يختبر المبعوثون الصينيون نوعاً جديداً من الدبلوماسية العامة مماثلة لتلك التي يستخدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهي جدالات تويتر.
ويقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، إنه رغم حظر تويتر في الصين، فإن الدبلوماسيين الصينيين في الخارج، الذين لا يُعرفون عادة بإصدار تصريحات جريئة، بدأوا استخدام الموقع لمواجهة منتقدي بكين بصورة مباشرة وعدوانية.
ففي أوائل هذا الأسبوع، انضم تشاو ليجيان، وهو نائب رئيس البعثة الدبلوماسية إلى باكستان، إلى المعركة، للدفاع عن تعامل بكين مع أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ بأقصى غربي الصين.
حرب على تويتر بين المسؤولين الصينيين ونظرائهم في واشنطن
واستهدف تشاو الولايات المتحدة، وهي منتقِدة قوية للاعتقالات الجماعية للإيغور في شينجيانغ، من خلال تناول مجموعة من القضايا الاجتماعية بالولايات المتحدة، من ضمنها التمييز العنصري.
إذ كتب قائلاً: "إذا ذهبتَ إلى واشنطن العاصمة، فستعلم أن البيض لا يذهبون أبداً إلى منطقة جنوب غربي واشنطن، لأنها منطقة مخصصة للسود والأمريكيين اللاتينيين. وهناك مقولة معروفة: (حيث يوجد السود، لا تجد البيض)".
وتابع قائلاً: "العنصرية فيبالولايات المتحدة حاضرة منذ الحقبة الاستعمارية. التقسيم الطبقي لا يزال حاضراً في العمل، والإسكان، والتعليم، والإقراض، والحكومة".
ودفعت تغريدته مستشارة الأمن القومي السابقة، سوزان رايس، إلى وصف تشاو بأنه "وصمة عار عنصرية"، وقالت إنه تجب إعادته إلى الصين.
وقد حذف تشاو تغريدته الأصلية، لكنه زاد من حدَّة كلامه حول فكرته السابقة، ومضى ليصف "الظروف المعيشية للأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية" بأنها "تبعث على القلق"، وتطرق إلى حوادث إطلاق النار "اللانهائية" التي تقع في مدارس البلاد، والنساء اللائي "يعشن في خوف" من الاعتداء الجنسي. وكتب قائلاً: "الحقيقة مؤلمة. وأنا ببساطة لا أقول سوى الحقيقة".
استراتيجية جديدة تعتمدها بكين للهجوم المضاد
ويُعتبر تشاو عضواً في مجموعة متحدثة صغيرة ولكنها متنامية من الدبلوماسيين الصينيين الذين ينقلون رسالتهم مباشرة إلى الجماهير الدولية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت أليساندرا كابيليتي، وهي خبيرة في الدبلوماسية الثقافية بجامعة شيان جياوتونغ-ليفربول: "إنها استراتيجية تواصُل جديدة تبنَّتها الجهات الدبلوماسية الصينية. وهم يزيدون من استخدامهم لهذه الأداة بطريقة فعالة ومتطورة، للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور على مستوى العالم".
ومنذ عام 2014، أنشأت جميع السفارات الصينية في الخارج صفحات فيسبوك رسمية، وفقاً لأليساندرا، التي نشرت مؤخراً ورقة بحثية لتحليل الدبلوماسية الرقمية وحساب تشاو على تويتر. وقد حُظر فيسبوك في الصين منذ عام 2009.
لكن عكس حسابات فيسبوك -التي تُستخدم في الغالب للترويج للثقافة الصينية وإعادة نشر أخبار وسائل الإعلام الرسمية التي تشيد بالتعاون الدبلوماسي- تتسم حسابات تويتر الفردية بطابع أكثر شخصيةً، وتُستخدم للتصدي للانطباعات المأخوذة عن الصين بأنها تفرض قيوداً مشددة.
وقالت أليساندرا: "الهدف من ذلك هو إظهار الصين على أنها أكثر أُلفة مع الجمهور الأجنبي، وأكثر وُداً، وقرباً، وأكثر انفتاحاً عليه مباشرة. عندما يتحدث فرد واحد، فمن الأسهل أن تظن أن كلامه يتسم بالمصداقية من منظور عدم خضوعه للرقابة لأنه فرد".
وموجَّهة بالأساس لانتقاد الولايات المتحدة
لكن الحسابات الشخصية للدبلوماسيين تبدو أكثر عدوانية، وتتناول موضوعات أكثر إثارة للجدل، إذ استهدف دبلوماسي آخر، وهو تشانغ لي تشونغ، سفير الصين لدى جزر المالديف، مؤخراً، رئيس جزر المالديف السابق محمد نشيد، الذي يترأس البرلمان الآن.
في وقت سابق من هذا الشهر، قال نشيد إن ديون بلاده للصين وصلت إلى "مستويات مخيفة"، وانتقد تكلفة المشروعات الصينية، مردداً الاتهامات السابقة بانخراط بكين في "دبلوماسية فخ الديون".
وكتب تشانغ، موجهاً تغريدته إلى نشيد: "ما لا يمكنني قبوله هو منح الجمهور معلومات مضللة وغير موثقة، وهو ما يضر بعلاقاتنا الودية"، مضيفاً أن إجراء "حوار عقلاني يستند إلى بيانات صحيحة " لا يستدعي سوى "مكالمة هاتفية لمعالجة الأمر".
واستخدم السفير الصيني لدى الولايات المتحدة، تسوي تيانكاي، الذي انضم إلى تويتر الأسبوع الماضي، الموقع أيضاً لانتقاد زيارة رئيسة تايوان، تساي إنغ ون، للولايات المتحدة. وتزعم بكين أن تايوان، التي تشكلت فيها حكومة صينية منافسة بعد نهاية الحرب الأهلية الصينية عام 1949، لا تزال جزءاً من أراضيها.
وكتب تسوي: "تايوان جزء من الصين. ولن تنجح أي محاولات لتقسيم الصين… أولئك الذين يلعبون بالنار لن يحرقوا إلا أنفسهم. انتهى".
مستخدمين لغات مختلفة للتغريد
وأنشأ قليل من الدبلوماسيين الصينيين الآخرين حسابات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن المراقبين يتوقعون زيادة أعدادهم في المستقبل، إذ يستجيب المسؤولون لدعوة الزعيم الصيني، شي جين بينغ، إلى "رواية أخبار الصين كما ينبغي".
وانضم وي تشيان، سفير الصين لدى بنما، الذي ينشر تغريداته باللغة الإسبانية، إلى تويتر في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، في حين انضم السفير الصيني لدى الهند في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.
يعتبر تشاو أحد رواد هذه المجموعة، إذ إنه يستخدم تويتر منذ عام 2010، وأحد أكثر الدبلوماسيين الصينيين انتقاداً على الموقع. ووصفت ورقة بحثية حديثة عن الدبلوماسية العامة للصين من خال توتير، نُشرت في دورية International Journal of Communication، تشاو بأنه "مارس قدراً من ضبط النفس والعقلانية والحذر أقل مما قد يُتوقع عادة من المسؤولين الصينيين الذين يتحدثون في المناسبات العامة أو ينشرون على مواقع التواصل الاجتماعي".
ويعدّ هُوُ زاجين، محرر صحيفة Global Times التي تديرها الدولة، أحد الرواد الآخرين. إذ إنه أنشأ حساباً على تويتر منذ عام 2014. وغالباً ما يواجه في تغريداته المنشورة بالإنجليزية التقارير الإعلامية التي تنتقد الصين.
لكن رغم ذلك فإنها تبقى "غير مؤثرة"
وبحسب أليساندرا، فعلى الرغم من أن استخدام تويتر يفتح إمكانية إجراء حوار مفتوح، لا يجري سوى القليل النقاش فعلياً.
وقالت: "الانطباع الذي يتشكل لديك هو أنه يمكنك الدخول في حوار، ولكن الحقيقة هي أنه لا يوجد حوار. إن الدبلوماسي هو من يطرح وجهة نظر ويدعمها بطريقة شديدة القوة والحزم".
وفي حين يرى بعض المراقبين أن منشورات تشاو التي انتُقدت مؤخراً فاشلة، ترى أليساندرا أنها استراتيجية، وأنها وسيلة لتسليط الضوء على مواقف بكين بشأن قضايا مثل تايوان أو شينجيانغ التي تخضع غالباً للرقابة الدولية. وازداد عدد متابعي تشاو بنحو ألف متابع آخرين بعد جداله مع سوزان رايس.
وقالت أليساندرا: "إنه انتصار لهم. هذه هي اللعبة التي يبدأون في ممارستها… ولذا فهي شيء قدروه وأعدوا العدة لمواجهته".