الغناء يصل ما بين البشر وكلما زاد العدد اشتدَّ الترابط، لماذا؟

الغناء يصل ما بين البشر، ويخدم حاجة إنسانية لأن يكون جزءاً من مجموعة، وهو أمر أساسي لبقاء الإنسان. لماذا؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/07/12 الساعة 06:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/09 الساعة 19:11 بتوقيت غرينتش
الغناء عالمي. فهو موجود في جميع الثقافات، والأغلبية العظمى من الناس تستطيع الغناء/ istock

الغناء يصل ما بين البشر، وهذا ما تجلى في فيلم Bohemian Rhapsody عام 2018.

الفيلم عن فرقة Queen الموسيقية البريطانية، والمشهد الذي يلتصق بالذهن هو ذاك الذي يصور حفلة the Live Aid الموسيقية في لندن عام 1985.

غنت الفرقة أحب أغنياتها إلى الجماهير بصوت عال، وكان الجمهور يغني معها متمايلاً ومصفقاً وضارباً الأرض بأقدامه. 

يعكس هذا الموقف شعوراً بالتماسك بين آلاف من المعجبين، ليس مصدره استمتاعاً مشتركاً ناتجاً من مشاهدة الفرقة فحسب، وإنما الأمر الأهم من ذلك لكونهم جزءاً من عملية صنع الموسيقى. 

وليس من المستغرب أنَّ الفيلم يظهر تبرعات the Live Aid وهي تبدأ في الصعود أثناء هذا العزف: فنحن نعرف أنَّ الترابط الاجتماعي ذو صلة بزيادة السلوك المؤيد للمجتمع. 

الباحث يولاند بيرس أعد بحثاً عن تأثير الغناء على الترابط الاجتماعي وسبب ظهور هذا الشعور بالصلابة من الغناء.

وجاء في بحثه المنشور على موقع BigThink:

الإنسان كائن يبحث عن التواصل مع الآخرين

الغناء عالمي. فهو موجود في جميع الثقافات، وعلى الرغم من الاحتجاج بمرض صمم النغم، فإنَّ الأغلبية العظمى من الناس تستطيع الغناء. 

وعادة ما يحدث الغناء أيضاً في سياقات جمعية: خذ مثلاً الملاعب الرياضية، والشعائر الدينية، واحتفالات الأعياد. 

وبالنظر إلى هاتين السمتين، هل يمكن اعتبار الغناء سلوكاً تطور لربط المجموعات معاً؟ 

أن تكون جزءاً من مجموعة، هذا أمر أساسي لبقاء الإنسان.

في ماضينا الذي كنا فيه صيادين وجامعي ثمار، كانت العلاقات الاجتماعية الداعمة تُمكّن الناس من الحصول على الموارد التي يحتاجونها للدفاع عن أنفسهم من الغرباء، والاستفادة من الرعاية الجماعية للأطفال، ومشاركة المعرفة الثقافية حول بيئتهم وحول الاختراعات التكنولوجية المفيدة وتطوير هذه المعرفة. 

ونحن نعرف الآن أيضاً أنَّ الشعور بالاتصال الاجتماعي الكافي يحمي من المرض النفسي والعقلي، ويزيد من طول العمر.

المشكلة أنَّ الجماعات الاجتماعية البشرية أكبر بكثير من جماعات أقاربنا من الرئيسيات. 

ففي حين أنَّ القرود والقردة العليا تنشئ روابط اجتماعية من خلال جلسات التهيئة الفردية (حيث تنظف القرود بعضها بعضاً)، فإنَّ المجموعات البشرية أكبر من أن تكون قادرة على أن تفعل ذلك ويكون لديها بعد ذلك ما يكفي من الوقت للأكل والنوم.

وكذا، فنحن بحاجة إلى آلية أكثر فعالية لخلق تماسك اجتماعي، أي طريقة لربط أعداد أكبر من الأفراد معاً في الوقت ذاته.

ولمعرفة ما إذا كان يمكن للغناء أن يضطلع بهذا الدور، كان فريق البحث بحاجة إلى معرفة ما إذا كان هذا النشاط قادراً على جعل مجموعات كبيرة من الأفراد تشعر بأنها أقرب من بعضها بعضاً. 

الغناء يصل ما بين البشر

وللمساعدة على الإجابة عن هذا السؤال، تعاون الفريق مع منظمة Popchoir، وهي منظمة بريطانية تدير جوقات محلية في لندن وخارجها. 

الأمر الرائع في هذه المنظمة أنَّ هذه الجوقات المحلية المختلفة المكونة من عشرات الأعضاء تجتمع على نحو دوري لإنشاء "جوقة كبيرة" تتكون من بضع مئات من الأعضاء. 

ومن هنا، فقد ذهب الفريق البحثي إلى بعض البروفات لجمع البيانات قبل أن يغني الناس معاً وبعد غنائهم معاً، إما في جوقاتهم المحلية أو في الجوقة الكبيرة المدمجة. 

ضم الفريق دانيل واينستين ولورين ستيوارت من كلية غولدسميث بجامعة لندن، وروبين دونبار بجامعة أوكسفورد وجاك لوناي من جامعة برونيل في لندن، وتبين أنَّ الناس في المتوسط أظهروا زيادة أكبر بكثير في مدى شعورهم بالقرب من الجوقة الكبيرة أثناء الغناء معهم، مقارنة بحالهم عندما كانوا يغنون مع جوقاتهم المحلية.

وسبب هذا أنَّ الناس كانوا يشعرون بأنهم أقرب إلى جوقاتهم المعتادة من الجوقة الكبيرة، وذلك قبل أن يغنوا معاً. 

وهذا أمر منطقي: فهذه الجوقة الكبيرة كانت مكونة بالأساس من أشخاص لم يلتقوا بهم من قبل. 

ومع ذلك، فبعد أن غنى الناس معاً شعروا بتساوٍ قرّبهم من جوقتهم المحلية المعتادة، والجوقة الأكبر الذين هم أقل اعتياداً عليها. 

وكذا، فمن شأن الغناء أن ينشئ تماسكاً في المجموعات الكبيرة التي تتكون من عدة مئات من الأفراد، ما يدعم الفكرة القائلة بأنَّ هذا السلوك ربما يكون قد تطور لإنشاء التماسك المجتمعي بين البشر.

ليس الغناء وحده ما يربط البشر

ومع ذلك، فقد كان ما لم يمكن تحديده حينها هو ما إذا كان الغناء بحد ذاته أمراً مميزاً، أو إذا ما كان أي نشاط يوفر فرصاً للمشاركة الاجتماعية من شأنه أن تكون له الآثار الترابطية المماثلة. 

ومن أجل معالجة هذه المشكلة، فقد تعاون الفريق مع الرابطة التعليمية للعمال، وهي جمعية خيرية وطنية لتعليم البالغين في المملكة المتحدة. 

توقع أنَّ فصول الغناء سوف تكون أكثر ترابطاً من الأنواع الأخرى من الفصول (إما فصول الكتابة الإبداعية أو فصول الحرف)، لكنه كان مخطئاً: فبنهاية الدورات التي استمرت 7 شهور، كانت جميع الفصول مترابطة بالقدر ذاته. 

تأثير الغناء سريع في إذابة الجليد بين الغرباء

لكن عند دارسة البيانات، تبين أنَّ الغناء قد ربط المجموعات المكونة حديثاً على نحو أسرع بالمقارنة بالأنشطة الأخرى. 

كان الغناء هو النشاط الأكثر فاعلية. ولهذا فإنَّ الغناء خصوصية: إذ يشتمل على خاصية إذابة الجليد (إذابة الغرابة بين من يلتقون للمرة الأولى).

وعلى الرغم من أنَّ الغناء عادة ما يحدث في سياق تعاوني مثل الشعائر الدينية، فمن الممكن له أيضاً أن يحدث في جو أكثر تنافسية، على سبيل المثال عندما يحاول مشجعو الفرق الرياضية المختلفة التفوق على بعضهم بعضاً بأناشيدهم المخصصة لنواديهم المفضلة.

كل ما يطلق الإندورفين يقرّب الناس من بعضهم

ما الذي يخلق هذا التأثير؟ في الوقت الحالي لا يُعرف السبب الدقيق، لكن يمكن التخمين. 

في الرئيسيات غير البشرية، يسهل الترابط الاجتماعي من خلال إطلاق الإندورفين، الذي يقاوم الألم ويمنح نشاطاً. 

ويعرف العلماء أيضاً من خلال أعمال مختصر التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET-scanning) أنَّ اللمسة الرومانسية من الشريك مرتبطة بإطلاق الإندورفين في البشر. 

لكن ماذا عن السلوكيات التي من شأنها السماح بالترابط الفوري للمجموعات؟

حسناً، يبدو أنَّ أنشطة مثل الضحك الاجتماعي والرقص المتزامن مرتبطة بإطلاق الإندورفين، والأمر ذاته ينطبق على الغناء. 

ومن المحتمل أن يكون تنسيق التنفس المطلوب في الغناء، والجهد العضلي الذي ينطوي عليه هذا النشاط المتزامن، له دور أساسي في ذلك. 

ومن ثم، فربما تكون هذه السلوكيات مضمنة في أنظمة الترابط بالإندورفين المرتبطة بالتهيئة، لكنها تسمح بربط عدد أكبر من الأشخاص في وقت واحد.

قد يكون الاختلاف المحتمل الآخر بين هذه السلوكيات المطلقة للإندورفين في حجم المجموعة التي تستطيع الترابط في الوقت ذاته. 

إذ يبدو أن حجم مجموعات المحادثة له حد يبلغ حوالي 4 متحدثين قبل أن تنقسم إلى مجموعات فرعية. 

وبالنظر إلى أنَّ الضحك عادة ما يحدث في مجموعات محادثة فرعية طبيعية (بعيداً عن الظاهرة الحديثة إلى حد ما من حفلات العروض الكوميدية الفردية "ستاند آب كوميدي" التي يملأ مشاهدوها مساحاتٍ شاسعة مثل الملاعب) فإنَّ هذا ربما يعني أنَّ الضحك أكثر مناسبة للربط بين المجموعات الصغيرة. 

ويبقى الغناء حالة جماعية خاصة

وفي المقابل، يمكن للغناء أن يربط مئات الأفراد في الوقت ذاته، ويمكن لهذا أن يمتد إلى الآلاف عندما تكون هناك نقطة مركزية تبقي الجميع معاً، مثل فرقة Queen مثلاً. 

ما زال العلم لا يعرف إن كان فعل الغناء في حد ذاته هو الذي له هذا التأثير، على سبيل المثال من خلال تحفيز إطلاق الإندورفين عبر الجهد العضلي المنسق، أو إذا ما كان الهدف المشترك الخاص بإنتاج موسيقى هو الذي يخلق هذا التماسك. 

وأم الإيقاع المنسق هو الذي يحفز تأثير الترابط، أو إذا ما كان التنسيق المتزايد اللازم لإنتاج التناغم هو ما يزيده؟. 

لكن مهما يكن من أمر، فإنَّ جزءاً من نجاح فرقة موسيقية مثل Queen هو أنه من خلال تشجيع الجمهور على المشاركة في موسيقاها، فإنها تنجح في الاستفادة من آلية تطورية للارتباط الاجتماعي القوي تخلق ارتباطات قوية بسرعة مع أعداد كبيرة من الناس في جميع أنحاء العالم. 

تحميل المزيد