طوّر باحثون خلايا صناعية يمكنها الاستجابة للمؤثرات الكيميائية الخارجية، مثل الخلايا الحقيقية تماماً. ويمكن لهذه الخطوة المثيرة أن تقربنا نحو استخدام هياكل بيولوجية صناعية في استخدامات واقعية، مثل توصيل الدواء المستهدف أو تنظيف التلوث.
وفي سبيل إثبات مبدأ هذه الدراسة، نجح العلماء في جعل خلايا صناعية تتوهج بوميض إشعاعي عندما ترصد مادة الكالسيوم في محيطها.
وتعد هذه "خاصية أساسية" للخلايا الحيوية التي تستخدم إشارات الكالسيوم للتواصل، ولكنها خطوة في غاية الأهمية لنا، إذا تمكننا من تطوير خلايا صناعية يُمكن برمجتها والتلاعب بخصائصها، بحسب ما نُشر في موقع Science Alert الأسترالي.
تفاعلات كيميائية حيوية
يقول جيمس هيندلي، أخصائي الكيمياء الحيوية بكلية لندن الإمبراطورية في بريطانيا: "يمكن تطوير هذه الأنظمة لاستخدامها في التقنيات الحيوية المختلفة" .
وأضاف: "على سبيل المثال، يمكننا أن نتصور تطوير خلايا صناعية يمكنها استشعار علامات الإصابة بالسرطان وتصنيع عقار مناسب داخل الجسم، أو خلايا صناعية يمكنها الشعور بخطر وجود معادن ثقيلة في البيئة وإطلاق مواد انتقائية لتطهيرها" .
ومن أجل الوصول إلى التفاعل المطلوب، طوّر هيندلي وزملاؤه خلية مصنوعة من أجزاء أصغر تسمّى حويصلات. وعلى حافة الخلية، هناك غشاء دهني يحتوي على ثقوب تسمح للكالسيوم بالدخول، ثم تعمل أيونات الكالسيوم على تنشيط إنزيمات داخل الحويصلات، للحصول على تأثير الوهج المشع.
وعلى الرغم من أن ذلك لا يتطابق تماماً مع التفاعلات الكيميائية الحيوية المعقدّة التي نراها في الطبيعة، تُظهر تلك الدراسة إمكانات الخلايا الصناعية والطرق التي يمكن تطويرها بها لخدمة غرض معيّن، ربما قد لا تتمكن الخلايا الطبيعية حتى من تلبية تلك الاحتياجات.
إصدار محوّر للمسارات الموجودة في الطبيعة
يقول هيندلي: "تطورت علوم الأحياء لتصبح أقوى عبر استخدام تفاعلات التمثيل الغذائي والشبكات التنظيمية المعقدة. قد يجعل ذلك عملية تعديل خصائص الخلايا صعبة، لأن العديد من مسارات الاستجابات الكيميائية الحالية معقدة للغاية، يصعب نسخها أو هندستها" .
وأضاف: "بدلاً من ذلك، طوّرنا إصداراً محوّراً للمسارات الموجودة في الطبيعة، باستخدام خلايا صناعية وعناصر من مختلف الأنظمة الطبيعية للوصول إلى مسار أقصر، وأكثر فعالية نحصل من خلاله على نفس النتائج" .
تبسيط مسار الخلية له فوائد أخرى إلى جانب تسهيل عمل تلك الخلايا؛ يعني ذلك أيضاً إمكانية استبعاد الكثير من الجوانب الفوضوية للطبيعة، بما في ذلك المنتجات الثانوية التي قد تكون سامة لصحة الخلية.
وفيما يتعلق بانتقاء واختيار العناصر المناسبة من الطبيعة، مثل اختيار سم النحل لصناعة إنزيم الخلية الصناعية الذي يُنشّط عن طريق عنصر الكالسيوم، يقول الباحثون إنهم قادرون على إنتاج شيء جديد لن يكون ممكناً عند محاولة تعديل أو تحوير الخلايا الموجودة.
مسارات كيميائية جديدة
إنها فترة مزدهرة لعلماء الأحياء؛ في وقت سابق من هذا العام، تمكّن علماء من تطوير خلايا صناعية قادرة على توليد الطاقة الخاصة بها من خلال التمثيل الضوئي، باستخدام غشاء مصمم خصيصاً لذلك الغرض. قد يؤدي ذلك في النهاية إلى خلايا يمكنها توفير الغذاء ذاتياً.
وشاهدنا أيضاً خلايا صناعية ذكية بما يكفي لخداع الخلايا الحقيقية وجعلها تظنّ أنها خلايا أصلية طبيعية، وهذا أمر مهم جداً إذ يمكّن العلماء من تطوير أنظمة تعمل فيها الخلايا الصناعية إلى جانب الخلايا الطبيعية بتناغم وانسجام.
ووفقاً للفريق البحثي، يمكن تهيئة نظام "التوصيل والتشغيل" المبسّط الذي أسس له العلماء في هذا البحث المبكّر لأغراض وأهداف أخرى.
يقول أوسكار سيس، أخصائي الكيمياء الحيوية بكلية لندن الإمبراطورية: "فكرة التوصيل والتشغيل التي يقوم عليها نظامنا تعني إمكانية اختيار الباحثين لعناصر من الطبيعة من أجل تطوير مسارات كيميائية جديدة مصممة لأهداف خاصة ومحددة" .
وأضاف: "من السهل أيضاً إعداد نظام القوالب لدينا واستخدامه لاختبار أي تركيبة جديدة من العناصر يصل إليها الباحثون بسرعة" .
من المقرر أن يُنشر البحث في مجلة PNAS العلمية.