وادٍ تحيط به الجبال، ولا يُسكن إلا في الحج، وذو مكانة تاريخية ودينية كبيرة إذ شهد فدية نبي الله إبراهيم لابنه إسماعيل عليهما السلام، وبيعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. هو مشعر منى الذي يقع على بعد 7 كيلومترات، شمال شرق المسجد الحرام، حيث يتواصل توافد ضيوف الرحمن، اليوم الجمعة 8 ذي الحجة؛ لقضاء يوم التروية (يرتوون فيه من الماء، ويحملون ما يحتاجون إليه)، اقتداء بالسنة النبوية.
وقدوم الحجاج إلى منى، يوم التروية والمبيت فيه في طريقهم للوقوف بمشعر عرفة، سنة نبوية مؤكدة. وسمي بيوم التروية؛ لأن الناس كانوا يرتوون فيه من الماء، ويحملون ما يحتاجون إليه.
ومشعر منى، وادٍ تحيط به الجبال من الجهتين الشمالية والجنوبية، ولا يسكن إلا مدة الحج، ويحده من جهة مكة المكرمة جمرة العقبة، ومن جهة مشعر مزدلفة وادي محسر.
وهو من أكبر المشاعر المقدسة، حيث تبلغ مساحته بحدوده الشرعية 16.8 كم2.
ويعد أحد أكبر المشروعات التي نفذت بالمملكة، لإيواء الحجاج بمساحة مقدرة بـ 2.5 مليون م2، باستيعاب 2.6 مليون حاج، وبهذا يكون المشعر أكبر مدينة خيام في العالم.
مكانة دينية
يعد مشعر منى ذا مكانة تاريخية ودينية، به رمى نبي الله إبراهيم -عليه السلام- الجمار، وذبح فدية إسماعيل عليه السلام، ثم أكد نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم- هذا الفعل في حجة الوداع وحلق، واستنَّ المسلمون بسنته يرمون الجمرات ويذبحون هديهم ويحلقون.
وصلى فيه النبي محمد والأنبياء من قبله، فعن يزيد بن الأسود قال: "شهدت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف"، ومازال قائماً حتى الآن، ولأهميته تمت توسعته وعمارته في عام 1407هـ.
كما نزلت به سورة "المرسلات"، لما رواه البخاري عن عبدالله رضي الله عنه قال: بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذ نزل عليه (والمرسلات) وإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه، وإن فاه لرطب بها.
أحداث تاريخية
ومن الأحداث التاريخية الشهيرة التي وقعت في منى بيعتا العقبة الأولى والثانية، ففي السنة 12 من البعثة كانت الأولى بمبايعة 12 رجلاً من الأوس والخزرج لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلتها الثانية في العام الـ 13 من البعثة وبايع النبي فيها 73 رجلاً وامرأتان من أهل المدينة المنورة في الموقع نفسه.
وعلى امتداد الخلافة الإسلامية بنى الخليفة المنصور العباسي مسجداً عرف بمسجد البيعة في ذات الموضع سنة 144 هـ وأعاد عمارته لاحقاً المستنصر العباسي ويبعد نحو 300 متر من جمرة العقبة على يمين الجسر النازل من منى إلى مكة المكرمة.
ويتدفق الحجاج صباح غد 9 من ذي الحجة إلى صعيد جبل عرفة على بعد 12 كيلومتراً من مكة، ليشهدوا الوقفة الكبرى ويقضوا الركن الأعظم من أركان الحج، وهو الوقوف بعرفة، ثم ينفر الحجيج مع مغيب شمس يوم عرفات إلى مزدلفة.
ويعود الحجاج إلى منى صبيحة اليوم العاشر لرمي جمرة العقبة والنحر، ثم الحلق والتقصير والتوجه إلى مكة لأداء طواف الإفاضة.
ويقضي الحجاج في منى أيام التشريق الثلاثة (11 و12 و13 من ذي الحجة) لرمي الجمرات الثلاث، مبتدئين بالجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة (الكبرى)، ويمكن للمتعجل من الحجاج اختصارها إلى يومين فقط، حيث يتوجه إلى مكة لأداء طواف الوداع وهو آخر مناسك الحج.
ويقول المؤرخون، إن تسمية "منى" أتت لما يراق فيها من الدماء المشروعة في الحج، وقيل لتمني آدم فيها الجنة، ورأى آخرون أنها لاجتماع الناس بها، والعرب تقول لكل مكان يجتمع فيه الناس: مِنى.