الآن وقد أصبحت صفقة منظومة الدفاع الروسي الصاروخية لتركيا واقعاً بعد وصول الشحنة الأولى، واشنطن تدرس توقيع عقوبات وأنقرة تسعى للوصول إلى تفاهمات، فما هي المزايا الاقتصادية التي بنت عليها تركيا حساباتها في الإقدام على هكذا خطوة؟
بداية تركيا كعضو في حلف الناتو سعت لسنوات كي تحصل على منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكي باتريوت لكن تعنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أدى لفشل الصفقة، وهذا ما أقر به الرئيس الحالي دونالد ترامب.
"لدينا موقف معقد لأن الرئيس (رجب طيب أردوغان) لم يسمح له بشراء صواريخ باتريوت لذلك اشترى الصاروخ الآخر (S-400 الروسي) وفجأة قيل لهم يمكنكم الآن شراء صاروخنا وليس هكذا تدار الأمور،" ترامب قال معلقاً على الموقف، ملقياً باللوم على إدارة سلفه أوباما.
ضرورة عسكرية
إقدام تركيا على إتمام الصفقة الروسية كان حتمياً من الناحية العسكرية، بحسب ما أكده وزير الدفاع التركي حيث أن القرار تم اتخاذه عام 2017 بعد فشل المفاوضات لشراء منظومة باتريوت حيث وصف القرار بأنه "لم يكن اختياراً بقدر ما كان ضرورة حتمية"، في ضوء تهديد الصواريخ الباليستية في المنطقة.
كانت الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا قد قامت عام 2015 بسحب أنظمة باتريوت من شرق تركيا، والتي كانت موجودة كجزء من منظومة الدفاع الخاصة بحلف الناتو، وذلك رغم وجود الحرب الأهلية السورية والتي تمثل تهديداً لتركيا، وجاءت تلك الخطوة بعد أن قامت روسيا بتوفير دعم عسكري ضخم لقوات النظام السوري مما أدى لمخاوف من اندلاع مواجهات بين الناتو وروسيا.
المكاسب العسكرية والسياسية من وراء الصفقة ليست هي الجانب الأبرز، بل الشق الاقتصادي المتمثل في مشاركة تركيا في تصنيع أجزاء من منظومة S-400 على أراضيها، والأهم هو المشاركة في تصنيع أجزاء أهم في الجيل الأحدث من تلك المنظومة الصاروخية وهو S-500، بحسب التقارير الصادرة من أنقرة وموسكو.
من الناحية العسكرية، هناك إجماع بين خبراء التسليح على أن روسيا ومن قبلها الاتحاد السوفييتي تتفوق في مجال أنظمة الدفاع الصاروخية على الغرب، بينما يتفوق الغرب في مجال الطائرات الهجومية.
"الروس ومن قبلهم الاتحاد السوفييتي كانوا وما زالوا يتمتعون بالتفوق في مجال تكنولوجيا الصواريخ، والسبب هو أن الأمريكان والغرب ينتجون طائرات حربية أفضل،" بحسب ريتشارد كونولي الخبير العسكري البريطاني لدويتش فيله.
ويوضح هذه الحقيقة المقارنة بين نظامي S-400 الروسي ونظيره الغربي باتريوت، حيث يتفوق النظام الروسي في كل الجوانب التشغيلية والعملية وأيضاً الاقتصادية.
نقل التكنولوجيا
بنود الاتفاق بين روسيا وتركيا تسمح لأنقرة بالحصول على بعض أجزاء التكنولوجيا ومن المفترض أن يتم تصنيع عدة مكونات من منظومة S-400 على الأراضي التركية، وهذه النقطة تحديداً ربما مثلت عنصراً حاسماً في سرعة التوصل لاتفاق.
"ربما تكون تلك النقطة رمزية من الجانب الروسي، حيث سيتم تصنيع ثلاثة مسامير وعامودين مثلاً على الأراضي التركية،" بحسب الخبير العسكري الروسي أليكساندر جولز، لكن المشاركة التركية في تصنيع S-500 ستكون أكبر بكثير مما يعني مكاسب اقتصادية كبيرة.
هذه النقطة تحديداً هي ما أعلنها أردوغان، حين قال إن تركيا ستشارك روسيا في إنتاج S-500 وهو ما لم تنفه موسكو بل إن التقارير الصادرة من هناك تصب في نفس المعنى لكن دون الدخول في تفاصيل بنود الاتفاق.
طائرات الإف-35؟
الموضوع الآخر المرتبط بنفس القصة المعقدة هو طائرات الإف-35 التي تشارك تركيا في إنتاجها مع الولايات المتحدة و5 دول أخرى، والتي تهدد واشنطن بإبعاد أنقرة عنها وحرمانها من الطائرات القتالية الأحدث عالمياً، حيث بدا أردوغان واثقاً من استمرار مشاركة بلاده في المشروع وتسلم الطائرات.
أردوغان قال إن الولايات المتحدة الآن تظهر بعض التردد في موضوع الإف-35، لكن "عاجلاً أو آجلاً سنتسلم الطائرات، فعدم تسليمها ليس خياراً من الأساس".
تركيا قد تخسر 12 مليار دولار في صورة عقود لتصنيع أجزاء من طائرة الإف-35، لكن ماذا ستخسر الشركة الأمريكية لوكهيد مارتن التي تصنع الطائرة هو السؤال الذي لم يتوقف عنده أحد كثيراً وهذا ما قد يكون التفسير وراء ما قاله أردوغان الأسبوع الماضي من أن عدم تنفيذ اتفاق الإف-35 يعتبر "سرقة" من الجانب الأمريكي.
تقوم 8 شركات تركية حالياً بتصنيع أجزاء من الطائرة بموجب عقود مع لوكهيد مارتن، ومنها على سبيل المثال شركة فوكر إلمو ومقرها إزمير وتصنع 40% من نظام التوصيلات الداخلية للطائرة، وبالتالي إلغاء تلك العقود، هو أمر غير قانوني وله شروط جزائية وسيكون هناك لجوء للتحكيم الدولي من الجانب التركي، لكن أيضاً سيعرض خطط إنتاج الإف-35 كلها لإعادة النظر وسينتج عنه تأخير قد يصل لسنوات ما يعني خسائر بالمليارات للشركة الأمريكية، بحسب خبراء عسكريين.