ما هو المرض؟ هل هو إصابة بفيروس أو بكتيريا أو تراجع الجسم عن أداء وظائفه تلقائياً؟ الإجابة ليست بالسهولة التي تظنها.
يدور نقاشٌ حيٌّ في وسط المهنيين الصحيين هناك حول ما إذا كانت السمنة مرضاً أم لا.
لا يبدو أن الاختلافات بين أولئك الذين يزعمون أنها مرض وأولئك الذين يعتقدون أنها عامل خطر لأمراض مثل السكري من النوع الثاني وأمراض القلب التاجية لا تزال قريبة من الحل.
ومع ذلك، يثير النقاش أسئلة أخرى، مثل ما هو المرض بالضبط؟ ومن الذي يقرر ذلك؟
التعريف البسيط هو أن "المرض يتميز بعلامات أو أعراض محددة" .
ولكن الشيء المثير للاهتمام هو أن بعض القواميس تشير إلى أن المرض ناجم عن "البكتيريا أو الالتهابات"، مما يؤدي إلى استبعاد الحالات النفسية أو غير المُعدية، وهو أمر نادر الحدوث، لأن الأمراض غير المُعدية مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان هي الأبرز في العالم اليوم.
ما هو المرض؟
على الصعيد العالمي، تُصنف الأمراض بواسطة مجموعات خبراء دولية تابعة لمنظمة الصحة العالمية.
هذا الدليل هي المراجعة العاشرة للتصنيف الدولي للأمراض (يرمز لها اختصاراً ICD-10)، وفق ما نشر موقع BBC Mundo.
على الرغم من اسمه، إلا أن التصنيف لا يقتصر فقط على الأمراض ولكنه يشمل المشاكل الصحية المتصلة التي قد تكون مرتبطة بمرض معين، أو التي قد تكون من الأعراض التي تعد جزءاً من متلازمة أو حتى نتيجة لعملية جراحية.
على سبيل المثال، يظهر الجفاف في ICD-10، حيث يطلق عليه أيضاً "نقص حجم الدم" .
لذلك، ربما لا يوجد اتفاق حول المقصود بالمرض. وما يصنف على هذا النحو يعتمد بشكل أساسي على إجماع الخبراء.
بينما لا يبدو أن لدى منظمة الصحة العالمية تعريفاً واضحاً للمرض، إلا أنها على الأقل لديها تعريف للصحة.
تُعرف الصحة على أنها "حالة من الرفاهية الجسدية والعقلية والاجتماعية الكاملة وليس مجرد غياب المرض أو الألم" .
يبدو أن تعريف الصحة واسع وشامل، لكن يبدو أن تعريف المرض أكثر تعقيداً من تعريف نقيضه.
على سبيل المثال، قليل من الناس لن يوافقوا على أن الحصبة مرض، ولكن يحدث أيضاً أن يقرر المجتمع أن يصنف بعض المجموعات على أنها مرض أو بعض الخصائص أو السلوكيات البشرية التي يجدها البعض مُقلقة.
المعاصي كمصدر للمرض
هناك أمثلة لتصنيف بعض السمات كأمراض على مدار التاريخ.
العديد منها تستند إلى المعتقدات التقليدية ووجهات النظر حول الصحة والمرض وعلاقتها بالخطيئة.
تطوُّر علم النفس كعلم أدى إلى ترجمة بعض السلوكيات التي كان يُنظر إليها على أنها "خطايا" إلى اضطرابات في الصحة النفسية أو العقلية.
ولعل الشذوذ الجنسي هو أفضل مثال على ذلك.
تم تصنيف الشذوذ الجنسي كاضطراب نفسي من قبل الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين (APA) في عام 1968.
تم الطعن على هذا في عام 1973 بتصويت بين أعضاء الجمعية البرلمانية الآسيوية؛ إذ اختارت الأغلبية 58٪ إزالته من دليل التشخيص.
لم يتم استبعاد الشذوذ الجنسي تماماً من الدليل لمدة عقد آخر، وهو يعتبر الآن أحد ملامح تنوع الطبيعة البشرية.
تولد هذه الموجة المزعجة المزيد من الأسئلة: على أي أساس واستجابة لماذا تُصنف الأمراض؟
من يصنف الأمراض؟
في عام 2013، قام علماء من جامعة بوند في أستراليا بدراسة من يُترك له تصنيف الأمراض.
وجد هؤلاء العلماء أن تعريفات الأمراض الشائعة تقدمها مجموعات من الخبراء، دون النظر إلى المخاطر أو التحديات المحتملة لزيادة عدد الأشخاص المصابين بالمرض.
كما أشاروا إلى أن الخبراء الذين وسعوا تعريف أمراض معينة غالباً ما يكون لديهم تضارب في المصالح؛ إذ يتلقون أموالاً من شركات الأدوية.
عامل الخطر مقابل المرض
في بعض الأحيان، يتم في نهاية المطاف تعريف عوامل الخطر لمرض ما -مثل ارتفاع ضغط الدم- بأنها مرض في حد ذاتها.
وبمجرد إعادة تصنيف عوامل الخطر هذه على أنها مرض، فإن نطاقاتها والأهداف التي تتعلق بها تميل إلى التغيير بمرور الوقت، مما يولد زيادة في عدد الأشخاص الذين يعانون من هذا المرض.
على سبيل المثال، كان الضغط يُعدُّ مرتفعاً فوق 140/90. وفي عام 2017، خفّضت الولايات المتحدة الأمريكية الحد إلى 120/80.
التمييز بين المرض وعامل الخطر ليس بالأمر السهل، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالأمراض المزمنة، والتي تميل إلى أن تكون طيفاً ينتقل من الصحة إلى المرض.
الجلوكوز في الدم هو مثال واضح على الكيفية التي تتراوح بها المستويات من مرض السكري من النوع الثاني إلى مقدّمات السكري.
لهذا، فإن اكتشاف متى تنتهي الصحة ومتى يبدأ المرض أمر صعب، لدرجة أن منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي للسكري يشيران إلى أنه لا يوجد ما يُسمّى مستويات السكر في الدم الطبيعية.
ومع ذلك، تغير تعريف سكري الحمل (داء السكري أثناء الحمل) في عام 2014، عندما تم تخفيض حد السكر في الدم.
أدى التغيير إلى زيادة معدل الإصابة بسكري الحمل بنسبة 74٪، لكن لم يكن هناك تحسن في النتائج قصيرة الأجل، مثل أن الأم بحاجة إلى إجراء جراحة قيصرية، وفقاً لدراسة أجريت في أستراليا.
ينتقد العديد من الأطباء السريريين هذا الاتجاه ويصفونه بأنه ذو طابع طبي.
الشيخوخة طبيعية أم مرض؟
في بعض الأحيان، أصبحت حالات كان يُعتقد سابقاً أنها مظاهر طبيعية للشيخوخة أمراضاً.
على سبيل المثال، اعتُبر مرض هشاشة العظام نتيجة طبيعية ملازمة للشيخوخة حتى عام 1994 عندما صنّفته منظمة الصحة العالمية رسمياً على أنه مرض.
بالنظر إلى العلاقة بين هشاشة العظام وزيادة خطر الإصابة بالكسور والتأثير المدمر الذي يمكن أن تحدثه العظام المكسورة على كبار السن، فإن هذا يمكن أن يكون تغييراً مبرراً لتعريف هذه الحالة.
قد لا تستفيد التغيرات النفسية الأخرى التي تحدث لكبار السن، مثل انخفاض مستويات هرمون تستوستيرون لدى الرجال، من تغيير في التعريف.
لكن هذا لم يمنع بعض خبراء الصحة الذين يحاولون إنشاء حالة طبية جديدة تسمى "إياس الذكور" أي التغيرات الهرمونية التي يعيشها الرجال مع الشيخوخة.
حتى الآن، هناك مقاومة قوية لوصف هذا التغيير بأنه مرض.
مما سبق ذكره يتبيّن أن تحديد ما هو مرض أو غير ذلك ليس بالأمر السهل.