كشفت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، الخميس 15 أغسطس/آب 2019، عن اجتماعات سرّية عُقدت بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، للتنسيق من أجل مواجهة "الخطر الإيراني" .
وأوضحت الصحيفة الأمريكية نقلاً عن مسؤولين أمريكيين على اطّلاعٍ على الدبلوماسية السرية، أنَّ إسرائيل والإمارات العربية المتحدة عقدتا اجتماعاتٍ سرية بترتيب من الولايات المتحدة الأمريكية، في الأشهر الأخيرة، لتبادل المعلومات وتنسيق الجهود لمكافحة ما يراه البَلَدان تهديداً متزايداً تمثله إيران لكلٍّ منهما.
وتولَّى عقد هذه الاجتماعات بريان هوك، المسؤول الأعلى لشؤون إيران في وزارة الخارجية الأمريكية، وهي أحدث علامة على الإذابة المطّردة للجليد الواقع بين إسرائيل ودول الخليج العربي، والتي نتجت إلى حدٍّ كبير عن عدائهما المشترك تجاه طهران، ومحاولاتها لنشر نفوذها الإقليمي.
اجتماعات سرّية بين إسرائيل والإمارات للتنسيق الأمني
وقال مسؤول أمريكي إنَّ الاجتماع الأول عُقد في ربيع هذا العام، بينما عُقد اجتماع آخر في الآونة الأخيرة، في حين يتعذّر معرفة مواعيد ومواقع الاجتماعات غير المعلنة. وقال مسؤولون إنّ وجودَهم كان معروفاً لعدد قليل من الناس داخل الحكومة الأمريكية.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ لإسرائيل صلات دبلوماسية مع الدول العربية فقط من خلال مصر والأردن. إذ لا تزال الخلافات التاريخية قائمةً مع هاتين الدولتين، وكذلك الدول العربية الأخرى، خصوصاً حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
لكنّ الاتصالات السرية، والعلنية في بعض الأحيان، زادت بشكل سريع في السنوات الأخيرة بين إسرائيل ودول الخليج، مع تزايُد المخاوف بشأن البرنامج النووي الإيراني، ودوره في الصراعات الموجودة في العراق وسوريا واليمن.
ويبدو أنَّ المباحثات بين المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين والإماراتيين، رغم كونها لا تزال في المراحل الأولية، تشير إلى أنَّ تلك الاتصالات تجاوزت كونها اتصالات رمزية واستكشافية لتخطيط عملية التنسيق بشأن قضايا محددة.
وقال المسؤولون الأمريكيون إنَّ تلك المباحثات تهدف إلى زيادة التعاون الدبلوماسي والعسكري والاستخباري في التعامل مع إيران.
وهي لقاءات تمت بعد وساطة من الولايات المتحدة
على جانب آخر، جاء تعميق التعاون بين إسرائيل والإمارات نتاجاً لمؤتمر أجري بوساطة من الولايات المتحدة في مدينة وارسو، في فبراير/شباط الماضي، حول أمن الشرق الأوسط. وضمَّ الاجتماعُ الذي استمرَّ لمدة يومين قادةً من إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وعشرات الدول الأخرى، في محاولة لبناء حملة عالمية ضد إيران.
وجمع لقاء وارسو بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بالزعماء العرب، لإجراء مناقشات واسعة النطاق حول كيفية تحدّي إيران. وأسفرت هذه المحادثات عن خلق مناقشات منسقة، ينظمها بريان هوك، بين إسرائيل والإمارات، وكلاهما حليف وثيق لأمريكا. من جانبها رفضت الإمارات التعليق على اللقاء، في حين لم يردّ المسؤولون الإسرائيليون على المطالبات بالتعليق.
ووفقاً لأفراد مطّلعين على المناقشات، عمل بريان هوك على جمع الخصوم معاً لعقد اجتماعات سرية، بصفته رئيساً لمجموعة العمل الإيرانية في وزارة الخارجية الأمريكية.
وقال مسؤول كبير في حكومة دونالد ترامب: "تتعاون مجموعة عمل إيران مع عدة دول لتنسيق الأنشطة الدبلوماسية والأمنية والاستخبارية، رداً على العدوان الإيراني المتصاعد. ساعدت هذه الجهود في استباق وتحييد العديد من التهديدات الإيرانية، بما في ذلك العمليات الإرهابية والسيبرانية في بلدانٍ أخرى، فضلاً عن الهجمات المخطّط لها ضدّ الشحن الدولي والاتجار غير المشروع بالأسلحة" . ولم يحدد المسؤول أي تهديدات جرى إحباطها.
ويُذكر أنَّ مسؤولاً أمريكياً سابقاً قال إنَّ السيد هوك يريد مساعدةً من إسرائيل والإمارات، في حثِّ دول أخرى في أوروبا والشرق الأوسط على اتخاذ موقف صارم بشأن طهران.
رغم وجود اتصالات مستمرة بين أبوظبي وطهران
لكن ما يزيد الأمور تعقيداً، بحسب السيد المسؤول، هو أنَّ الإمارات لديها قنوات خلفية دبلوماسية خاصة بها مع إيران.
اتَّخذت الإمارات نهجاً أكثر حذراً من الولايات المتحدة مع تصاعُد التوترات مع إيران هذا الصيف.
ورفضت الانضمامَ إلى واشنطن في إلقاء اللوم على إيران لشنِّ هجمات على سفن تجارية، في مايو/أيار الماضي، وبعثت بمسؤولين إلى طهران في الشهر الماضي، لمناقشة مسألة الأمن البحري. بينما ازدادت التوترات منذ انسحاب دونالد ترامب من اتفاق نووي مع إيران، يضم ست دول في العام الماضي، مما زاد من العقوبات الاقتصادية على البلاد.
من جانبها، جعلت إسرائيل من قضية بناء علاقات مع دول الخليج أولوية دبلوماسية كبرى. فخلال معظم تاريخها منذ تأسيسها في عام 1948، نُبذَت إسرائيل من العالم العربي، على الرغم من أنَّ العلاقات مع القوى الخليجية التي يقودها السنة لم تكن قطُّ متوترة، كحالها معظم الوقت مع جيرانها المباشرين، مثل مصر وسوريا.
وقام وزير خارجية إسرائيل بزيارة لدولة الإمارات في وقت سابق من هذا العام، لحضور مؤتمر للأمم المتحدة. ونقل عن يسرائيل كاتس، الوزير الإسرائيلي مقولة في الأسبوع الماضي، تفيد بأنه التقى بـ "شخصية رفيعة المستوى" في الحكومة الإماراتية.
كما التقى السيد كاتز بخالد بن أحمد آل خليفة، وزير الخارجية البحريني، في واشنطن، الشهر الماضي. ولم تَخفَ نتائج هذا الاجتماع على أحد، إذ اتفق الجانبان على نشر صورة للرجلين وبينهما السيد بريان هوك مبتسماً.
لكن هناك دولة عربية أخرى، هي "الأكثر تطبيعاً"
على جانب آخر، قال مسؤولان أمريكيان سابقان، إنَّ البحرين كانت أكثر دول الخليج تطلعاً في متابعة الاتصالات مع إسرائيل.
إذ سمحت للصحفيين ورجال الأعمال الإسرائيليين بحضور مؤتمر عُقد مؤخراً في المنامة، حول الجوانب الاقتصادية لخطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية لحكومة ترامب، ومن المتوقع أن تسمح الإمارات لإسرائيل بالمشاركة في مؤتمر حول الأمن البحري والطيران في الخليج، في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
قال آرون ديفيد ميلر، وهو مفاوض كبير في شؤون الشرق الأوسط، وعمل مع كل من الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين، إنَّ حدوث تحوّل في الحركة الإقليمية التي رفعت المخاوف المشتركة بشأن إيران، كان حافزاً لنشأة تعاون أكثر رسوخاً بين إسرائيل والدول العربية، التي لا تعترف رسمياً بها كأمة.
في ضوء ذلك يقول: "الأمر جديد ومختلف، لم يكن التعاون بين الجانبين أبداً بالقدر الذي هو عليه الآن. يحدث هذا بسبب التغيرات الإقليمية الكبيرة والعميقة التي غيّرت من حسابات الدول العربية" .
وفي حين يمكن لتعميق التعاون أن يضع الأساس لمزيد من العلاقات التوسعية، يرى ميلر أنَّ الأمر سيستغرق المزيدَ من الوقت لتطويره. يقول: "من المبالغة اعتقاد أن مدّ هذه العلاقات على استقامتها سيُثمر ملامح مهمة ومستدامة في هذا الشرق الأوسط الجديد" .