الإعلان عن استعداد المتهم الأول، أو العقل المدبِّر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الإرهابية، لمساعدة أهالي الضحايا في قضاياهم المرفوعة ضد الحكومة السعودية مقابل عدم إعدامه يفتح الباب على مصراعيه أمام عاصفة من الأزمات، فما هي قصة تلك القضايا؟ وكيف يمكن أن تؤثر على المملكة؟
جاستا فتح الباب
منذ أن أقر الكونغرس الأمريكي قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" بشكل نهائي في سبتمبر/أيلول 2016، ورغم أن القانون لا يحمل أي إشارة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001 التي راح ضحيتها 2996 شخصا ولا حتى للملكة العربية السعودية، إلا أنه فتح الباب أمام أهالي ضحايا الهجمات لرفع قضايا ضد السعودية والمطالبة بالتعويضات.
القانون الذي أقر أثناء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما شهد معركة تكسير عظام بين البيت الأبيض والكونغرس، فبعد أن أقره الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، استخدم أوباما حق النقض ورفض التوقيع على المشروع كي يتحول إلى قانون.
أوباما برر استخدامه للفيتو ضد مشروع القانون، لأنه "يفتح الباب أمام محاكمة الولايات المتحدة أمام المحاكم في الدول الأخرى حول العالم"، حيث إن القانون يلغي سيادة الدول واستقلاليتها في حالات الإرهاب ووقوع الضحايا، وهي مسألة تخضع لاعتبارات عديدة سياسية وليست فقط قانونية.
الكونغرس لم يستسلم وصوّت مجلس الشيوخ على إلغاء فيتو الرئيس وكان ذلك في مايو/أيار 2016 وجاء التصويت بالإجماع، وتكرر الأمر في سبتمبر/أيلول من نفس العام وبنفس النتيجة وهي الإجماع في مجلس النواب ليتحول المشروع إلى قانون بصورة تلقائية.
قضايا بالجملة وتعويضات ربما تصل لتريليونات
منذ إقرار القانون، تم رفع أكثر من 800 قضية تعويض من جانب أهالي الضحايا والناجين من الهجمات الإرهابية التي استهدفت برجي التجارة في نيويورك ومبنى البنتاغون، إضافة لشركات التأمين التي تكبدت خسائر فادحة، وأخذت القضايا مساحة كبيرة من التغطية الإعلامية، وشكل المدعون هيئة دفاع مشتركة، ورغم محاولات السعودية المتنوعة لإفشال تمرير القانون ثم التلويح بتقليص الاستثمارات، إلا أن المحاكم الفيدرالية الأمريكية بدأت في تحديد جلسات للمحاكمة وأصبحت قضية التعويضات أمرا واقعا.
ورغم وصول دونالد ترامب للحكم وتوثيق علاقاته مع السعودية، إلا أنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً لإيقاف قضايا التعويضات وتحميل الحكومة السعودية المسؤولية عن تلك الهجمات الإرهابية، حيث إن الأمر الآن أصبح بيد القضاء.
في حالة صدور حكم لصالح أهالي الضحايا في هذه القضية، ستكون تبعاته كارثية على كل المستويات بالنسبة للملكة العربية السعودية، فمن الناحية المالية، يكفي هنا أن نذكر كمثال سقوط طائرة بان أمريكان فوق اسكتلندا وهي الكارثة المعروفة بسقوط طائرة لوكيربي (نسبة إلى المدينة التي سقطت فوقها الطائرة التجارية الأمريكية)، وكانت ليبيا المتهم وراء تفجير الطائرة.
الطائرة التي تم تفجيرها في الجو في ديسمبر /كانون الأول 1988 كان على متنها 269 شخصا لقوا حتفهم جميعا إضافة لـ11 شخصاً آخرين على الأرض، بينهم 188 يحملون الجنسية الأمريكية، شهدت قيام 103 من أهالي الضحايا الأمريكيين برفع قضايا تعويض ضد الحكومة الليبية واستمرت القضية مفتوحة عشرين عاماً، ولم تقفل إلا بعد أن دفعت ليبيا في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2008 مبلغ 1.5 مليار دولار أمريكي كتعويض لأهالي 103 من الضحايا.
القياس هنا يعني أن السعودية ربما تجد نفسها مضطرة لدفع تعويضات لأهالي الضحايا في هجمات سبتمبر/أيلول وأيضاً لشركات التأمين التي رفعت قضايا هي الأخرى على الرياض، ربما تصل لأرقام فلكية لا يمكن تخيلها، ولا يمكن تصور تأثيرها على الاقتصاد السعودي الذي كان يعد واحداً من أقوى اقتصادات العالم، قبل أن تتسبب العديد من المغامرات غير المحسوبة لولي العهد محمد بن سلمان من وضع ضغوط كبيرة على ميزانية المملكة، أبرزها حرب اليمن.
فإذا كنا نتحدث عن أهالي نحو ثلاثة الاف قتيل، إضافة للمصابين وهم أيضاً بالآلاف بخلاف الناجين، هذا غير المئات من شركات التأمين، سنجد أن أرقام التعويضات المنتظرة ربما تكون عصية على الاستيعاب.
لكن المؤكد أن النتائج الكارثية لن تكون مادية فقط، فصدور حكم قضائي يحمل السعودية كدولة مسئولية تلك الهجمات الإرهابية يعني ضربة قاصمة للعلاقات السعودية الأمريكية لا ترامب ولا غيره يمكنه أن يحتوي آثارها، حيث ستصبح الرياض بصورة رسمية دولة راعية للإرهاب.
احتمالات صدور حكم ضد السعودية
يأتي في هذا السياق خطورة التقرير الذي نشرته صحيفة وول ستريت جورنال أمس الإثنين 29 يوليو/تموز، والذي قالت فيه إن الباكستاني خالد شيخ محمد الذراع اليمنى لزعيم القاعدة الراحل أسامه بن لادن والعقل المدبر المزعوم للهجمات الإرهابية عام 2001، أبدى استعداده للإدلاء بشهادته ضد السعودية، مقابل أن تُسقط الولايات المتحدة عقوبة الإعدام في محاكمته.
شيخ محمد محتجز في قاعدة غوانتانامو الأمريكية بكوبا منذ نحو 13 عاماً، ويواجه عقوبة الإعدام حال بدء محاكمته أمام محكمة عسكرية بتهمة ارتكاب جرائم حرب متعلقة بدوره في التخطيط لأحداث 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية.
وفي خطاب موجَّه من محامي الضحايا للمحكمة، قالوا إن شيخ محمد "غير مستعد الآن للإدلاء بشهادته بسبب طبيعة العقوبة التي يواجهها وهي الإعدام"، مضيفين أنه، طبقاً لمحاميه، "مستعد للشهادة حال موافقة الولايات المتحدة على إسقاط عقوبة الإعدام عنه" .
وبحسب نفس المصادر، يزعم محامي شيخ محمد أن موكله يمكنه أن يؤكد أن الحكومة السعودية قد دعمت وموَّلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.
ورغم أن القضايا من هذا النوع تستغرق سنوات في العادة، فإن شهادة من هذا النوع إن تمَّت من المؤكد أنها ستساهم في تسريع إجراءات القضية بصورة لم يتوقعها أحد ولا حتى أهالي الضحايا.