انتهت اليوم الثلاثاء المرحلة المؤقتة التي حددها الدستور الجزائري لولاية الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، ما يعني أن البلاد ستدخل فراغاً دستورياً من الغد، فما سيناريوهات ما هو قادم في البلاد التي يريد شعبها خلاصاً كاملاً من النظام الحالي الذي يقوده الجيش ومؤسساته الأمنية والاقتصادية؟
كيف وصلت الأمور لهذه النقطة؟
انطلقت الاحتجاجات الجماهيرية في الجزائر، التي باتت تعرف إعلامياً بالحراك الشعبي، في 22 شباط/فبراير 2019 في جميع المدن الجزائرية بعد إعلان حزب جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم في البلاد منذ الاستقلال عن فرنسا) عن ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة.
بوتفليقة غائب تقريباً عن المشهد في البلاد منذ نحو 6 سنوات بعد تعرّضه لسكتة دماغية عام 2013، والأمور تدار بواسطة رجاله في الجيش والحكومة والحزب، والمظاهرات محظورة منذ عام 2001، لكن شهد يوم 22 فبراير/شباط أول تظاهرات ضخمة خرجت في كامل التجمعات السكانية الكبيرة بالجزائر وحتى في بعض المدن الأوروبية.
ومنذ ذلك التاريخ والأسبوع يبدأ باحتجاجات يوم الأحد حيث تتخلله كل مظاهرات لشرائح اجتماعية أو لقطاعات مهنية كل مرة، وكل يوم ثلاثاء تقريباً تقوم الحكومة أو شخصيات سياسية مؤيدة للنظام القائم بتصريح على شكل اقتراح حل للأزمة الحالية، تليها ردود فعل عبر الكواليس ومنابر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ويختتم الأسبوع كل يوم جمعة بخروج مسيرات شعبية كبرى في مسيرات في المدن الرئيسية الجزائرية وبعض المدن في العالم حيث توجد جاليات جزائرية.
مع تواصل الاحتجاجات، اضطر الجيش للتخلي عن بوتفليقة، وخرج قائده أحمد قايد صالح ليعلن تفعيل البنود 7 و8 من المادة 102 من الدستور الجزائري التي تقضي بتنحية رئيس الجمهورية عن منصبه إذا أصيب بمرض يجعله غير قادر على تأدية مهامه، وفي الثاني من أبريل/نيسان أعلن بوتفليقة استقالته رسمياً وطلب العفو من الشعب في رسالة خاصة في اليوم التالي.
في التاسع من أبريل/نيسان أعلن البرلمان الجزائري بغرفتيه تعيين عبدالقادر بن صالح رئيساً مؤقتاً للبلاد لمدة ثلاثة أشهر، وتحدد الرابع من يوليو/تموز الجاري موعداً لإجراء الانتخابات الرئاسية.
لكن المطالب الشعبية كانت قد تبلورت في الإبعاد النهائي للنظام بكافة رموزه وآلياته، وتواصلت الاحتجاجات التي أصبحت تجري كل يوم جمعة ولا تزال.
إلغاء الانتخابات الرئاسية والدعوة للحوار
استباقاً لانتهاء فترته كرئيس مؤقت، اقترح الرئيس الانتقالي مساء الأربعاء 3 يوليو/تموز تشكيل هيئة حوار من أجل تنظيم الانتخابات الرئاسية، متعهداً بأن الدولة بما فيها الجيش، ستلزم الحياد التام خلال العملية.
وكان بن صالح قد سبق وأعلن أن "الوضع الاستثنائي" يفرض عليه "مواصلة تحمّل مسؤولية رئاسة الدولة حتى انتخاب رئيس جديد"، لذلك سيبقى في الحكم بعد التاسع من يوليو/تموز "لكن خارج أي إطار دستوري"، كما أشارت المؤرخة كريمة ديرش، الباحثة في مركز البحث العلمي بفرنسا لوكالة فرانس برس.
ماذا يقول الدستور؟
ألغى المجلس الدستوري، أعلى هيئة قضائية، الانتخابات المقررة في الرابع من يوليو/تموز "لاستحالة" تنظيمها بسبب عدم وجود مرشحين لخلافة بوتفليقة المستقيل في 2 أبريل/نيسان، وهي حالة "لم ينص عليها الدستور"، كما أوضح لوكالة الأنباء الفرنسية خبير قانوني، فضل عدم كشف هويته.
لذلك فإن السلطة تبحث عن مخرج للأزمة، وطالبت المتظاهرين بالابتعاد عن "المطالب غير الواقعية التي من شأنها إطالة أمد الوضع الحالي".
الحاكم الفعلي
بعض المحتجين والمراقبين يرون أن عبدالقادر بن صالح ليس هو الحاكم الفعلي للجزائر، بل الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش، الذي أصبح في واجهة اللعبة السياسية بعدما لعب دوراً مفصلياً في إزاحة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة ودفعه للاستقالة.
ولم يعط الرئيس الانتقالي في مبادرته الأخيرة تفاصيل عن آليات وجدول الحوار وكل ما نعرفه أنه "ستتم قيادته وتسييره بحرية وشفافية كاملة من قبل شخصيات وطنية مستقلة ذات مصداقية وبلا انتماء حزبي أو طموح انتخابي شخصي".
صحيح أن الالتزام يعد استجابة لأحد المطالب الرئيسية للحركة الاحتجاجية، التي طالبت بتشكيل مؤسسات مستقلة عن رموز "النظام" الحاكم منذ عقود لإدارة المرحلة الانتقالية، لكن غياب الآليات والجدول الزمني يزيد من حالة الشك الموجودة أصلاً لدى الشارع المحتج.
يرى نور الدين بكسي، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الجزائر، أن "الشكوك ستبقى" حتى "تجسيد" مقترحات بن صالح، فرغم كونه "خطاباً إيجابياً وخارطة طريق معقولة"، عاب عليه بكسي "غياب آليات ووسائل" إطلاق هذا الحوار.
أما عبدالوهاب فرساوي، رئيس جمعية "تجمع-عمل-شباب" ، فيفضل الانتظار ليرى "الشخصيات التي سيتم اختيارها" بما أن الحركة الاحتجاجية ترفض كل من له علاقة "بالنظام".
فهناك أزمة ثقة بين المحتجين والسلطة الحاكمة، كما يوضح الباحث الاجتماعي ناصر جابي، فالشعب لم يتراجع وهو ينتظر ليعرف "الأسماء".
السيناريوهات القادمة
اعتبرت كريمة ديرش أن السلطة لا يمكنها أن "تصمد طويلاً" في هذا الوضع الحالي، وبحسبها فإن السلطة اعتقدت أن فترة انتقالية من ثلاثة أشهر كافية "لإقناع الحركة الاحتجاجية بالحل الانتخابي في أقرب الآجال"، وإذا استمر المأزق فإن الجزائر يمكن أن تدخل "مرحلة أكثر توتراً" كما حذرت الباحثة.
وأضافت أنه في حال رفض اقتراح بن صالح، لا يزال بإمكان رئيس الأركان الفريق قايد صالح قبول "إنشاء هيئة مستقلة تتولى الرئاسة المؤقتة"، معتبرة أن "هذا سيناريو معقول، إذ سبق أن تنازلت السلطة ولم تتردد في إزاحة الرئيس وفريقه".
لكنها تداركت أن "النظام لا يريد التفاوض بأي ثمن" ، محذرة من أن السيناريو الآخر "هو العنف".
وبالنسبة إلى الحركة الاحتجاجية فإن المراقبين "العارفين بأمر البلد يرون أن المسيرات أظهرت محدوديتها"، لذلك "يجب الآن إيجاد حل سياسي". ولكن تبقى معرفة "كيفية التفاوض على خارطة الطريق".