حلم السيسي الذي نفذه الإماراتيون.. قصة الكتائب الإلكترونية التي كشفها فيسبوك بعدما خدعت 14 مليون متابع

عربي بوست
تم النشر: 2019/08/05 الساعة 10:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/01 الساعة 16:07 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي / رويترز

"شبكة حسابات وهمية لها نحو 14 مليون متابع تعمل من مصر والإمارات"، تفاصيل صادمة كشفتها شركة فيسبوك دفعتها لإغلاق شبكة الحسابات الوهمية الإماراتية والمصرية على منصتي فيسبوك وانستغرام التي تحاول تضليل الرأي العام في منطقة الشرق الأوسط.

في هذا التقرير سنكشف القصة الكاملة لنشأة شبكة الحسابات الوهمية الإماراتية المصرية، ومن أسسها، ومن يقودها القاهرة أم أبوظبي، وما هي علاقتها بشبكة الحسابات الوهمية السعودية التي أغلقتها فيسبوك في نفس التوقيت.

كما سنكشف الدور غير المباشر الذي لعبه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في تأسيس هذه الشبكة؟

15 مليون متابع ومئات الحسابات الوهمية عبر شبكتين أهدافهما متقاربة

صعقت شركة فيسبوك المهتمين بوسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي بإعلانها عن توقيف مئات الحسابات الوهمية المرتبطة بالسعودية والإمارات ومصر، والتي يبلغ مجموع متابعيها أكثر  من 15 مليون شخص، اتهمتها بأنها حسابات وهمية مزيفة تعمل على الترويج لسياسات الدول الثلاث، وتعمدها نشر الأكاذيب وتضليل الرأي اليوم في بلدان شمال إفريقيا، بجانب السودان وقطر وتركيا ولبنان وسوريا والأردن وجزر القمر.

وقال بيان فيسبوك إننا "وجدنا عمليتين منفصلتين: واحدة نشأت في الإمارات العربية المتحدة ومصر، والأخرى في المملكة العربية السعودية"، كلتاهما أنشأت شبكات حسابات لتضليل الآخرين، حول مَن هم؟ وماذا كانوا يفعلون؟ " . 

أيهما أكبر الشبكة السعودية أما الإماراتية المصرية؟

رغم أن الاهتمام الإعلامي، لاسيما الغربي، كان موجهاً أكبر للشبكة السعودية، وخاصة أنه قد تبين صلتها بمسؤول من المملكة، إلا أنه يبدو أن شبكة الحسابات الوهمية الإماراتية المصرية أكبر، إذ لديها نحو 14 مليون متابع، مقابل نحو مليون ونصف للشبكة السعودية.

وقال الشركة إنها أزالت 259 حساب Facebook و102 صفحة Facebook وخمس مجموعات Facebook وأربعة أحداث Facebook و17 حساباً على Instagram نشأت في الإمارات العربية المتحدة ومصر، بسبب انخراطها في سلوك غير صحيح ومنسق، وركزت هذه الحسابات على عدد من البلدان في الشرق الأوسط، وبعضها في شمال وشرق إفريقيا، بما في ذلك ليبيا والسودان وجزر القمر وقطر وتركيا ولبنان وسوريا والأردن والمغرب.

ماذا فعلت هذه الشبكات؟ ولماذا انزعجت شركة فيسبوك لهذا الحد؟

استخدم الأشخاص الذين يقفون وراء هذه الشبكة حسابات محفوفة بالمخاطر ومزيفة – تم اكتشاف الغالبية العظمى منها وتعطيلها بالفعل بواسطة أنظمة فيسبوك الآلية – لتشغيل الصفحات ونشر محتواها والتعليق في المجموعات، وزيادة المشاركة بشكل مصطنع. 

كما قاموا بانتحال هويات شخصيات الصفحات المدارة – والتي غيّرت بعضها الأسماء، وتظاهروا بأنهم منظمات إخبارية محلية في البلدان المستهدفة.

السيسي السعودية وفاة محمد مرسي
هناك شبكتان إحداهما سعودية والأخرى مصرية إمارانية

وقاموا بالترويج لمحتوى عن الإمارات العربية المتحدة، كما نشروا بشكل متكرر مزاعم عن دعم مقدم للجماعات الإرهابية من قِبَل قطر وتركيا، والصراع في ليبيا، ونجاح التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، واستقلال أرض الصومال، حسب فيسبوك. 

وتقول شركة فيسبوك إنه على الرغم من أن الأشخاص الذين يقفون وراء هذا النشاط حاولوا إخفاء هوياتهم، إلا أن تحقيقنا وجد روابط مع شركتين للتسويق – New Waves في مصر، وNewave في الإمارات العربية المتحدة.

ومن هنا تبدأ الحكاية.. 

من شركتي – New Waves في مصر، و Newave في الإمارات التي يمكن اعتبارهما من بنات أفكار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

في هذا التقرير سوف يرصد "عربي بوست" خبايا شبكة الحسابات الوهمية الإماراتية المصرية، وكيف نشأت في مصر ثم انتقلت إدارتها للإمارات.

كيف ألهم السيسي مؤسسي الكتائب الإلكترونية؟

أثناء لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي  بالمثقفين وعدد من ممثلي المجتمع المصري في منتصف أبريل 2016  شدد على ضرورة عدم الانتباه إلى الأكاذيب والادعاءات من أشخاص مننا على حد تعبيره، وذلك في معرض حديثه عن أزمة مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في مصر، وطريقة تناول الإعلام لها،  وهو ما وصفه السيسي بأنها أكاذيب مصدرها صفحات التواصل الاجتماعي.

 واختتم السيسي حديثه قائلاً: أنا ممكن بكتيبتين أدخل على النت وأعملها دائرة مقفولة والإعلاميين ياخدوا أخبار وشغل منها.

من هنا كانت نشأة هذه الشبكة، فالسيسي الذي أبدى أكثر من مرة ضيقه بما يقال وينشر على صفحات التواصل الاجتماعي، صرح يومها وبكل وضوح بأنه قادر على تكوين "لجان إلكترونية" أو ما يعرف باسم الذباب الإلكتروني، يكون قادراً من خلالها على نشر الأخبار التي يريدها النظام، ومنها تنتقل للإعلام (المملوك للنظام أيضاً) وبذلك يكون قفل الدائرة، على حد تعبيره.

الرجل الذي حوَّل حلم الرئيس الإلكتروني إلى حقيقة 

بعد أيام قليلة من تصريح الرئيس، بدا أن هناك مَن التقط الفكرة وقرر تنفيذها، حسبما قالت إحدى العضوات المؤسسات لتلك اللجان (التي طلبت عدم ذكر اسمها) لـ "عربي بوست" .

وكان الاسم الأبرز في البداية هو الصحفي إبراهيم الجارحي، المؤسس الأول لجروب يسمى (اتحاد مؤيدي الدولة / الدولجية) وهو ما نفاه لاحقاً الجارحي في حوار مع موقع دوت مصر، مؤكداً أنه فقط أحد قياداته وليس مؤسسه. 

لكن خالد رفعت (أستاذ بجامعة قناة السويس) وأحد قيادات الجروب، أكد في منشور له أن الجارحي هو الجارحي هو المسؤول الأول عن لجان الدولجية، وأنه تقاضى مبالغ تجاوزت الـ30 ألف دولار على هامش هذا الموضوع. وقد أثار منشور خالد أزمة كبيرة للنظام وقتها.

وبصرف النظر عما إذا كان الجارحي هو المؤسس أم فقط القائد للمجموعة، تظل الحقيقة المؤكدة التي اعترف بها هو شخصياً، أن هناك لجاناً إلكترونية تابعة للنظام على صفحات التواصل الاجتماعي.

فساد مالي وابتزاز

بعد تفجير خالد رفعت لفضيحة جروب الدولجية، وحديثه عن ممارسات الجارحي، تسربت أخبار أخرى عن فساد مالي وابتزاز من قِبَل الجارحي.

علمت "عربي بوست" من مصادر مطلعة أن المخابرات العامة (المسؤول الأول عن تلك اللجان) أجرت تحقيقاً موسعاً حينها عما نُسب إلى الجارحي انتهى بقرار بإقصائه عن إدارة هذا الملف.

بعد الإطاحة بالجارحي من صدارة المشهد، ظهر نجم جديد، بدا قادراً على إقناع الأجهزة الأمنية بأنه الشخص الأجدر بإدارة هذا الملف، وهو "علاء حمودة" . 

وعلاء حمودة شخصية غامضة، لا أحد يعلم بالضبط تاريخه أو طبيعة عمله، كل المعروف عنه أنه شديد الذكاء، واسع الاطلاع، لديه قدرة فائقة على صياغة أفكاره بطريقة مؤثرة. 

ومؤخراً يتم تقديمه كروائي عقب نشره روايته الأولى "حكايات مثيرة للقلق" وهو يقيم بالإمارات أغلب الوقت، لكن ماذا يفعل هناك؟ غير معروف.

ولكن المخابرات أوقفت الإنفاق على المشروع بعد فضحه.. فكيف انتقل الملف للإماراتيين؟

استمر علاء حمودة كرقم مميز لدى المخابرات العامة المصرية، ومسؤول عن مشروع "الدولجية" لكن بعد فضح القصة من قِبل خالد رفعت، وانتشار موجات السخرية منه، وجدت الأجهزة أن الإنفاق على هذا المشروع أصبح لا طائل منه، فتوقف الدعم المالي لعلاء من القاهرة.

لكن الحسابات التي كان يديرها ومعه آخرون استمرت في العمل من الخارج، لكن هذه المرة بتمويل إماراتي.

التمويل كان يأتي عبر بعض المستثمرين المصريين الراغبين في الاقتراب من السلطة، وبعض رجال الأعمال الإماراتيين الراغبين في إظهار ولائهم  للشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي.

الإمارات تهيمن على المشروع عبر شركة غامضة

على صعيد آخر كانت الإمارات – تحديداً بن زايد – مقتنعاً بأهمية وجود ذباب إلكتروني يسوق لسياساته وقادر على ردع خصومه على صفحات التواصل الاجتماعي. 

وقد أسندت مهمة الإشراف على المشروع إلى الإماراتية  "نورا الكرّاني"  إخصائية الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات.

وكانت شركة New Wave الإماراتية هي المخولة بتنفيذ تلك المهمة، وهي شركة إماراتية خالصة، وتشغل إماراتيين حصراً، وتدار من المنطقة الإعلامية الحرة في أبوظبي.

وبالبحث في موقعهم يصعب العثور على أية معلومات، ولكن بعد الفضيحة الأخيرة أعلنوا أنهم سينتقلون إلى مشروع جديد، لكن بالبحث في أرشيف جوجل تمكنا من الوصول إلى صفحتهم المحذوفة والتي لا  تحدد نشاط الشركة رغم كلماتها البراقة. 

وقد وقع اختيار New Wave  الإماراتية على عمرو حسين، مدير الموارد البشرية السابق في موقع البوابة نيوز (موقع مصري بتمويل إماراتي)، على أن يكون شريكهم في القاهرة من خلال شركة منفصلة تحت اسم new waves وهي شركة تسويق رقمي

صرح عمرو حسين هو مُطلق مبادرة "التوعية ضد أخطار السوشيال ميديا"، والذي سبق  أن أوضح في لقاء تلفزيوني أن مصر تواجه مخاطر من انتشار الشائعات على السوشيال ميديا، قائلاً: "إن دورنا هو مواجهة تلك المخاطر وتوعية الناس بالحقائق" .

من يقود الملف في مصر.. الإماراتيون أم المخابرات؟

شركة  new waves تعمل بشكل مباشر تحت الإمرة الإماراتية، وإن دور الاستخبارات العامة المصرية هنا تنسيقي ليس إلا، ووفقاً لما قالته مصادر مقربة من الشركة لـ "عربي بوست".

أما التكاليف والدعم المالي واللوجستي بل وأجندة العمل نفسها، فإنها تأتي من أبوظبي، القاهرة هنا فرع رخيص التكلفة ليس إلا، حسب وصف المصادر.

 ومؤخراً تم إغلاق حسابات أغلب اللجان سواء التي يديرها علاء حمودة من أبوظبي، أو للشركة بفرعيها المصري والإماراتي، وذلك يبدو كرد فعل على الفضيحة التي كشفها فيسبوك.

ولكن من المتوقع أنه سيتم إنشاء شركة جديدة تعمل على إنتاج ذباب إلكتروني آخر، فالسيطرة على صفحات التواصل الاجتماعي هي عامل مشترك بين الرجلين القويين في مصر والإمارات السيسي وبن زايد.

 

تحميل المزيد