قبل نحو أسبوعين من الآن كانت بريطانيا تقف في خندق من يحاولون إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران وكانت الولايات المتحدة وحيدة بعد انسحابها من الاتفاق والمواجهة العسكرية تقترب أكثر وأكثر مع التصعيد المتبادل، اليوم أصبحت بريطانيا في وضع أشبه بالمستجير من الرمضاء بالنار بعد أن احتجزت طهران ناقلة نفط تحمل علم المملكة المتحدة في عملية عسكرية تم تصويرها وبثها على الملأ، فإما أن ترد بريطانيا عسكرياً وتتحمل النتائج أو لا ترد وأيضاً تتحمل النتائج، فكيف نجحت واشنطن في توريط لندن في المستنقع ثم تركتها وحيدة في مواجهة المجهول؟
البداية جاءت من قيام قوات البحرية البريطانية باحتجاز ناقلة النفط الإيرانية العملاقة جريس 1 في مياه مضيق جبل طارق، بناء على طلب من الإدارة الأمريكية وتحت ذريعة أن الناقلة كانت في طريقها إلى سوريا الواقعة تحت عقوبات الاتحاد الأوروبي.
تلك الحادثة أدت إلى ما يعرف في السياسة باسم "تأثير الدومينو" أو وقوع سلسلة من الحوادث المتتابعة، بدأت بتهديد إيران أن ما قامت به بريطانيا يعتبر من أعمال القرصنة وأنها سترد بالمثل، وسط ترحيب مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون (الصقر الذي ساهم في غزو العراق ويريد الآن حرباً مع إيران لا يريدها رئيسه دونالد ترامب).
توتر وتصعيد وانفجار
ظل التوتر والتصعيد الكلامي بين لندن وطهران يزداد سخونة حتى قام الحرس الثوري وقوات البحرية الإيرانية باحتجاز ناقلة نفط بريطانية في مياه مضيق هرمز وفي عملية تكاد تكون متطابقة مع ما تم القيام به لدى احتجاز الناقلة الإيرانية في مياه جبل طارق، في رسالة واضحة لا تحتمل التأويل.
الأوساط الإعلامية والسياسية في لندن الآن تتحدث عن "الخديعة" و"الفخ" الذي تم نصبه من الجانب الأمريكي وتحديداً فريق بولتون حتى تتورط بريطانيا في "المستنقع" وهو ما قد كان.
"كيف نجح صقر ترامب في خداع بريطانيا للدخول في مصيدة خطيرة كي يعاقب إيران"، هكذا كتبت صحيفة الغارديان في عنوان تقرير لها، جاء في مقدمته: "باحتجازها ناقلة النفط العملاقة في جبل طارق، وقعت حكومة المملكة المتحدة المشتتة في شباك الفخ الذي نصبه جون بولتون لتصبح أضراراً جانبية".
الوصف والتلخيص الذي استخدمه سايمون تيسدال وهو كاتب سياسي محنك يعبر عن إجماع داخل بريطانيا الآن مفاده أن بولتون في "مسعاه المحموم لتقليم أظافر إيران، لا يلقي بالاً لمن قد يتأذى حتى لو كانت الأضرار الجانبية عبارة عن التضحية بحليف استراتيجي مهم مثل المملكة المتحدة".
ويقول تيسدال إن ما كتبه بولتون على تويتر بعد احتجاز الناقلة الإيرانية يوحي أن الأمر جاء بمثابة المفاجأة السعيدة له، لكن الأدلة التي تكشفت لاحقاً "تؤكد أن العكس تماماً هو ما حدث وأن فريق بولتون كان متورطاً في نصب شباك المصيدة لبريطانيا على مياه جبل طارق". وفي ظل انشغال السياسيين البريطانيين المحافظين بمسألة اختيار بديل لرئيسة الوزراء المستقيلة تيريزا ماي والتدافع فيما بينهم كي يحلوا محلها والانشغال بقضية الخروج من الاتحاد الأوروبي، "سقطوا في الفخ الأمريكي".
ظريف يؤكد ما يقوله إعلام لندن
اللافت هنا أن الرسالة نفسها قالها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عبر حسابه على تويتر أمس الأحد، حين اتهم بولتون بتوريط بريطانيا في "المستنقع"، بعد أن فشل في إقناع رئيسه ترامب بالدخول في حرب ضد طهران.
وأنهى ظريف تغريدته بالقول إن "الحذر والحكمة هما السبيل الوحيد لإحباط تلك المؤامرة".
غياب استراتيجية للتعامل مع الموقف المشتعل
التخبط في رد الفعل البريطاني منذ احتجاز ناقلة النفط قبل يومين ما بين التهديد بإرسال "غواصة تحمل رؤوساً نووية" وعقد اجتماعات مع فرنسا وألمانيا لإنقاذ الاتفاق النووي، ينم بوضوح عن غياب أي استراتيجية من جانب لندن للتعامل مع التبعات التي تلت الإقدام على احتجاز الناقلة الإيرانية بناء على طلب بولتون.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو اليوم الإثنين 22 يوليو/تموز لتؤكد مخاوف البريطانيين من أن واشنطن أوقعتهم في المستنقع الإيراني خدمة لأجندتها.
بومبيو قال تعليقاً على أزمة احتجاز الناقلة ستينو أمبيرو إن حماية السفن البريطانية تقع على عاتق المملكة المتحدة، ولم يكتف بذلك بل أكد أن بلاده "لا تريد الحرب مع إيران".
هذه المعطيات، إضافة لشبح التورط البريطاني في غزو العراق قبل 16 عاماً، تقف وراء التحذيرات من جانب حزب العمال المعارض من الانجرار إلى مواجهة شبيهة مع إيران، وكلها مؤشرات ربما تحمل بادرة أمل في أن يعلو صوت العقل وتنتهي أزمة احتجاز ناقلتي النفط بأن تفرج لندن عن الناقلة الإيرانية وترد طهران بالمثل وذلك قبل أن تنزلق الأمور إلى ما لا تحمد عقباه.