إرسال روسيا قوات خاصة لمساعدة هجوم النظام السوري على آخر معاقل المعارضة في إدلب هو تطور نوعي، يطرح عدداً من التساؤلات حول دوافع خطوة كهذه وانعكاساتها على مسار المعركة الدامية، المستمرة منذ أكثر من شهرين، فما هي خيوط القصة المتشابكة، وأين الدور الإيراني في معركة الحسم؟
الخبر: قال قادةٌ كبار في المعارضة السورية، إنَّ روسيا أرسلت قوات خاصة خلال الأيام الماضية للقتال إلى جانب جيش نظام بشار الأسد، الذي يسعى جاهداً لتحقيق مكاسب في هجوم متواصل منذ أكثر من شهرين، على محافظة إدلب، بحسب تقرير لرويترز.
ماذا يعني ذلك؟ منذ تدخل روسيا عسكرياً في سوريا قبل نحو أربع سنوات، اعتمدت على توجيه ضربات للمعارضين للأسد من خلال الطائرات، وكانت ترفض دائماً ما يُقال عن زجِّها لقوات عسكرية برية على الأرض.
بحسب تقرير رويترز، قال النقيب ناجي مصطفى، المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي تضم عدداً من فصائل المعارضة: "هذه القوات الخاصة الروسية الآن موجودة في الميدان" .
وكانت القوات البرية الروسية شاركت في المعارك مع قوات النظام، للسيطرة على منطقة الحميمات الاستراتيجية بشمالي حماة، التي سيطرت عليها المعارضة الأسبوع الماضي.
وأوضح القيادي مصطفى أنه "عندما تفشل قوات الأسد تقوم روسيا بالتدخل بشكل مباشر. الآن تدخلوا بشكل مباشر بعد فشل قوات النظام، فقامت روسيا بقصف المنطقة بأكثر من 200 طلعة" .
الصورة الأكبر: بعد نحو ثماني سنوات من الحرب الأهلية في سوريا، نجحت قوات نظام بشار الأسد المدعومة من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني في تحقيق انتصارات ميدانية، مكَّنتها من فرض سيطرتها على جميع المحافظات، باستثناء إدلب، التي تجمَّعت فيها فصائل المعارضة المختلفة ما بين جماعات إسلامية وقوات معارضة.
واستفادت قوات النظام من التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، وتمكنت من محاصرة فصائل المعارضة في إدلب، التي يقطنها نحو أربعة ملايين نسمة، وأدت المفاوضات بين روسيا وتركيا إلى توقيع اتفاقية سوتشي، في سبتمبر/أيلول 2018، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار في المنطقة وتشكيل منطقة عازلة.
انهارت الاتفاقية مع قيام قوات الأسد بشنِّ هجوم شامل على إدلب، منذ مطلع مايو/أيار الماضي، تقدمته قوات "النمر" الخاصة، بقيادة الفريق سهيل الحسن، ودعمته الطائرات الروسية، وكان الهدف هو حسم المعركة سريعاً، لكن بعد مرور أكثر من شهرين ونصف الشهر، فشل الهجوم حتى الآن في تحقيق أهدافه.
غياب الدور الإيراني
لعبت إيران دوراً حاسماً في مساعدة قوات الأسد طوال السنوات الماضية، لكن غياب مقاتليها سواء من الحرس الثوري أو ميليشيات حزب الله عن معركة إدلب يمثل علامة استفهام كبيرة، وسط تقارير متزايدة عن صراع نفوذ روسي إيراني في سوريا، مع اقتراب الحرب من نهايتها.
فعلى عكس كلِّ المعارك السابقة، لم تشارك ميليشيات حزب الله ولا الحرس الثوري في معركة إدلب، معتبرين المنطقة ذات "أهمية منخفضة" على عكس المناطق الاستراتيجية المتاخمة للحدود السورية مع العراق ولبنان.
وقال حسن نصرالله، زعيم حزب الله، الجمعة الماضية، إن "معركة إدلب ليست معركة تحرير بقدر ما هي معركة لتغيير خطوط القتال، والسوريون لم يطلبوا منا المشاركة فيها".
كارثة إنسانية: بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، قتل 2443 شخصاً منذ بداية الهجوم على إدلب، بينهم 629 مدنياً منهم 159 طفلاً، و869 مقاتلاً من قوات النظام و945 من المعارضة، إضافة لآلاف الجرحى، وقالت الأمم المتحدة إنه تم تهجير أكثر من 330 ألف مواطن من منازلهم، يعيشون الآن في مخيمات للاجئين قرب الحدود مع تركيا.
أسباب فشل الهجوم
أثناء المعارك طوال السنوات الأخيرة بين قوات النظام وداعميها وقوات المعارضة، كانت قوات المعارضة إما تضطر للاستسلام، أو يتم إجبارها على الهروب نحو إدلب، حيث أصبحت الآن محاصرةً بلا مهرب، وبالتالي فهم يقاتلون بشراسة، وليس أمامهم سوى القتال حتى النهاية.
"ربما لا تكون قوات المعارضة المسلحة في إدلب قادرةً على الانتصار في معركة مفتوحة للهرب نحو الشمال الغربي، لكنهم يستطيعون جعل أي انتصار لقوات النظام مكلفاً بصورة لا تحتمل"، بحسب سام هيلر، خبير الشأن السوري في مجموعة الأزمات الدولية.
ما هو الموقف التركي؟
تركيا التي يوجد على أراضيها أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري تخشى من تدفق مئات الآلاف، وربما ملايين أخرى من اللاجئين، حال سقوط إدلب بأيدي قوات النظام، لذلك سارعت لتقديم الدعم لبعض فصائل المعارضة في إدلب، مما جعل مهمة قوات النظام المدعومة روسيّاً في تحقيق انتصار في إدلب شبه مستحيلة.
ومن الناحية السياسية، تُواصل تركيا مساعيها لإعادة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب، وفي هذا السياق أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن عقد قمة تركية روسية إيرانية، لمناقشة الوضع في محافظة إدلب السورية بشكل خاص، والقمة ربما تنعقد أواخر أغسطس/آب المقبل، أو بداية سبتمبر/أيلول، بحسب وكالة الأناضول.
روسيا تهاجم الولايات المتحدة وحلفاءها
روسيا، وعلى لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف، اتَّهمت واشنطن وحلفاءها أمس الأربعاء 17 يوليو/تموز، بمحاولات إفشال اتفاق بلاده مع تركيا، بشأن إدلب، مضيفاً أنهم "يرغبون في الحفاظ على جبهة النصرة وجعلها طرفاً في التسوية".
هذه الخيوط المتشابكة ربما تُفسِّر إقدام روسيا على الدفع بقوات برية وقناصة، كي تحاول مساعدة قوات النظام على تحقيق تقدم ملموس على الأرض، كي تقطع الطريق على من تدعهم واشنطن وحلفاؤها، الذين لم يسمهم لافروف، عندما تحين لحظة الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
إدلب إذن ليست شأناً سورياً داخلياً بقدر ما أصبحت تمثل عنق الزجاجة في الصراع بين الأطراف الدولية، التي يوجد لدى كل منها حساباته الخاصة وأهدافه، وهو ما يفسر عدم قدرة الأطراف المتقاتلة على الأرض على تحقيق انتصار عسكري يحسم الأمور.