قد ينكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنَّه طلب من مسؤولي الأمن الداخلي والأمن القومي إذا كان بوسع الولايات المتحدة استخدام القنابل النووية لصد الأعاصير، لكن الحكومة قد درست هذا المقترح من قبل.
وقالت صحيفة The Daily Mail البريطانية، إن الفكرة طرأت لأول مرة في عام 1935، بعد أن اجتاح إعصار جزر فلوريدا كيز، حسبما ذكرت صحيفة The Washington Post الأمريكية.
وأوضحت الصحيفة أن مجموعة من المديرين التنفيذيين لغرفة التجارة من جميع أنحاء الولاية، توصَّلوا إلى اقتراح بأن تقصف الحكومة العواصف قبل أن تصل إلى اليابسة.
قصف الأعاصير بالسلاح النووي "فكرة قديمة"
وقال كلايد إليوت، سكرتير غرفة التجارة في هوليود: "هذه العواصف ليست مجرد تهديدات محلية، فهي تصل إلى جزيرة نيوفاوندلاند بوتيرة متكررة قبل أن تتفرق، وبالتالي فإن السيطرة عليها من الأولويات الوطنية" .
في حين أنه لم يلقَ أي رواج في ذلك الوقت، طرأ الاقتراح مجدداً في عام 1945 بعد أن أسقطت الولايات المتحدة أول قنبلة ذرية على جزيرتي هيروشيما وناجازاكي.
تلقى الرئيس هاري ترومان خطاباً من هربرت أ. فرينك، عمدة ميامي بيتش، يرجوه أن يعيد النظر في الفكرة من أجل حماية المباني القائمة على ساحل فلوريدا من العواصف المدمرة.
حتى إن سكان فلوريدا قد عرضوا على الحكومة مساحة تبلغ 7500 فدان (نحو 30 كيلومتراً مربعاً) يمكن استخدامها كمنصة للإطلاق.
فقد أخذوا الفكرة من التقارير التي تفيد بأنه عندما جرى اختبار القنبلة الذرية في صحراء نيو مكسيكو، انقشعت غيوم العاصفة التي كانت على الأبواب.
لكن العلماء رفضوا الأمر على الفور، وأشاروا إلى أنه لا يوجد دليل على أن الحدثين مرتبطان، وحذروا من أن انفجار قنبلة في إعصار قد يزيد الأمر سوءاً.
وتم تداولها في أكثر من مناسبة
ثم برزت الفكرة مرة أخرى في خمسينيات القرن الماضي، أثناء الحرب الكورية، لكن مكتب الأرصاد الجوية للولايات المتحدة، الذي سبق الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية الحالية، حذَّر من أن "هذا ليس وقت إهدار القنابل على الأعاصير" .
وقال جرادي نورتون كبير خبراء الأرصاد: "المشكلة الحقيقية التي تواجهنا اليوم ليست في طرق القضاء على الأعاصير؛ بل في مهمة تثقيف الناس باتخاذ إجراءات احترازية كاملة عند حدوث العاصفة" .
لكن ذلك لم يثن حكومة الولايات المتحدة، التي بدأت تُولي اهتماماً جدياً لفكرة قصف الأعاصير بالسلاح النووي في نهاية العقد الماضي، عندما جادل عالم الأرصاد الجوية جاك ريد، بأن الكم الهائل من الهواء الناجم عن القنبلة سوف يتصاعد في السماء، وقد يرفع الهواء الدافئ، ومن ثم يثير إعصاراً في طبقة الستراتوسفير.
وتكهّن ريد بأن هذا قد يضعف أو يبطئ من سرعة العاصفة.
وفقاً لما ورد بصحيفة The Washington Post، فقد بدأ اهتمام الحكومة بالأمر عندما قال رئيس وكالة الأرصاد الجوية الأمريكية في عام 1961، إن الوكالة تخطط لدراسة ما إذا كان إلقاء قنبلة على إعصار قد يوقفه أم لا.
وقال فرانسيس رايكلدريفر إنه يتخيل يوماً ما إمكانية تفجير قنبلة نووية فوق إعصار في عرض البحر، مضيفاً أن الأسلحة النووية ربما تفعل شيئاً ما بالإعصار، لكنه لم يكن متأكداً ما إن كانت النتيجة ستكون نافعة أم ضارة، حسبما ذكرت وكالة Associated Press.
لكن خبير الأرصاد الجوية قال إنه لا تزال هناك عقبات كبيرة، مثل ملايين الدولارات التي سوف تتكلفها الاختبارات، وإن الوكالة لا تزال مضطرة لدراسة الآثار الجانبية التي من الوارد حدوثها، وإنها لن تحصل على ترسانة نووية خاصة بها حتى نعرف أبعاد ما نقوم به.
ورغم المخاطر فإن الفكرة تتكرر
رغم انتشار تلك المخاوف، لا تزال فكرة تفجير مظاهر الطبيعة الأم والسيطرة عليها تطرأ على الأذهان بشكل متكرر.
في عام 2004، طلبت ماري أيكن، وهي عضوة منتخبة في لجنة مقاطعة هيرناندو بولاية فلوريدا، استدعاء القوة العسكرية لمكافحة الأعاصير.
وقد جاء على لسانها: "هذه العواصف تغضبني، لا بد أن هناك ما يمكننا فعله إزاءها، إنها كالحرب، هذه الولاية صارت أشبه بالعراق" .
في عام 2016، أفادت مجلة National Geographic أن أجهزة الدولة قد ورد إليها استفسارات حول توجيه ضربات استباقية للأعاصير بالأسلحة النووية على مدى عقود.
على الرغم من أن العلماء حذَّروا مراراً وتكراراً من خطر الجمع بين القوة الهائلة للإعصار والتداعيات المميتة للأسلحة النووية، صارت الفرضية شائعة لدرجة أن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي التابعة للحكومة أوجدت قسماً خاصاً بالاستفسارات المتكررة بشأنها، ضمن فئة "أساطير الأعاصير المدارية" .
وكما أشارت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، فإن إسقاط قنبلة نووية فوق إعصار "ليس فكرة سديدة"، نظراً لأن هذه الطريقة "قد لا تغير من قوة العاصفة" .
لكن المهم في الموضوع أنَّ المنظمة تقول إن "الغبار الذري الناتج سينتقل بسرعة عالية نسبياً مع الرياح التجارية، للتأثير على اليابسة، والتسبب في مشكلات بيئية مدمرة" .
وذكرت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي أيضاً أن إيقاف الأعاصير باستخدام المتفجرات سيتطلب كمية هائلة من الطاقة.
وتقول: "يستطيع الإعصار مكتمل التشكل إطلاق طاقة حرارية بمعدل يتراوح بين 5 إلى 20 × 1013 واط، ويحول أقل من 10% من تلك الحرارة إلى طاقة ميكانيكية لتوليد حركة الرياح" .
وأشارت إلى أن "الحرارة المنبعثة تعادل انفجار قنبلة نووية كل 20 دقيقة بقدرة 10 ميجاتون. وفقاً لما ورد بالمرجع العلمي The World Almanac لعام 1993، فقد استخدم الجنس البشري بأكمله طاقة بمعدل 1013 واط في عام 1990، أي بمعدل أقل من 20% من طاقة الإعصار" .
لكن حتى وإن وافق ترامب، فالأمر ليس بسيطاً
وكتب محلل المناخ وعالم الأرصاد الجوية ريان موي، في تغريدة يوم الأحد 25 أغسطس/آب 2019، أن "تفجير قنبلة نووية داخل إعصار لن يؤدي إلى توقف العاصفة؛ بل سيصبح الإعصار محملاً بالغبار المشعّ" .
وتجاوز روبرت نيلسون، وهو عالم فيزياء يدرس الأسلحة النووية، الأمر قائلاً: "إنها مجرد فكرة مجنونة".
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، إذ كانت فكرة قصف الإعصار محور التندر على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال الكاتب والمخرج إدغار رايت على تويتر مازحاً: "لا يمكنك قصف الإعصار بأسلحة نووية لأسباب واضحة. فقد تصل موجات الانفجار الناتجة إلى الفضاء وتحطم منطقة فانتوم زون وتطلق سراح مجرمي المجرات إلى داخل أجواء كوكبنا، فيسعون إلى غزو الأرض بعد ذلك، لا أستطيع أن أصدق أن هذا قد يعد نقاشاً" .
واليوم، إذا افترضنا جدلاً أن ترامب يدرس هذه الفكرة، فإنه يخالف بذلك معاهدة التفجيرات النووية السلمية، التي صادقت عليها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق في عام 1990، والتي تقصر إنتاج الأسلحة للأغراض غير العسكرية على 150 كيلوطناً.
رغم الخسائر الكبيرة التي تسبَّبت فيها الأعاصير
كان ينبغي على ترامب أن يتعامل مع العديد من الأعاصير خلال فترة ولايته.
دمر إعصار ماريا جزر بورتوريكو التابعة للولايات المتحدة، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، وما زال ترامب يتعامل مع الآثار المترتبة على ذلك، إذ يشكو المسؤولون في الجزيرة من أنه لم يفعل ما يكفي للمساعدة على تعافي البلاد من الكارثة.
وتسبب الإعصار الذي ضرب منطقة البحر الكاريبي في أضرار بلغت قيمتها 91.6 مليار دولار.
وفي أغسطس/آب 2017، وصل إعصار هارفي إلى تكساس، وتسبب في أضرار بلغت قيمتها 125 مليار دولار.
كان هارفي هو أول إعصار كبير يضرب قلب أراضي الولايات المتحدة منذ عام 2005.
وفي سبتمبر/أيلول من ذلك العام، تسبب إعصار إيرما بأضرار بلغت أكثر من 50 مليار دولار في ولاية فلوريدا.