العلاقات الوثيقة بين الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية لم تمنع الدولة الخليجية من التقارب مع أبرز أعداء واشنطن على الساحة الدولية، وهما الصين وروسيا، فما هي أسباب احتضان أبوظبي للتنين والدب؟ وما هي طموحات ولي عهد الدولة التي تقف وراء تلك التحولات؟
الإجابة رصدها ماركوس ساليس، المحلل السياسي البريطاني المتخصص في سياسات الشرق الأوسط، في تقرير أقرب لدراسة بحثية نشره موقع لوب لوج الأمريكي، جاء على النحو التالي.
العلاقات الأمريكية-الإماراتية منذ السبعينيات
كانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، ونشأت بين الدولتين علاقات متينة منذ ذلك الحين. لكن هناك ما يشير إلى تحوُّل تركيز الإمارات إلى إقامة علاقات مع روسيا والصين، وهو ما قد تتضرر منه واشنطن.
بالعودة إلى أوائل سبعينيات القرن الماضي، كانت العلاقة الأمريكية الإماراتية واحدة من أكثر العلاقات استقراراً في العالم، إذ أقام البلدان علاقات دبلوماسية رسمية عام 1972، وازداد تعاونهما الثنائي قوة منذ ذلك الحين، وكان كلاهما شريكاً في الدفاع، والحد من انتشار الأسلحة النووية، والتجارة، وإنفاذ القانون.
وأصبحت الإمارات المُصدِّر الأكبر الوحيد للغاز والنفط لأمريكا في الشرق الأوسط، بفضل احتياطياتها الكبيرة منهما، ومن جانبها، أسبغت واشنطن حمايتها على الإمارات من العدوان الخارجي، وخاصة من جهة إيران، التي تشترك أمريكا والإمارات في عداوتها.
وفي السنوات الأخيرة، اعتمد ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان- الزعيم الفعلي لدولة الإمارات– على التحالف الأمريكي الإماراتي لدعم أهدافه التوسعية في المنطقة، واستغل الخبرة الأمريكية لرفع كفاءة تدريبات الجيش الإماراتي وكذلك الجواسيس الأمريكيون السابقون لتطوير جهاز استخباراته. وأنفق الشيخ محمد بين عاميّ 2007 و2010 مبالغ ضخمة على شراء الأسلحة، إذ اشترى 80 طائرة مقاتلة من طراز F-16 و62 طائرة فرنسية من طراز ميراج و30 طائرة مقاتلة من طراز أباتشي، وكانت كمية هذه الأسلحة الغربية أكبر من تلك التي اشترتها دول مجلس التعاون الخليجي الخمس مجتمعة خلال تلك الفترة.
تطور كبير في العلاقات العسكرية
وفي الآونة الأخيرة أيضاً، بدأت الولايات المتحدة في نشر طائراتها في قاعدة الظفرة الجوية في أبو ظبي. وفي عام 2014، بدأت الولايات المتحدة في تزويد الإمارات بالمزيد من الطائرات المقاتلة فضلاً عن القنابل لمساعدتها في مهمتها في العراق وسوريا. واليوم، تدعم أمريكا التدخل الإماراتي في ليبيا، وقد أمدَّت التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في حرب اليمن بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية وغيرها من أشكال الدعم، مما تسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وخرجت الأمور عن السيطرة بدرجة كبيرة، أعلنت معها الإمارات في وقت سابق من هذا الشهر أنها ستنسحب جزئياً من اليمن.
وجاء في تقرير أصدره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام عام 2017 أن أكثر من نصف صادرات الولايات المتحدة من الأسلحة ذهبت إلى الشرق الأوسط، وكانت السعودية والإمارات اثنتين من بين أبرز خمسة زبائن لجهات صناعة الأسلحة الأمريكية. وعلاوة على ذلك، زود عدد من المسؤولين الأمريكيين الإمارات بالمساعدة العسكرية أو الاستخباراتية أو كليهما في الماضي، وتخطَّوا أحياناً الحدود الأخلاقية والقانونية ليفعلوا ذلك.
في المقابل، لم توفر الدولة الخليجية النفط لواشنطن فحسب، بل دعمت أيضاً العمليات الأمريكية في المنطقة، في عام 2003، أصبحت الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط تقدم يد العون للمهمة التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان عبر نشرها 1200 شخص من قوات الحرس الرئاسي ضمن التحالف الدولي الذي يقاتل حركة طالبان. وظلت القوات الإماراتية في أفغانستان حتى عام 2014. وفضلاً عن ذلك، وضعت الإمارات منشآتها العسكرية تحت تصرف الولايات المتحدة وحلفائها بعد هجمات سبتمبر/أيلول التي نفذها تنظيم القاعدة في الولايات المتحدة عام 2001.
تحالف على وشك الانهيار
غير أن هذا التحالف الأمريكي الإماراتي قد يكون على وشك الانهيار، بعد أن تفرعت مصالح الإمارات في عدة اتجاهات، ولم تعد الولايات المتحدة محور تركيز أبوظبي الوحيد. وظلت الإمارات واضحة بشأن متطلباتها، التي لا تنطوي فقط على الحفاظ على علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة ولكن أيضاً مع منافستيها الجيوسياسيتين الأكبر، الصين وروسيا.
تقارُب الصين والإمارات
تربط الصين والولايات المتحدة علاقات متوترة في مجالات عدة، خاصة في المجال التجاري، وفيما يواصل دونالد ترامب فرض التعريفات الجمركية على الواردات الصينية، تعمل بكين على اكتساب دعم أكبر من بقية دول العالم، ويتنامى نجاحها في ذلك بمبادرة الحزام والطريق (BRI) التي أطلقتها، والتي من المقرر أن تؤدي الإمارات دوراً كبيراً فيها إلى جانب العديد من الدول الأخرى في آسيا وإفريقيا وأوروبا.
إذ أبرم حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، شراكة في مبادرة الحزام والطريق في 27 أبريل/نيسان عام 2019، وأعلن أن الصفقة قد تعزز التجارة الثنائية بين الصين ودبي التي تبلغ قيمتها 53 مليار دولار لتصل إلى 70 مليار دولار بحلول عام 2020، وقد ثبتت الصين أقدامها في الإمارات. وتأتي احتفالات دبي بالعام الصيني الجديد، التي أقيمت في كل من العامين الماضيين، بمثابة شهادة على تنامي علاقة الصداقة بينهما.
وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2015، زار محمد بن زايد الصين في رحلة مثلت تقدماً كبيراً في العلاقات الصينية الإماراتية. ووقَّع مذكرة تفاهم مع الرئيس الصيني شي جين بينغ لتأسيس صندوق تعاون استثماري ضخم بقيمة 10 مليارات دولار.
وزار شي الإمارات في يوليو/تموز عام 2018، وارتفع مستوى العلاقة من مجرد تعاون ثنائي إلى شراكة استراتيجية شاملة. وأعلنت الدولتان إبرام 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم، بما في ذلك الموافقة على إنشاء أول شركة حكومية للخدمات المالية الصينية في سوق أبوظبي العالمي. ووافقت مؤسسة البترول الوطنية الصينية وشركة بترول أبوظبي الوطنية على دراسة فرص تجارية تجمعهما. وقلّد رئيس الإمارات خليفة بن زايد آل نهيان الرئيس الصيني وسام زايد، وهو أرفع وسام مدني في الإمارات.
أسلحة صينية
وتعمل الصين أيضاً على تسهيل حصول الإمارات على احتياجاتها بشكل أفضل من الولايات المتحدة فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، إذ تقيد سياسة نقل الأسلحة التقليدية الأمريكية (CAT) من قدرة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) على إمداد حليفتها العربية بتكنولوجيا الطائرات المُسيَّرة المسلحة.
من ناحية أخرى، ترحب الصين ببيع الطائرات المسيرة بموجب سياسة "عدم طرح الأسئلة" التي تتبعها، وقد اشترت الإمارات أولى طائراتها الصينية المسيرة، وينغ لونغ 1، عام 2016، وقالت تقارير إنها حصلت على وينغ لونغ 2 الأكثر تقدماً في أوائل عام 2018. وهذه الطائرات الصينية المسيرة أقل تكلفة من نظيراتها الأمريكية أيضاً، فتبلغ تكلفتها حوالي مليون دولار للطائرة الواحدة مقارنة بـ5 ملايين دولار للأمريكية.
وفي يوليو/تموز عام 2017، قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في تقرير لها أن كلاً من الإمارات والسعودية تستخدم طائرات التجسس والقصف الصينية المسيرة في اليمن، وصرح مسؤول سابق في البنتاغون ورئيس مجلس الأعمال الأمريكي الإماراتي، داني سبرايت، بأن الإماراتيين اشتروا طائرات مسيرة صينية وزودوها بأنظمة توجيه ليزرية من جنوب إفريقيا. وتُستخدم هذه الأنظمة لتوجيه ضربات الصواريخ من الطائرات التي يقودها طيارون. ووفقاً لصور الأقمار الصناعية، تستخدم الإمارات هذه الطائرات المسيرة أيضاً لدعم حفتر في ليبيا.
واتخذ الرئيس ترامب مؤخراً بعض الخطوات لمحاولة إعادة السعودية والإمارات إلى شراء الأسلحة من الولايات المتحدة، ففي 23 مايو/أيار الماضي، أعلنت إدارة ترامب أنها ستبيع ذخائر وقطع غيار طائرات ولوازم أخرى بقيمة 8.1 مليار دولار إلى السعودية والإمارات دون موافقة الكونغرس. غير أن مجلس النواب الأمريكي انضم إلى مجلس الشيوخ وصوتا لصالح تعطيل هذه المبيعات في 17 يوليو/تموز.
وتتعاون الإمارات أيضاً مع مقاول عسكري مثير للجدل، وهو إريك برنس، شقيق وزيرة التربية والتعليم الأمريكية بيتسي ديفوس. وتقول مزاعم إنه كان حلقة وصل بين الصين والإمارات، ويواجه برنس اتهاماً بمساعدة قوات الأمن الصينية في حملة التطهير العرقي التي تشنها ضد الإيغور ومساعدة القوات الإماراتية في عملياتها في اليمن.
وتفوقت الصين على الولايات المتحدة أيضاً في إمداد الإمارات بتقنيات الذكاء الاصطناعي. وفيما تخضع مثل هذه التكنولوجيا لرقابة متنامية في الولايات المتحدة، تُسوِّق شركات صينية مثل Hikvision و Huawei لأنظمة المراقبة البيومترية للدولة الخليجية، التي استثمرت مبالغ طائلة في تكنولوجيا المراقبة وتستخدم برامج اختراق الهواتف المحمولة للتجسس على الصحفيين والمعارضين.
علاوة على ذلك، وظفت العديد من الشركات الصينية استثمارات كبيرة في مدينة خليفة الصناعية بأبوظبي (كيزاد) خلال العامين الماضيين. وفي وقت سابق من هذا الشهر، عرضت شركة East Hope Group الصينية استثماراً بقيمة 10 ملايين دولار، ومن المقرر تنفيذه على ثلاث مراحل على مدار 15 عاماً.
المحور الروسي الإماراتي المتنامي
تعد روسيا منافساً خطيراً آخر للولايات المتحدة وهي أيضاً حليف رئيسي متنامي للإمارات، وأفادت تقارير بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومحمد بن زايد يتحدثان هاتفياً بشكل متكرر، ليناقشا علاقتهما والتنسيق بينهما في القضايا الدولية موضع الاهتمام المشترك.
وفي يونيو/حزيران عام 2018، زار محمد بن زايد موسكو بصحبة وفد إماراتي. وبالإضافة إلى مناقشة فرص التعاون، وقّع البلدان أيضا إعلان شراكة استراتيجية في جميع المجالات. وقال محمد بن زايد إنه من الأهمية بمكان "الحرص على استمرار التنسيق مع روسيا في القضايا الإقليمية لضمان الأمن والاستقرار" .
وتزود روسيا الإمارات بالأسلحة أيضاً، وتدعم المصالح الإماراتية في الدول التي مزقتها الحرب مثل اليمن وليبيا دعماً غير مباشر. وتعد روسيا واحدة من المصنعين العالميين الثلاثة الرئيسيين للطائرات المقاتلة المتطورة، إلى جانب الصين والولايات المتحدة، وتهتم الإمارات اهتماماً كبيراً بالحصول على طائرات مقاتلة على أحدث طراز. ومن بين المُصنعين الثلاثة، لم تنتج الولايات المتحدة طائرة مقاتلة ثقيلة من الجيل الرابع، وقصرت تصدير مقاتلة الجيل الرابع (F-15C)، على ثلاثة عملاء، وفرضت حظراً كاملاً على تصدير طائرة الجيل الخامس (F-22).
وحاولت الإمارات شراء طائرات F-35 المقاتلة من الجيل الخامس، لكن الولايات المتحدة رفضت طلباتها باستمرار، ومن ناحية أخرى، لم تبدِ الصين استعداداً لبيع طائرات التفوق الجوي خاصتها، ولهذا السبب، أصبحت روسيا تحتكر مقاتلات التفوق الجوي من الجيل الرابع، مثل مقاتلتيّ Su-30 و Su-35. وفي فبراير/شباط عام 2017، وقعت روسيا اتفاقية لبيع عدة طائرات مقاتلة من طراز سوخوي سو-35 (Flanker-E) إلى الإمارات، ومساعدتها في تطوير مقاتلات الجيل الخامس في قواتها الجوية. وفي الوقت نفسه، منحت الدولة الخليجية أيضاً عقداً بقيمة 708 ملايين دولار لوكالة روسوبورون إكسبورت الروسية للحصول على صواريخ مضادة للدروع، خلال معرض ومؤتمر الدفاع الدولي في عام 2017.
ووفقاً لمؤسسة خدمة أبحاث الكونغرس، يمكن أن تكون الشراكة المتنامية بين الإمارات وروسيا وسيلة الإمارات لدفع الولايات المتحدة إلى تقديم تنازلات بخصوص بيع طائرات F-35 وغيرها من الصفقات المحتملة، وأثبت هذا التحليل دقته في وقت سابق من هذا العام، حينما نشرت الولايات المتحدة طائرات الشبح المقاتلة من طراز F-35A Lightning II في قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات. وفي 30 أبريل/نيسان، شن سلاح الجو الأمريكي غارات جوية على شبكة أنفاق تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق من قاعدة الظفرة، باستخدام طائرات F-35 في القتال لأول مرة.
زيادة حجم التبادل التجاري
لكن العلاقات بين الإمارات وروسيا لا تزال تتطور؛ إذ ازداد حجم التجارة بين البلدين بنسبة تصل إلى حوالي 35% على مدار عامين، أي من حوالي 161 مليون دولار في عام 2015 إلى 217 مليون دولار في عام 2017. وفي وقت سابق من هذا الشهر، التقى وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، سلطان أحمد الجابر، وهو وزير دولة في حكومة الإمارات العربية المتحدة والرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) لمناقشة فرص التعاون في مشاريع الغاز الطبيعي المسال في موسكو.
وفي الوقت الذي تشارك فيه إدارة ترامب في المنافسة على النفوذ العالمي مع الصين وروسيا، يبحث هؤلاء المنافسون الأمريكيون عن طرق لإقامة علاقات قوية مع دول الخليج. وصفقات الأسلحة ليست سوى جزء من القصة. فالإمارات توسع نطاق علاقاتها مع كل من موسكو وبكين في مجالات التجارة والطاقة والاستثمار والعلاقات الدبلوماسية والتعاونية.
تختبر الإمارات حدود تحالفها مع الولايات المتحدة عبر إقامة علاقات أقوى مع كل من الصين وروسيا. وفي حين أن السياسة الأمريكية جزء من السبب وراء تغيير الإمارات لتحالفاتها، يمكننا القول أيضاً إن تمكُّن الإمارات من تقوية شراكاتها الاستراتيجية مع القوى العالمية الأخرى تخدم مصالحها بشكل أفضل.