لم يعد الحديث عن قصة الشابة الفلسطينية المتوفاة إسراء غريب مقتصراً على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من أنحاء العالم العربي، بل وصلت إلى مجلس الوزراء الفلسطيني، الذي توعد بإنزال أشد العقوبات على المتورطين في وفاتها.
وفي أحدث تطور بقضية الشابة البالغة من العمر 21 عاماً، قال رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد إشتية، إن قضية "إسراء غريب أصبحت قضية مجتمع، نستشعر نبض الشارع تجاهها"، وفقاً لما ذكرته وكالة "وفا" الفلسطينية، أمس السبت 31 أغسطس/آب 2019.
وأضاف إشتية في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي: "مع التزامنا الكامل بأحكام القانون الفلسطيني وسريّة التحقيقات وعدم الاستعجال في إطلاق الأحكام المسبقة؛ احتراماً لروح الفقيدة ولمشاعر ذويها، إلا أنه صار لزاماً علينا تعزيز منظومة التشريعات الحامية للمرأة الفلسطينية، حامية مشروعنا الوطني، التي هي أمنا وأختنا وشريكتنا في النضال والبناء، ونحن منها ولولاها ما كنّا مجتمعاً".
وأشار إلى أنه "لا يحق لأي شخص أخذ القانون بيده"، وتوعد بأنهم سيتخذون "كل إجراء قانوني لازم لإيقاع أقصى العقوبات على كل من تورط في قتل أي إنسان، ونحن بانتظار نتائج التحقيق في قضية إسراء".
ما قصة إسراء؟
اجتاحت قصة إسراء غريب مواقع التواصل الاجتماعي منذ نهاية الأسبوع الماضي، عندما أُعلن عن مفارقتها للحياة، لكن حادثة الوفاة سبقتها تفاصيل مأساوية شابها الغموض، أبرزها دخول إسراء المستشفى من جراء حدوث كسر في عمودها الفقري، وهنا تباينت الروايات حول ما حدث معها، فبينما تم اتهام الأهل بضربها بشكل شديد والتسبب بوفاتها، كانت للأسرة رواية أخرى.
وإسراء شابة فلسطينية من بلدة بيت ساحور الواقعة قرب بيت لحم، تعمل في صالون تجميل، ووفقاً للرواية الأكثر تداولاً على مواقع التواصل، والتي استندت إلى تسجيلات صوتية منسوبة إلى إسراء، فإن قصة الفتاة بدأت عندما تقدم شاب لخطبتها قبل عدة أشهر، ثم خرجت برفقته وشقيقتها بعلم والدتها، للتعرف عليه في مكان عام.
ماتت أم قُتلت؟
وتقول الرواية -التي لم يتسنَّ لـ "عربي بوست" التأكد منها- أن إسراء صوّرت مقطع فيديو قصيراً لها وللشاب ونشرته على حسابها في موقع "إنستغرام"، إلا أن "ابنة عمها التي شاهدت المقطع أبلغت والدها وأشقاءها وحرَّضت على الفتاة، بحجة خروجها مع شاب قبل عقد القران".
وانتشرت على مواقع التواصل تسجيلات صوتية قيل إنها لإسراء، تتحدث فيها عن الخروج مع الشاب، وكانت تقول في الرسالة إنها قابلت الشاب بعلم من أهلها، وفي إحدى الرسائل الصوتية الأخرى تقول إسراء إن والدتها "تعلم بموضوع مقابلتها للشاب"، وتسأل: "أليس كذلك يا أمي؟"، ويأتي الجواب من سيدة تقول: "نعم".
ويستند أصحاب الاتهام لعائلة الفتاة بأذية إسراء، إلى أنها دخلت إلى المستشفى في التاسع من أغسطس/آب 2019، وهي تعاني كسراً في عمودها الفقري وعلى جسدها عدة كدمات، وهو ما اعتُقد أنه "دليل على تعرضها لعنف شديد من قِبل أهلها".
وأثارت الشكوك أكثر حول احتمال تعرُّض إسراء للتعنيف، انتشار مقطع فيديو من داخل المستشفى الذي كانت الفتاة موجودة فيه، وكان يُسمع صراخها بشكل واضح، كما أن أحداً يتعرض للضرب والتعنيف.
ماذا تقول العائلة؟
وبعد تلقيها العلاج في المستشفى عادت إسراء إلى منزلها، ثم أُعلن بشكل مفاجئ عن وفاتها بجلطة، وبُعيد ذلك تحفظت النيابة العامة على جثمانها، وقررت تشريحها لمعرفة الأسباب الحقيقية للوفاة.
وبينما نفت العائلة الاتهامات بأنها وراء وفاة إسراء، لم تنفِ صحة مقطع الفيديو المصور الذي يُسمع فيه صراخ الفتاة في المستشفى، لكنها قدمت رواية لسبب الصراخ.
وقال محمد الصافي زوج شقيقة إسراء، والذي وضعته العائلة متحدثاً باسمها، إن "الفتاة توفيت نتيجة إصابتها بجلطة دماغية مجهولة السبب".
وانتقد "صافي" نشر مقطع الفيديو من المستشفى، وقال إنه يحمّل وزارة الصحة الفلسطينية، المسؤولية، وأكد أن التسجيل المنشور سُجل في أول يوم لإسراء بالمستشفى، بحسب تصريحات أدلى بها لموقع "إرم نيوز".
وأضاف صافي: "في مستشفى الحسين تُمنع مرافقة الرجال، حيث كانت والدتها برفقتها، وتم إعطاء إسراء إبرة مخدر، حتى تستطيع النوم عشر ساعات، وغادرنا إلى منازلنا بعد أن اطمأننا عليها".
وزعم أن سبب صراخ إسراء "أنها كانت تطالب بحضور الشرطة، لأنها كانت خائفة من الممرضات أمامها، فهذه الحالة مخيفة، حيث إن لديها حالة غير طبيعية، ومن ثم فإن المستشفى سمح بمرافقتها بعدد لا يقل عن أربعة أشخاص".
ثم تحدث صافي عن أعراض "غير طبيعية" في تصرفات إسراء قبل وفاتها، أرجعها إلى أن "جنياً تلبس بها"، بحسب تعبيره، وقال في هذا السياق إنه بحسب "دائرة الرقية الشرعية في بيت لحم، أصدرت كتاباً وجهته إلى النيابة العامة، يفيد بأن إسراء كانت تعاني لبس جان، وأنها استيقظت وشرعت في الصراخ، وكانت تقول إن هناك أشخاصاً يضربونها، وهذا من أعراض اللبس، ووالدتها أُغمي عليها في اللحظة التي صرخت فيها إسراء".
وهذه الرواية يبدو أنها غير صحيحة، حيث نفت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية، وجود أي دائرة أو قسم تحت اسم "دائرة الرقية الشرعية" في هيكليتها الإدارية والمنشورة على موقعها الخاص على شبكة الانترنت.
ونوّهت الوزارة في بيانٍ اليوم الأحد، إلى أنّ "دورها الديني والوعظي يتعارض ووجود هذا المسمى في أي من المواقع الخاصة بها، أو حتى في غيرها من المواقع ذات الصبغة الدينية الرسمية".
غضب وتعاطف
وتحولت قصة إسراء إلى قضية رأي عام، وانتشر على مواقع التواصل بشكل كبير هاشتاغ "كلنا إسراء غريب"، وأعرب كثير من العرب والمشاهير عن غضبهم مما حلّ بالفتاة، وأبدوا تعاطفاً كبيراً معها، ودعوا إلى سن قوانين تحمي المرأة أكثر في المجتمع.
وشاركت المغنية اللبنانية نانسي عجرم هاشتاغ "كلنا إسراء غريب"، وكتبت في تغريدة على حسابها بموقع تويتر: "الشرف مش بالقتل. الشرف مش بالضرب والتعذيب والتعنيف!!! #كلنا_اسراء_غريب واليوم وبأعلى صوت، العدالة لازم تتحقق والقاتل لازم يتعاقب ويتحساب.. هو وحده المجرم مش البنت اللي حبِّت وراحت تشوف خطيبها!".
كذلك شاركت المغنية اللبنانية أليسا في الهاشتاغ، وقالت: "ما في شي بيبرر القتل. ما شي أبداً أبداً أبداً. والشرف منو معلق بالبنت وحياتها الخاصة، خلصنا رجعية. بس الأسوأ من القاتل هوي اللي بيبررلو أو بيقلو كنت ربّيها عا جنب بدل ما تبهدل العيلة بالسمعة. القاتل هوي السمعة السيئة، مش البنت اللي بتحب #كلنا_اسراء_غريب".
من جانبها، قالت الفنانة بلقيس عبر حسابها على تويتر: "أنت يا عزيزي الرجل الشرقي، لما تكتشف أن أختك خرجت سراً مع رجل غريب، وتؤدبها بالبيت، تفهّمها أنه خطأ وليس من عاداتنا، وتستر عليها أفضل من أنك تقتلها وتفضحها والدنيا كلها تتفرج، وتعرف الموضوع، وتخلد اسمها بقصة تمتُّ للشرف والعادات، وإن كانت القصة تحتمل أوجهاً كثيرة الله أعلم بها".
وعلقت الفنانة اللبنانية نادين نجيم على حادثة وفاة إسراء، وقالت عبر تويتر: "ما في شي اسمه جريمة شرف، والجاني بطل (هيدا تخلّف)، في شي اسمه جريمة قتل، والجاني قاتل و(ملعون) بكل الأديان، الله يرحم روحك يا إسراء، والله ينتقم من كل شخص بيقهر أو بيعذّب امرأة".
وبدورها، علّقت الإعلامية علا الفارس على الحادثة عبر تويتر، قائلة: "لم أستطع النوم هذه الليلة، صوت صراخها بالمستشفى في الفيديو المتداول لا يفارقني".
ويبقى القول إنه بين رواية الأهل التي تبرئهم من وفاة إسراء، والاتهامات الموجهة إليهم بالاستناد إلى أدلة عدة، تتجه الأنظار وتترقب ماذا ستقول النتائج النهائية لتشريح جثة الفتاة، التي أعادت الحديث بقوة مرة أخرى عن حالات العنف ضد النساء في العالم العربي.