تكاد النقطة الإيجابية في العلاقات التركية – الأمريكية، بعد قرار إنهاء مشاركة تركيا في برنامج تصنيع طائرات إف 35 الأمريكية، تكون معلقة على العلاقة بين الرئيسين رجب طيب أردوغان ودونالد ترامب، وبما أن الأمر هكذا فإنه غير مطمئن أبداً للأتراك نظراً للمزاجية وتقلب المواقف التي يُعرف بها الرئيس الأمريكي، ولعل أوضح مثال تراجعه عن قرار الانسحاب من شمال سوريا بعد اتفاق حدث في مكالمة هاتفية بينه وبين أردوغان.
وعلى رأي المقولة أو الأغنية التركية التي غالباً ما يشغلها سائقو التاكسي الأتراك "فليس علامة خير" إذا كان موقف ترامب المتوقع هو الأمر الإيجابي في الموضوع. ولكن مع ذلك هناك مَن يركز على هذا الأمر كمخرج وحيد.
لو نظرنا إلى بقية المؤسسات الأمريكية وتحديداً بعد حصول تركيا على أجزاء من منظومة إس 400 الروسية لوجدنا حالة من الهيجان والموقف السلبي المتزايد في مؤسسات مثل البنتاغون والكونغرس ضد تركيا، بل حدا ذلك ببعض المحللين إلى أن يعتقد أن الموقف العدائي ضد تركيا هو من أبرز القضايا التي يتوحّد عليها الكونغرس.
وعلى كل حال أعلنت وزارة الدفاع التركية تعليق مشاركة تركيا في برنامج تصنيع طائرات إف 35 مع توقعات بتطبيق عقوبات على تركيا في إطار قانون جاستا.
وكانت تركيا تتوقع أن يتم إعفاؤها من عقوبات جاستا لأن القانون صدر سنة 2017، فيما تم توقيع صفقة "إس 400" مع روسيا سنة 2016، وحاول المسؤولون الأتراك أن يخبروا نظراءهم الأمريكيين بأنهم أقدموا على الخطوة قبل صدور التشريع الذي يردع كل من يتعامل مع خصوم واشنطن وبموجب هذا القانون، يحق لرئيس الولايات المتحدة أن يختار 5 عقوبات من بين 12 عقوبة، حتى يفرضها على تركيا التي قررت إبرام صفقة عسكرية ضخمة مع روسيا. ولكن مع ذلك فإن المشهد الحالي يشير إلى أن العقوبات قد تتأجل فحسب حتى بدء تفعيل منظومة إس 400، حيث يمكن للرئيس ترامب أن يقوم بتأجيل العقوبات 6 أشهر، وهي صلاحية يعطيها له القانون إذا أراد ذلك.
تناولت الكثير من التحليلات العلاقات التركية – الأمريكية، وقد رأى مسؤولون أمريكيون سابقون أن العلاقات بدأت في التدهور تدريجياً منذ انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان يشكل تهديداً مشتركاً للبلدين، ومنذ صعود قيادة تركية ترغب في ممارسة سياسة خارجية مستقلة، وقد تزايد الأمر بشكل أكبر مع تناقض المصالح في سوريا وفي ترتيبات المنطقة بشكل عام وكانت صفقة إس 400 بمثابة نقطة تحول كبيرة في تاريخ العلاقات.
ولعل الجديد هو أن صفقة إس 400 لم تكن تحركاً سياسياً فحسب بل كانت خطوة عسكرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهي خطوة سيادية لها دلالاتها ولكن المسؤولية عن وصول العلاقة إلى هذا الأمر تقع وفق بعض المحللين على الطرفين لكن في حديثه في قمة العشرين خلال لقائه مع أردوغان بدا الرئيس الأمريكي مقتنعا بموقف تركيا، وكأنه يحمّل المسؤولية لإدارة أوباما عن هذا السلوك التركي لكنه مع ذلك لم يتعهد بمنع العقوبات عن تركيا.
وكما يرى البرفيسور التركي في جامعة ابن خلدون برهان الدين ضوران فإن الأمريكان لا يريدون تدهور العلاقة ولكن في نفس الوقت لم يعد هناك حديث عن علاقات تحالفات استراتيجية مع تركيا، حيث إن قرار إبعاد تركيا عن برنامج تصنيع طائرات إف 35 هو قرار سياسي عقابي تجاهل دعوات تركيا لإنشاء لجان تقنية لتجاوز أي احتمال لتسرب المعلومات عبر منظومة إس 400.
لعل الأمر الأهم أن عقوبات الولايات المتحدة على تركيا بإخراجها من برنامج إف 35 رداً على حصولها على إس 400 ربما سيكون عقاباً على واشنطن أيضاً لأن تركيا قد تحصل على طائرات سوخوي 35 الروسية والتي بالفعل تسلّمت عرضاً من روسيا للحصول عليها، ولكن هل تريد تركيا الجمع بين نظاميْ دفاع وطائرات من نفس المصدر، برأيي أن تركيا لا تفضل ذلك ولكن قد تضطر له في حال تدهورت العلاقات مع واشنطن من روسيا أو غيرها، حيث إن الهدف كان التنويع، فهي لا تريد أن تخرج من الاعتماد على واشنطن إلى الاعتماد على موسكو. ولذلك ستعمل حالياً على إدارة الأزمة الحالية مع واشنطن ومنع تدهورها وتقليل الأضرار عبر التنسيق مع ترامب حتى لا يكون هناك انعكاسات كبيرة على الاقتصاد التركي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.