من بين بين 20 مليار دولار تخصصها السعودية لبرنامج توسعها البحري، نحو ثلث هذا المبلغ يخصص لشراء سفن ثبت عدم نجاحها مع البحرية الأمريكية، فلماذا تدفع السعودية 6 مليارات دولار في سفن كرهتها البحرية الأمريكية؟
هل المسألة سياسية أم أن السعودية رأت في السفن الأمريكية ما لم ترها البحرية الأمريكية، وهل ستؤدي التعديلات التي يتم إدخالها عليها إلى جعلها مقاومة لسلاح البحرية الإيراني غير التقليدي.
تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية عرض لكواليس هذه الصفقة الباهظة المثيرة للجدل، ولماذا تريد المملكة هذه السفن رغم أن البحرية الأمريكية قررت تخفيض عدد السفن التي ستتسلمها منها.
الكونغرس يحاول عرقلة صفقات السلاح ولكن هكذا يمررها ترامب
في 29 يوليو/تموز الماضي، صوَّت أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية 45 صوتاً مقابل 40 على تعطيل صفقات جديدة لبيع القنابل الموجهة بالليزر ولوازم صيانة الطائرات إلى المملكة العربية السعودية، وهي نسبة أقل من أغلبية الثلثين اللازمة لإبطال حق النقض الرئاسي الذي استخدمته إدارة ترامب لإيقاف سريان الحظر.
ورغم تراجع الدعم الحكومي للرياض بسبب تورطها في مقتل أعداد هائلة من المدنيين في اليمن وقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قتصليتها بإسطنبول في تركيا، تقرر استمرار تدفق الأسلحة الأمريكية إلى السعودية.
وقالت إدارة ترامب في وقت سابق من شهر مايو/أيار إن الصفقات الجديدة يمكن تمريرها على أساس أنها حالة طوارئ، لا تتطلب مراجعة الكونغرس، في ظل تصاعد التوترات مع إيران في الخليج.
ولكن هذه الصفقة الضخمة تحديداً يحاط بها جدل فني وغير سياسي.. قوات بحرية عتيقة
ومع ذلك، فإن إحدى أكثر صفقات الأسلحة أهمية بالنسبة لقدرة السعودية على السيطرة على الممرات المائية التي تزداد توتراً قد بدأت بالفعل، بعد أن ظلت في طور الإعداد لسنوات.
إذ تخطط القوات البحرية الملكية السعودية منذ عام 2008 لاستثمار 20 مليار دولار في برنامجها الثاني للتوسع البحري SNEP II. وهي تمتلك حالياً سبع فرقاطات وأربع فرقيطات من فئة بدر تبلغ إزاحتها أربعة آلاف طن وتسعة زوارق دوريات تبلغ إزاحتها 500 طن. ويعود تاريخ جميع فرقاطاتها باستثناء ثلاث منها إلى ثمانينيات القرن الماضي.
قُدِّم مقترح أولي ببيع أربع سفن قتالية ساحلية LSC معدلة من فئة "الحرية"، (وهي من الفرقيطات)، في البداية إبان إدارة أوباما عام 2015 ووافقت إدارة ترامب على تمريرها في إطار حزمة أكبر بقيمة 110 مليارات دولار في مايو/أيار عام 2017.
ومنحت الحكومة الأمريكية العقد المبرم لشركة لوكهيد مارتن في عام 2018، وتُشيَّد السفن حالياً في حوض مارينيت مارين لبناء السفن في ويسكونسن ومن المقرر تسليمها بين عامي 2019-2021.
لماذا تدفع السعودية 6 مليارات دولار في سفن كرهتها البحرية الأمريكية؟
قد يبدو حماس المملكة لشراء سفن القتال الساحلي مثيراً للفضول نظراً لأنه من المعروف أن البحرية الأمريكية واجهت مشكلات تتعلق بكفاءة هذه السفن وتكاليفها التي تجاوزت التوقعات ونقص أسلحتها وعدم قدرتها على التواؤم بسهولة مع "نماذج المهمات" المختلفة على عكس ما قال قال إعلانها.
وقد دفعت هذه العيوب البحرية إلى خفض طلب شرائها هذا الطراز من السفن من 55 إلى 32 سفينة، رغم أن الكونغرس أصر على شراء البحرية لثلاث سفن إضافية.
فلماذا تسعى الرياض لشراء هذه الفرقيطات المعقدة غير المزودة بأسلحة كافية؟
بادئ ذي بدء، تكرس البحرية السعودية قواتها بصفة أساسية لسواحل الخليج، حيث تواجه شحنات ناقلات النفط الثمينة مضايقات من القوات البحرية الإيرانية غير التقليدية، ولخليجي عمان وعدن، حيث تسعى السفن السعودية إلى اعتراض تهريب الأسلحة والعملاء من إيران إلى اليمن.
غاطس قصير.. هل تصميمه مناسب لجغرافية الخليج العربي؟
صممت سفن القتال الساحلي هذه، كما يوحي اسمها، بطريقة تمكنها من التحرك بسرعة والمناورة والتسلل في المياه الساحلية: فهي خفيفة ولا يغوص غاطسها كثيراً في الماء وهي مثالية "للاشتباكات البسيطة" بين السفن الصغيرة القريبة من الشاطئ. وحتى تسليحها البسيط -غير الكافي مقارنة بالسفن الحربية التقليدية ذات الحجم المماثل- خضع للتحسين للاشتباك مع القوارب السريعة الأصغر في مجال الرؤية.
يمكن لسفن القتال الساحلي السعودية أيضاً أن تتحول إلى منصة فعالة لنشر المروحيات العشر المتطورة من طراز MH-60R Seahawk التي اشترتها الرياض في صفقة بقيمة 1.9 مليار دولار، والتي تسلمت أول دفعة منها في سبتمبر/أيلول عام 2018.
ويمكن أن تستخدم المروحيات متعددة المهام للمساعدة في تحديد موقع السفن التي تستخدم أجهزة استشعار الأشعة تحت الحمراء والرادارات متعددة الأوضاع، وفي مهام البحث والإنقاذ، والكشف عن الغواصات باستخدام أجهزة استشعاراتها منخفضة التردد المحمولة جواً التي تغوص في الماء ومهاجمتها بطوربيدات Mark 54، بل وتفجير الأهداف فوق سطح الماء بصواريخ Hellfire وصواريخ APKWS التي يبلغ قطرها 70 ملم والموجهة بالليزر.
والسفن التي ستشتريها السعودية مختلفة عن المخصصة للبحرية الأمريكية
الأمر الأكثر أهمية، أن سفن القتال الساحلي التي ستشتريها السعودية أكثر تطوراً وتبلغ إزاحتها 4000 طن وتسمى المقاتلات السطحية متعددة المهام التي تخلصت من فكرة نماذج المهمات (غير الناجحة) لتصبح مزودة بأجهزة استشعار وأسلحة أكثر قوة وثباتاً، وأصبح طاقم السفينة أكبر بنسبة 50% ليتراوح عدد أفراده بين 110 و130 فرداً.
وحصلت شركة لوكهيد مارتن على 450 مليون دولار مقابل التصميم والمواد التي يتطلب توفيرها مدة زمنية طويلة للمجموعة الجديدة.
يمكن رؤية صور نموذج المقاتلات السطحية متعددة المهام MMSC هنا.
يبلغ طول هذه السفينة المقاتلة حوالي 2.7 متر وأصبحت تضم الآن ثماني خلايا إطلاق عمودي لطوربيدات مارك 41، يمكن حشو كل منها بأربعة صواريخ دفاعية جوية متطورة متوسطة المدى من طراز Evolved Sea Sparrow، ليصبح إجمالي عددها 32 صاروخاً.
إذ أنها تستطيع حماية السفن في الخليج
وهذه المقاتلات أيضاً مزودة بأسلحة ثانوية مضادة للسفن. إذ يوفر صفيف المسح الإلكتروني النشط TRS4D، المتصل بنظام COMBATSS21 القتالي القائم على نظام إيجيس المضاد للصواريخ المتوفر في الطرادات والمدمرات الأمريكية، إمكانية ربط المستشعرات وأجهزة التحكم في إطلاق النار بالسفن الصديقة.
وهذا سيُمكِّن سفن القتال الساحلي السعودية من حماية السفن القريبة وتخفيف أضرار صواريخ كروز القادمة من مسافة تصل إلى 48 كم، بدلاً من أن تقتصر قدرتها على الدفاع عن نفسها بصواريخ Rolling Airframe قصيرة المدى والأسلحة الدفاعية المشابهة.
بل وإطلاق صواريخ كروز لو قررت الرياض شراءها
ويمكن أيضاً استخدام خلايا مارك 41 لإطلاق أنواع أخرى من الصواريخ مثل صاروخ SM-2 أرض جو بعيد المدى أو صاروخ توماهوك كروز، في حال أرادت البحرية السعودية الحصول عليها.
وسفن القتال الساحلي السعودية مزودة أيضاً بقاذفتين تضمان أربع فوهات محشوة بصواريخ هاربون بلوك II المضادة للسفن ويبلغ مداها 131 كم، مما يسمح لها بالاشتباك مع السفن الحربية المعادية في الأفق.
وبدون هذه الأسلحة، تصبح هذه السفن المقاتلة الساحلية عرضة لتهديد كبير حتى من الأسطول الإيراني المتواضع المؤلف من مقاتلات السطح المدججة بالصواريخ.
وفئة "الحرية" في المقاتلات السطحية متعددة المهام مزودة بمدفع ثنائي عيار 57 ملم سريع الطلقات، لكن مدافع Nexter Narwhal الأصغر عيار 20 ملم التي يمكن التحكم بها عن بعد حلت محل مدافع السفينة الحربية الثانوية عيار 30 ملم.
ولكنها أصبحت أبطأ من النسخة القياسية.. فلماذا تكلف هذه الأموال؟
والسفن السعودية القتالية السطحية متعددة المهام أبطأ أيضاً من النسخة الأصلية المخصصة للبحرية الأمريكية،
إذ تزيد سرعتها القصوى عن 30 عقدة، وليس 40 عقدة كما هو معروف عن سفن القتال الساحلي، ولكن زاد مداها بأكثر من 40% ليصبح أكثر من 9173.261 كم.
تكلف السفن الحربية الأربع الصغيرة الرياض مبلغاً طائلاً يصل إلى 6 مليارات دولار.
لكن العقد يشمل خدمات التدريب وقطع الغيار وأكثر من 750 صاروخاً.
في الواقع، وكان من المفترض أن تبلغ تكلفة الصفقة الأولية المقترحة 11.25 مليار دولار وأن تتمتع السفن بتسليح أقوى تصبح معه مزودة بـ16 خلية من خلايا مارك 41، ومدفع عيار 76 ملم وأنابيب طوربيد. ولكن ثبت أن هذا المبلغ عسير الهضم حتى بالنسبة للسعوديين.
والرياض تشتري سفناً أخرى من إسبانيا بربع القيمة
وفي الوقت نفسه الذي ستتسلم فيه الرياض سفن القتال الساحلي خلال عام 2021، من المقرر أن تتسلم أيضاً خمس فرقيطات صغيرة من طراز Avante 2200 بإزاحة تبلغ 2500 طن من شركة بناء السفن الإسبانية Navantia. وتسليح هذه الفرقيطات مماثل لتسليح المقاتلات السطحية متعددة المهام، ولكنها أبطأ وتتطلب طاقماً أكبر، وستكون تكلفتها أقل بكثير، إذ ستبلغ 2.5 مليار دولار للحزمة كاملة.
إن التعديلات التي أُدخلت على سفن القتال الساحلي التي ستشتريها السعودية تجعلها أقدر على الدفاع عن نفسها والسفن الصديقة من التهديدات الجوية والبحرية فوق السطح.
ومع ذلك، يتعين على القوات البحرية الملكية السعودية أن تأمل ألا يعاني التصميم المحسَّن من مشاكل الكفاءة الخطيرة التي تعاني منها سفن القتال الساحلي في البحرية الأمريكية، التي صممت خصيصاً لساحة الخليج.