحدة تماماً ولكن على نطاق أوسع، أصبحت المنازل والمكاتب تُصمَّم بطريقة تجعل مكيفات الهواء ضرورة لا غِنى عنها.
يقول راجان راوال، أستاذ الهندسة المعمارية وتخطيط المدن في جامعة مركز التخطيط البيئي والتقني في أحمد أباد: "المطورون يصممون ويبنون دون تفكير. السرعة المطلوبة لإتمام تلك الإنشاءات وضعت الكثير من الضغط على المعماريين. لذا، اهتموا بإتمام أعمال البناء واعتمدوا على التكنولوجيا الحديثة لإصلاح أي مشكلات لاحقاً".
يقول لال إنه حتى مع الإمكانيات المادية المتوسطة من الممكن تقليص الحاجة إلى مكيفات الهواء من خلال وضع التصميمات المناسبة بدقة وعناية. ويقول: "يمكنك الموازنة بين أحجام الفتحات، وحجم الجدار، والخصائص الحرارية، واتجاه الظلال". ولكنه يقول إن المطورين بشكل عام غير مهتمين بذلك. وأضاف: "إنهم يعارضون حتى أشياء بسيطة مثل الظلال وعزل السقف. لا يبدو أن المعماريين يقدّرون هذه الأساليب بأي شكل. يريدون مباني مكونة من 10 إلى 20 طابقاً قريبة من بعضها البعض. هذه هي الطريقة التي تُدار بها الأعمال الآن، وما تجبرنا المدن على تنفيذه، مدفوعين بالمضاربة وقيمة الأرض".
مكيفات الهواء.. الخيار الأسهل دائماً
ويرى الناقد الفني الصيني "هو هانرو" أن هذا الاعتماد على تكييف الهواء أحد أعراض ما يُطلق عليه "عصر ما بعد التخطيط". اليوم، نادراً ما نرى أي تخطيط بالطريقة التقليدية التي نعرفها لتحقيق تنمية مركزية ومنهجية مسبقة. تُملي الأسواق مواصفاتها للتنمية بسرعة خارقة، وبالنسبة للسكان الفعليين، سوف تتوفر لهم الظروف اللازمة للمعيشة لاحقاً، على أجزاء. تقول مارلين ساهاكيان، عالمة الاجتماع التي تدرس استخدام مكيفات الهواء في الفلبين: "ترى تلك الأبراج الشاهقة ترتفع، وتدرك أن احتياج تلك المباني لمكيفات الهواء ضرورة".
وفي مقابلة حديثة في لندن، أعرب المهندس المعماري الماليزي كين يانغ عن أسفه لما اعتبره خسارة جيل كامل من المهندسين والمعماريين بسبب الاعتماد على الوقود الأحفوري للسيطرة على البيئة. ويقول: "تسببت تلك المباني في الكثير من الأضرار. لقد فقدت الأمل بالكامل في جيلي؛ ربما بإمكان الجيل القادم أن يتمكن من إنقاذ الموقف".
وبالنسبة لمؤيدي استخدام مكيفات الهواء، غالباً ما يقدمون تلك الأجهزة على أنها خيار بسيط يتخذه المستهلكون لتحسين حياتهم أثناء تسلُّقهم السلم الاقتصادي والاجتماعي. ولكن في العام الماضي، قال مسؤول تنفيذي في الفرع الهندي لشركة Daikin اليابانية العملاقة لصناعة مكيفات الهواء لوكالة Associated Press: "لم تعد مكيفات الهواء منتجاً فارهاً، ولكنها ضرورة. الجميع يستحقون مكيفات هواء".
وأصبحت تلك النغمة مألوفة في ولاية راجستان الهندية الآن كما كانت في الولايات المتحدة منذ 70 عاماً. وبمجرد أن تدخل مكيفات الهواء حياة الأفراد، سوف يرغبون في الاحتفاظ بها. ولكن في الحقيقة، هناك قوى خارج سيطرة المستهلكين تعيق قدرتهم على اتخاذ تلك القرارات. في كتابها Vietnam الصادر عام 1967، تعكس ماري ماكارثي هذا التحريم الخفي للاختيارات في الحياة الأمريكية. كتبت: "في غرف الفنادق الأمريكية، يمكنك أن تقرر تشغيل أو عدم تشغيل مكيفات الهواء، ولكن لا يمكنك فتح النافذة".
ما الحل لمشكلة مكيفات الهواء؟
إحدى الخطوات الممكنة التي يمكنها حل المشكلات التي سببتها مكيفات الهواء، ولا تتطلب إجراء إصلاح شامل للمدن الحديثة، تتمثل في إنشاء مكيف هواء أفضل. هناك متسع كبير لتحسين تقنية تكييف الهواء. ابتكار مكيف الهواء سبق اختراع أول طائرة وأول بث إذاعي عام، ومع ذلك لم تتغير التكنولوجيا الأساسية منذ 1902.
يقول كولين غودوين، المدير الفني لجمعية بحوث ومعلومات خدمات البناء: "كل شيء لا يزال يعتمد على دورة ضغط البخار؛ مثل الثلاجة. وهي نفس العملية المستخدمة منذ قرن تقريباً. ما حدث أننا توسعنا في القدرة على تحمل تكلفة مكيفات الهواء، ولكن فيما يتعلق بالكفاءة، فقد تحسنت ولكن ليس بشكل كبير".
في العام الماضي، أطلقت مؤسسة جبل روكي، مركز أبحاث أمريكي لسياسات الطاقة، مخططاً لتشجيع المهندسين على تصميم وإنشاء مكيفات هواء أكثر كفاءة وفاعلية، ونال اعتماد البرنامج البيئي للأمم المتحدة وحكومة الهند. وتقدم 3 ملايين دولار للفائز بجائزة Global Cooling الافتتاحية. الهدف هو تصميم مكيف هواء بكفاءة خمسة أضعاف الطرازات القياسية الحالية، ولكن لا يحتاج إلى أكثر من ضعف التكلفة لإنتاجه. تلقت المؤسسة أكثر من مئة مشاركة، من مخترعين مستقلين وجامعات بارزة، وفرق بحثية من شركات عملاقة لصناعة الأجهزة يُقدّر رأسمالها بمليارات الدولارات.
الحد من الانبعاثات العالمية لمكيفات الهواء
ولكن كما هو الحال مع الاستجابات التكنولوجية الأخرى للتغيرات المناخية، من غير المؤكد أن وجود مكيف هواء أكثر كفاءة قد يحد بشكل كبير من الانبعاثات العالمية. وفقاً لمؤسسة جبل روكي، من أجل منع ارتفاع إجمالي الانبعاثات العالمية من مكيفات الهواء الجديدة، سوف نحتاج إلى طرح هذا المكيف الفعال الفائز بالجائزة في الأسواق بحلول عام 2022، وأن يستحوذ على 80% من السوق بحلول عام 2030.
بمعنى آخر، ينبغي أن يحل هذا المنتج الجديد بالكامل محل منافسيه في أقل من عقد. ويصف بنجامين سوفاكول، أستاذ سياسات الطاقة بجامعة ساسكس والمؤلف الرئيسي لتقرير اللجنة الدولية للتغيرات المناخية، هذا الطموح بأنه غير مستحيل، ولكنه غير محتمل بشكل كبير.
ويقول: "نحب دائماً أن نصدق فكرة التكنولوجيا المنقذة. إنها مريحة ببساطة". في الواقع، أثبتت هذه الفكرة أنها مريحة لدرجة مناقشتها في الكثير من الأحيان كما لو كانت استجابتنا الأولى والأفضل للتغيرات المناخية، حتى عندما يكون الإطار الزمني اللازم لاختراع وتنفيذ تلك التقنيات ضيقاً جداً يؤثر على مصداقيتها.
تقول جيانا أورغي فورساتز، أستاذ التغيرات المناخية وسياسات الطاقة بجامعة أوروبا المركزية، والمؤلفة الرئيسية للتقرير المقبل للجنة الدولية للتغيرات المناخية: "نرحب بالتأكيد بأي تقنية جديدة أفضل لمكيفات الهواء، ولكن من المفترض أن تكون رابع أو خامس شيء على قائمتنا للحد من انبعاثات مكيفات الهواء". ومن بين الأولويات الأخرى التي ذكرتها تأتي زراعة الأشجار، وتعديل المباني القديمة لتحصل على تهوية مناسبة، والتوقف عن بناء "الأقفاص الخرسانية والزجاجية التي لا يمكنها تحمل الموجة الحارة". وأضافت: "كل هذه الأمور أرخص أيضاً على المدى الطويل".
ولكن على الرغم من أن تلك الأمور أرخص من الناحية العملية، فهي تتطلب تغييرات سلوكية وتحولات سياسية كبرى. ولكن لا أحد يعلم كيفية إجراء تلك التغييرات على النطاق العالمي والمنهجي الذي تتطلبه شدة هذه الأزمة.
استخدموا المكيفات بشكل أقل
إذا لم تكن التكنولوجيا على وشك إنقاذنا حقاً، ويبدو أن التغييرات السياسية العالمية أملاً بعيد المنال، يظل هناك طريقة بسيطة جداً لتقليل الأضرار البيئية الناجمة عن تكييف الهواء؛ استخدامه بشكل أقل. ولكن، كما كتبت عالمة الاقتصاد البيئية والباحثة في اللجنة الدولية للتغيرات المناخية جوليا شتاينبرغر، فإن أي مقترحات جادة لتغيير أنماط حياتنا، مثل الحد من القيادة، أو الطيران أو استيراد الأفوكادو، تعتبر زندقة أو درباً من الجنون. ونفس الأمر على مكيفات الهواء، إذ تترجم الدعوات للحد من استخدامها على أنها مقترحات لقتل الناس في الموجات الحارة، أو دليل على رغبة خبيثة في حرمان الناس من وسائل الراحة التي يتمتع بها المواطنون في الدول الغنية.
هذا الصيف، نشرت صحيفة New York Times مقالاً بعنوان "هل يحتاج الأمريكيون إلى مكيفات الهواء؟" أوردت فيها آلاف المنشورات الغاضبة من مواقع التواصل الاجتماعي لشخصيات مختلفة. قالت الكاتبة والناقدة النسوية روكسان جاي ("لن تستمر أسبوعاً في فلوريدا من دونه")، وقال الناقد والأكاديمي المحافظ توم نيكولز ("مكيفات الهواء هي سبب مغادرتنا الكهوف، لكي تأخذ مني مكيف الهواء عليك أن تنتزعه من بين أيدي المتجمدة).
وبالرغم من ردود الفعل العكسية، فهي تقدم دليلاً ملحوظاً على الاعتماد المبالغ فيه على مكيفات الهواء يحتاج إلى المراجعة. لوقت طويل، انفرد مهندسو تكييف الهواء بتحديد درجة حرارة الغرفة المثالية المفترضة، باستخدام معايير تفترض إن كل البشر تريد نفس نطاق درجات الحرارة في كل الأوقات. الفكرة الأساسية هي الشعور بالراحة، وإن درجة حرارة المبنى الموجود في جاكرتا هي نفس درجة حرارة المبنى في بوسطن. تقول لينا توماس: "عملياً، هذا يعني إن درجة حرارة معظم المباني مكيفة الهواء حوالي 20 درجة مئوية".
لكن لم يقبل الجميع فكرة وجود درجة حرارة "مناسبة" للجميع. أشارت دراسات إلى أن درجة الحرارة المثالية للرجال تختلف عن النساء. نُشر مقال عام 2015 في صحيفة Telegraph يقول إن الرجال في جميع بيئات العمل حول العالم ينعمون بدرجات الحرارة المثالية لهم، بينما يتركون النساء تتجمد. وهو واحد من مقالات كثيرة تشير إلى أن البحث العلمي يؤكد ببساطة حقيقة تعرفها ملايين النساء حول العالم.
وتوصل الباحثون أيضاً إلى أن الأشخاص الذين يعيشون في مناطق حارة، حتى لفترة قصيرة جداً، يشعرون بالراحة عندما تكون درجات حرارة الغرفة أعلى. مما يؤكد على إن شعور البشر بالراحة مسألة تكيفية وليست مجردة، سواء كانت تلك حالة ذهنية أو تعديلاً بيولوجياً. في مؤتمر حديث حول مكيفات الهواء في لندن، سخر مندوب هندي من الحشد: "إذا كان بإمكاني العمل والانجاز في درجة حرارة 30 مئوية، يمكنكم ذلك أيضاً".
بالإضافة إلى قوة الأدلة المعارضة لفكرة درجة الحرارة "المثالية"، أجرى فريدريك رولز، عالم النفس وعضو الجمعية الأمريكية لمهندسي التدفئة والتبريد وتكييف الهواء، دراسات أظهرت أن الأشخاص الذين تُعرض عليهم مؤشرات حرارة عالية زائفة يشعرون بالدفء، حتى إذا كانت حرارة الغرفة الفعلية باردة. وكتب في عام 2007: "هذه الأمور تدفعني أنا وزملائي المهندسين إلى حافة الجنون. الشعور بالراحة مجرد مسألة ذهنية!".
وأشار أشوك لال إلى أنه بمجرد انفتاح الأشخاص على فكرة إمكانية تغيير درجة الحرارة في المباني، سيكون بناء المنازل التي تعتمد على مكيفات الهواء هو الملاذ الأخير، وليس أولى الحلول. وقال: "لكن لا توجد ثقافة جماعية أو لوائح تدعم ذلك". في الوقت الراهن، معسكر حتمية استخدام مكيفات الهواء هو من يتحكم في الأمور، وتستمر وجهة نظرهم في الانعكاس على معايير وقواعد البناء في جميع أنحاء العالم.
كيف يمكننا إذاً إنقاذ أنفسنا من مصيدة تكييف الهواء؟
في سلسلة العادات والتقنيات التي نحتاج إلى الحد منها أو التخلي عنها من أجل تجنب أسوأ تأثيرات الأزمة المناخية، يقع تكييف الهواء في مكان ما في منتصف السلسلة؛ أصعب من التخلي عن عاداتنا بتناول اللحوم خمس مرات أسبوعياً، وأسهل من الحد من استهلاك وقود السيارات الأحفوري.
وفقاً لنيك مابي، الموظف المدني الكبير الأسبق والذي يدير مركز الأبحاث الاستشارية E3G للسياسات المناخية في بريطانيا، فإن مكيفات الهواء مثل العديد من المنتجات الاستهلاكية المترسخة بعمق في المجتمع، وتؤدي – بشكل مجمّع – إلى الاحترار العالمي، ولكنها هربت من سيطرة معظم الحكومات. هناك سوابق قليلة لصدور تشريعات تنظيمية بهذا الشأن من أعلى لأسفل. ويقول: "لا يوجد إدارة أو وزارة تتولى ذلك، لا يوجد شخص يمكنك التحدث إليه بشأن السيطرة على مكيفات الهواء".
يقول مابي إن المفتاح يكمن في العثور على أماكن حيث يمكن السيطرة على مكيفات الهواء هناك، والشروع في ذلك. ويدعم مابي برنامج الأمم المتحدة الذي يهدف إلى تحسين كفاءة مكيفات الهواء للحد من انبعاثاتها. في الوقت الحالي، يبلغ متوسط كفاءة مكيفات الهواء المتاحة في الأسواق حوالي نصف كفاءة أفضل وحدة متوفرة. إغلاق هذه الفجوة ولو بشكل قليل سوف يؤدي إلى تقليل جزء كبير من الانبعاثات في المستقبل.
وعلى المستوى المحلي، هناك بعض التقدم. أقر مجلس مدينة نيويورك مؤخراً تشريعاً بعيد المدى يُلزم كل المباني الكبيرة في المدينة بتقليل انبعاثاتها الإجمالية بمقدار 40% بحلول عام 2030، بهدف الوصول إلى 80% بحلول عام 2050، مع فرض غرامات باهظة على المخالفين. يقول كوستا قسطنطينس، عضو مجلس المدينة الذي قدّم التشريع: "إنه أكبر خفض لانبعاثات الكربون تفرضه أي مدينة". ويعمل مكتب عمدة لوس أنجلوس على خطط مماثلة، بجعل كل المباني خالية من انبعاثات الكربون بحلول عام 2050.
مكيفات الهواء أصبحت وسيلة للتحكم في المناخ
وتتخذ مدن أخرى إجراءات مباشرة أكثر. في منتصف ثمانينات القرن الماضي، منعت الحكومة المحلية تركيب مكيفات الهواء إلا بإذن خاص في جنيف، التي تتسم بمناخ أكثر دفئاً من معظم مدن الولايات المتحدة. ويعد هذا النهج شائع نسبياً في أنحاء سويسرا، ونتيجة لذلك، تستهلك مكيفات الهواء أقل من 2% من إجمالي الطاقة الكهربائية المستهلكة في البلاد. ولا يبدو إن السويسريين يفتقدون مكيفات الهواء كثيراً، ونادراً ما يناقشون غيابه، وقد تعودوا على الاستغناء عنه بشكل كبير.
وفي الدول التي تعد فيها مكيفات الهواء حديثة نسبياً، لا يزال هناك فرصة للعثور على بدائل أخرى قبل أن يصبح ركيزة أساسية لا غنى عنها. تقول توماس إن الهدف يجب أن يكون "تجنب أسوأ ما في الغرب". مؤخراً، اعتمدت الحكومة الهندية توصيات توماس، وراوال وآخرون بخصوص قانون بناء المساكن الوطنية في أنحاء البلاد (يقول راوال إنه "مشروع قانون قوي للغاية"). ويسمح القانون بدرجات حرارة أعلى داخل المباني بناء على الدراسات الميدانية الهندية، لمستويات الراحة الهندية، ووصف "الانتشار المتزايد" للمباني التي تستخدم مكيفات الهواء بأنها "الملاذ الأخير".
الاستغناء عن مكيفات الهواء لا يعني ترك الحداثة، ولكنه يعني مواجهة بعض عواقبها. يقول كين يانغ: "لا يتعلق الأمر بالعودة إلى الماضي. ولكن سابقاً، كان البشر يعرفون كيف يتعاملون مع المناخ. ثم أصبحت مكيفات الهواء وسيلة للتحكم في المناخ، ولم يعد مصدر قلق لديهم. لم ينظر وقتها أحد إلى العواقب، ولكننا نراها الآن".