يبدو أن ما تواجهه بريطانيا جراء تورطها في الأزمة الإيرانية الأمريكية يتخطى ما قد تواجهه سفنها في مضيق هرمز بعد احتجاز ناقلتها، فالتحذيرات الصادرة عن الأجهزة الأمنية تشير إلى ما هو أخطر من ذلك.
بحسب تقرير لصحيفة تليغراف البريطانية اليوم الإثنين 22 يوليو/تموز، حذرت مصادر استخباراتية من أنَّ خلايا إرهابية مدعومة من إيران ربما تستعد لشنِّ هجمات في المملكة المتحدة إذا تفاقمت الأزمة بين لندن وطهران.
كبار ضباط المخابرات يرون أنَّ إيران تحتل المرتبة الثالثة بعد روسيا والصين في قائمة الدول القومية التي تُشكِّل أكبر تهديد على الأمن القومي البريطاني، بالإضافة إلى أنَّ الاستيلاء على ناقلة النفط التي ترفع علم المملكة المتحدة وتحمل اسم ستينا إمبيرو ستزيد من المخاوف في الجهازين الاستخباراتيين البريطانيين: المكتب الخامس والمكتب السادس.
خلايا إرهابية في أوروبا
وتعتقد بعض وكالات الاستخبارات أنَّ إيران نشرت خلايا إرهابية نائمة في جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك المملكة المتحدة، وموَّلتها، ويمكنها أنَّ تمنحها الضوء الأخضر لتنفيذ هجماتٍ رداً على النزاع القائم بين الدولتين في منطقة الخليج، ويدير هذه الخلايا متطرفون مرتبطون بجماعة حزب الله اللبنانية المُسلَّحة.
كانت شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية قد فكَّكت خليةً إرهابية في عام 2015 بعد ضبطها متلبسةً بتخزين أطنانٍ من المواد المتفجرة في بعض الشركات والمحال التجارية في ضواحي العاصمة البريطانية لندن.
وقال مصدر أمني للصحيفة: "تستخدم إيران وكلاء تابعين لها، وتسيطر على شبكةٍ من أفراد مرتبطين بحزب الله"، مضيفاً: "إيران لديها عناصر في حزب الله في أماكن تسمح لهم بتنفيذ هجومٍ إرهابي في حالة حدوث نزاع. وهذه هي طبيعة التهديد المحلي الذي تشكله إيران على المملكة المتحدة".
ومن جانبهما، أكَّدت شرطة العاصمة والمكتب الخامس ثقتهما في أنَّ مداهمات عام 2015 عطلت أنشطة إيران الإرهابية في المملكة المتحدة بشدة، لكنَّ الخلايا الإرهابية ما زالت منتشرة في أوروبا.
الكشف المتأخر عن الخلايا الإرهابية
مخطط عام 2015 الإرهابي، الذي لم يُكشف عن وجوده إلَّا في الشهر الماضي يونيو/حزيران من جانب نفس الصحيفة البريطانية بعدما كانت السلطات تُخفيه، وُصِفَ بأنه "إرهاب حقيقي منظم". فيما قال مصدرٌ آخر إنَّ الخلية المُكتشفة آنذاك كانت تُخزِّن ما يكفي من المواد المتفجرة لإحداث "ضررٍ بالغ".
ولم تكن الخلية التي كانت تتخذ من لندن مقراً لها تعمل بمفردها، بل كانت جزءاً من مخططٍ دولي يتبنَّاه حزب الله من أجل وضع أساسٍ لتنفيذ هجمات مستقبلية، وفقا لمصادر مُطَّلعة.
وألقي اللوم على إيران كذلك في هجماتٍ سيبرانية شهدتها المملكة المتحدة، من بينها اختراق أجهزة بعض أعضاء البرلمان والنبلاء في عام 2017، وهجومٌ على مكتب البريد الرئيسي، وشبكات حكومية محلية وبعض شركات القطاع الخاص، بما في ذلك البنوك في نهاية العام الماضي 2018.
انتقادات داخلية
المجموعة المسؤولة عن اختطاف ناقلة النفط رُبِطَت بالحرس الثوري الإيراني، وقد أدى الخلاف حول عملية الاختطاف إلى اندلاع نزاعٍ داخلي بين قادة حزب المحافظين.
إذ اتهم إيان دنكان سميث، زعيم حزب المحافظين السابق ورئيس حملة بوريس جونسون الانتخابية للفوز برئاسة الوزراء، رئيسة الوزراء تيريزا ماي بارتكاب "سوء تقدير كبير" حين رفضت عرضاً مقدماً من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتولي الولايات المتحدة مسؤولية حماية السفن البريطانية في الخليج العربي.
ماي رفضت عرض الحماية من ترامب
وقال دنكان سميث إنَّ بريطانيا "عُرِض عليها تقديم أيِّ مساعدة ضرورية لحماية السفن البريطانية"، لكنَّ الحكومة رفضت ذلك لتجنُّب اعتبارها متحالفةً مع نظام ترامب، الذي انسحب من الاتفاق النووي الإيراني.
لكنَّ فيليب هاموند وزير المالية البريطانية أصرَّ في حديثه عبر البرنامج الذي يُقدمه المذيع أندرو مار على هيئة الإذاعة البريطانية BBC على أنَّ الحكومة لم تفقد تركيزها على حماية الناقلة حين لم توفِّر لها سفناً بحرية تحرسها عبر مضيق هرمز.
وفي يوم أمس، الأحد 21 يوليو/تموز، نُشِر تسجيلٌ صوتي يكشف ما دار بين قوات مسلحة إيرانية وناقلة النفط وفرقاطة إتش إم إس مونتروس التابعة للبحرية الملكية التي نشرتها السلطات البريطانية في المنطقة لكنَّها كانت بعيدة جداً لدرجةٍ أعجزتها عن تقديم المساعدة.
وفي التسجيل، يمكن سماع رجلٍ إيراني يتحدث بلهجةٍ إنجليزية ركيكة، وهو يأمر قبطان ستينا إمبيرو بتغيير المسار "فوراً"، ويحذره قائلاً: "إذا أطعتنا ستظل آمناً".
ثم قال الإيرانيون لقائد الفرقاطة الملكية: "ذلك ليس تحدياً. ذلك ليس تحدياً.. أريد تفتيش السفينة لأسباب أمنية".
حماية ضعيفة للسفن
ومن جانبه اعترف توبياس إلوود، وزير الدفاع البريطاني، بأنَّ البحرية الملكية كانت "صغيرة جداً" لدرجةٍ أعجزتها عن مقاومة تهديد السفينة البريطانية في الخليج. وقد أثار ذلك تساؤلاتٍ حول سبب عدم انضمام بريطانيا إلى شركاء دوليين آخرين من أجل حماية جميع السفن في المنطقة.
ونشرت وزارة النقل البريطانية يوم أمس خريطةً بحرية توضح أنَّ ناقلة النفط كانت في المياه الإقليمية العمانية "حين اعترضتها القوات الإيرانية".
وقد حدَّدت الخريطة مسار السفينة، موضحةً أنَّها خضعت لعملية إعادة توجيه إلى المياه الإيرانية بعدما صعدت على متنها قواتٌ خاصة تابعة للحرس الثوري الإيراني يوم الجمعة الماضي 19 يوليو/تموز.
وفي خطاب احتجاجٍ إلى مجلس الأمن الدولي، اتهمت حكومة المملكة المتحدة إيران "بالتدخل غير القانوني" عبر الاستيلاء على ناقلة النفط وأضافت: "التوترات الحالية مثيرة جداً للقلق، وأولويتنا هي وقف التصعيد. لا نسعى إلى دخول مواجهة مع إيران، لكن من المرفوض والمثير جداً للتصعيد تهديد حق السفن في مباشرة أعمالها المشروعة عبر ممرات عبور معترف بها دولياً".
فيما بثَّت قناة Press TV الإيرانية يوم أمس مقطع فيديو جديداً يُظهِر العلم الإيراني يرفرف فوق ستينا إمبيرو في ميناء بندر عباس.
ويَظهر كذلك بعض أفراد القوات المسلحة يُجرون دورياتٍ على سطح السفينة في المقطع المُذاع، الذي كان عنوانه "قوات الحرس الثوري الإيراني تمكنت من قيادة ناقلةٍ إلى السواحل الإيرانية على الرغم من تدخُّل سفينةٍ حربية بريطانية".
ومن جانبه نشر عادل الجبير، وزير الدولة للشؤون الخارجية في المملكة العربية السعودية، تغريدةً يوم أمس قال فيها: "يجب على إيران أن تدرك أن أفعال اعتراض السفن، بما في ذلك السفينة البريطانية التي اعترضتها مؤخراً، غير مقبولة على الإطلاق. يجب على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءاتٍ لردع مثل هذا السلوك".