لم تبق سوى 4 ساعات قبل أن تحتاج إلى الاستيقاظ، والكلب ينبح على سنجاب خارج النافذة. الشيش مغلق، والكلب عاد للنوم، لكن ها أنت ذا راقد بلا نوم، تدور محركات رأسك بجنون، بينما تفكر بهوس في ذلك الأمر. لا تستطيع التوقف عن التفكير الهوسي به، لكنك بحاجة إلى النوم.
كيف يمكنك العودة إلى النوم الذي تحتاجه بشدة؟ بحسب ما نشره موقع Bigthink؛ يمكنك أن تحاول معرفة السبب الذي من أجله يتركك عقلك وشأنك، يمكنك أن تفكر في "مشكلة الدب الأبيض" أو "نظرية المعالجة التهكمية".
مشكلة الدب الأبيض
قد يكون من الصعوبة حقاً أن تتعمد عدم التفكير في شيء ما. ففي المقال الذي كتبه دوستويفسكي عام 1863، بعنوان "ملحوظات شتوية على انطباعات صيفية" طرح تحدياً في أول مقاله: حاول ألا تفكر في دبّ قطبي أبيض. هيا. جرب ذلك إذا أردت.
في وقت لاحق من ذلك، صادف عالم النفس من جامعة هارفارد، دانيال فيغنر، هذه القطعة وأصبح مفتوناً بصعوبة حجب أفكاره عن الدب القطبي الأبيض. وتذكر فيغنر ما حدث في المؤتمر السنوي للرابطة الأمريكية لعلم النفس عام 2011 إذ قال: "كنت مفتوناً حقاً بذلك. بدا الأمر حقيقياً للغاية".
ونشر د. فيغنر، عام 1987، نتائج بحثه العلمي عن تلك المشكلة في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي كانت تجربته بسيطة للغاية، وكانت النتيجة غريبة.
إذ طلب فيغنر من مجموعة من الأشخاص الذين يجرون التجربة وصفاً مستمراً لتيار وعيهم بصوت عالٍ، بينما يفكرون في دب قطبي أبيض على مدى 5 دقائق. وتلقوا تعليمات بقرع الجرس كل مرة ينجحون فيها.
كانت التعليمات ذاتها مع مجموعة ثانية، لكن مع فارق واحد أساسي: إذ تلقوا تعليمات بألا يفكروا في دب قطبي أبيض. لكنهم لم يستطيعوا فعل ذلك، وكانوا يقرعون الجرس بمعدل أكثر من مرة في الدقيقة.
أخيراً طلب فيغنر من المجموعة الثانية إعادة التجربة مع التفكير المتعمد في الدب القطبي. وكانت النتيجة أنهم قرعوا أجراسهم أكثر حتى من المجموعة الأولى التي طلب منها التفكير في الدبّ من البداية.
الخلاصة التي خرج بها فيغنر أنَّ محاولة عدم التفكير في دبّ قطبي أبيض جعلته، على نحو مفارق، أكثر احتمالاً ألا تستطيع إخراجه من رأسك.
نظرية العملية التهكمية
خلال العقد التالي أجرى فيغنر أبحاثاً إضافية حول سبب حدوث هذه الظاهرة. ورأى دليلاً على أنه بينما يطيع جزء من المخ ويمنع أفكار الدب الأبيض، فإنَّ جزءاً آخر، "يساعد" من خلال التحقق الدوري للتأكد من نجاحك مذكراً إياك بالدب الأبيض مرة أخرى. أطلق فيغنر مازحاً على هذا الأمر اسم "العملية التهكمية"، وهي بالتأكيد ليست مثالاً على عمل أدمغتنا في أفضل حالاتها.
طرد دببتك البيضاء
ثمة بعض الطرق التي اقتُرِحت لإخراج فكرة استحواذية من رأسك.
إذ اقترح فيغنر في حديثه أمام الجمعية الأمريكية لعلم النفس ما يلي:
* أعد توجيه تركيزك العقلي على شيء آخر يثير اهتمامك لإبعاد عقلك عن الدب الأبيض. إذ وجد فيغنر أنَّ هذا الأمر نجح حتى عندما استبدل من أجروا التجربة سيارة فولكسفاغن حمراء بالدب الأبيض. بالطبع، فإنَّ إخراج السيارة من أدمغتهم [سوف يكون مشكلة].
* خصص وقتاً آخر للتفكير في هذا الموضوع. إذ قال فيغنر إنَّ بعض الناس يجدون من المفيد تخصيص أوقات محددة، ربما ساعة يومياً، للتفكير في دببتهم البيضاء الشخصية. تكمن الفكرة في السماح لنفسك بتأجيل الهوس إلى وقت أكثر ملاءمة وتبعده عن طريقك للوقت الراهن.
- قلل من تعدد المهمات (فعل أكثر من مهمة في الوقت ذاته). فعلى ما يبدو يميل الأشخاص الذين تكون أدمغتهم منهكة بانتظام إلى الانجراف مع أفكار الموت في أحيان أكثر، وهذه الفكرة تعد واحدة من الدببة البيضاء الكلاسيكية والأكثر خبثاً.
- التعرض. إذ تشير دراسة فيغنر الأولى إلى أن تخصص لنفسك القليل من الوقت لكي تستبد بك فيه فكرة ما لكي تمنع الموضوع من الظهور في رأسك على نحو أكثر تكراراً من ذلك. والأمر بالأساس أنك تسمح لبعض البخار للخروج من طنجرة الضغط العقلية التي تشعر وكأنك عالق فيها.
- التأمل واليقظة. كلتا هاتين الممارستين يمكن لهما أن تعززا من قدراتك على التحكم العقلي وقد تعززان قدرتك على إيقاف دوران عقلك عندما تحتاج إلى ذلك. وثمة نهج مختلف للغاية يأتي من الدكتورة جينيس فيلهوير، التي تكتب لمجلة علم النفس اليوم Psychology Today. تقدم فيلهوير الأمور التالية التي يمكن تجربتها عندما تعلق في تفكير سلبي:
- انخرط في نشاط على تردد عاطفي مختلف. حاول أن تفعل شيئاً أو تفكر في شيء يغير حالتك المزاجية بطريقة مختلفة لكي تغير قناتك العاطفية بشكل أساسي.
- اكتب جميع الأسباب التي من أجلها لن يحدث ما تخشاه. ذلك أنَّ كثيراً من أفكارنا الاستحواذية عبارة عن مخاوف، ومع ذلك فمعظم الأشياء التي نشعر بالقلق إزاءها لا تحدث أبداً. وقد يكون من المفيد تذكير نفسك أنَّ مجرد استطاعتك تخيل حدوث شيء سيئ لا يعني حدوثه. يمكن لهذه القائمة أن تساعدك على إقناع نفسك بالهدوء.
- اكتب جميع الأسباب التي من أجلها ستظل على ما يرام، حتى لو وقع السيناريو الأسوأ. إنَّ الأمر المحتمل أنك قد مررت بالفعل بالكثير من المواقف العسيرة وأصبحت ماهراً في النجاة من هذه المواقف أو التغلب عليها أكثر مما تعتقد عن نفسك. قد يكون هذا وقتاً مناسباً لتذكير نفسك بالطريقة التي ستتعامل بها مع النتيجة التي تخشى وقوعها، لكي تجعلها أقل ترهيباً.
- أنشئ إطاراً جديداً يركز على العمل والحلول. إذ تقترح فيلهوير إنشاء وصف داخلي جديد لدبك الأبيض مشيد بوصفه أحجية قوامها مشكلة وحل. من شأن هذا أن ينزع فتيل القلق الذي جعل عقلك يتسارع.
الخطوات التالية يمكن أن تساعدك على تحقيق ذلك:
- ما اعتقادي في معنى هذا الموقف بالنسبة لي؟ ضع قائمة محددة بالأشياء المعرضة للخطر نتيجة لهذا الشيء الذي يستحوذ على فكرك.
- ما الذي أريد حدوثه؟ تخيل نفسك خارجاً من الجانب الآخر من هذه المشكلة. إذا كنت تنظر إلى هذه المشكلة بوصفها فرصة، فأين تريد أن تجد نفسك؟
- ما الذي يمكنني فعله والذي من المحتمل أن يحقق تلك النتيجة المرجوة؟ حسناً، ما الذي يتطلبه الأمر للوصول إلى نتيجتك المرجوة؟ حان وقت وضع خطة.