اعتراض ناقلة نفط إيرانية عملاقة قبل مرورها في مضيق جبل طارق أثار معركة كلامية وقانونية بين طهران وبريطانيا، وسط تصريحات مهلِّلة من جانب واشنطن وحذِرة من جانب إسبانيا، فما هي قصة تلك الناقلة؟ وكيف يمكن أن تؤثر تلك الحادثة على الموقف المتأزم بالفعل في منطقة الخليج؟
البداية كانت فجر الخميس 4 يوليو/تموز، عندما أعلنت سلطات جبل طارق عن توقيف ناقلة النفط العملاقة "غريس 1" بناءً على طلب من بريطانيا، وتم توقيف الناقلة تحت إشراف قوات من البحرية البريطانية.
إيران استدعت السفير البريطاني في طهران؛ للتنديد بـ "الاعتراض غير القانوني" للناقلة، وطالبته بالإفراج الفوري عنها، مهددةً باتخاذ إجراء مماثل إذا لم يتم إطلاق سراح السفينة لتواصِل رحلتها.
على أي أساس تم توقيف السفينة؟
الإعلان الأول من جانب فابيان بيكاردو، رئيس وزراء جبل طارق/ بشأن إصدار أوامره بتوقيف الناقلة خلا من أي إشارة لإيران، حيث قال بيكاردو في بيان: "لدينا سبب كي نعتقد أن غريس 1 (الناقلة) كانت تحمل نفطاً خاماً إلى مصفاة بني ياس في سوريا، وتلك المصفاة مملوكة لكيان يخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على سوريا" .
بيكاردو هنا يشير للعقوبات المفروضة من الاتحاد الأوروبي على نظام الرئيس السوري بشار الأسد منذ 2011 بسبب المجازر التي ارتكبها نظامه ضد الثورة الشعبية ضده.
بعد ساعات قليلة أصدر وزير خارجية إسبانيا جوسيب بيريللي تصريحاً، قال فيه إن توقيف الناقلة تم بناء على طلب من الولايات المتحدة لبريطانيا. المنطقة التي تم فيها توقيف الناقلة محل نزاع بين بريطانيا وإسبانيا.
مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون قال إن توقيف ناقلة النفط الإيرانية "نبأ ممتاز"، وكتب على تويتر: "بريطانيا اعترضت ناقلة النفط العملاقة غريس 1، المحملة بالنفط الإيراني إلى سوريا في انتهاك لعقوبات الاتحاد الأوروبي" .
وتابع بولتون: "أمريكا وحلفاؤنا سيواصلون منع نظامَي طهران ودمشق من الإفادة من هذه التجارة غير القانونية"، من دون أن يؤكد ما إذا كانت الولايات المتحدة قد طلبت اعتراض الناقلة.
واشنطن من الأساس ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي لتقدم طلباً كهذا، وهنا التفسير الوحيد لتدخل واشنطن هو أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قررت التصعيد في كيفية تنفيذها للعقوبات التي فرضتها على إيران من مرحلة معاقبة مَن يشتري النفط الإيراني إلى مرحلة منع إيران من توصيل النفط من الأساس لمن يشتريه.
خط سير الناقلة
السفينة العملاقة "غريس 1" يبلغ طولها 330 متراً، ومحمّلة -طبقاً للمعلومات المتوفرة- بنحو مليونَي برميل من النفط الخام، وذكرت النشرة المتخصصة في النقل البحري "لويد ليست" أن ناقلة النفط ترفع عَلَم بنما وتنقل نفطاً إيرانياً إلى سوريا.
المسار الذي سلكته الناقلة يكشف أنها كانت تسعى لتجنب التتبع؛ حيث بدلاً من دخول البحر الأحمر مروراً بقناة السويس إلى البحر المتوسط ومن ثَمَّ ميناء بنياس السوري، اتخذت طريق رأس الرجاء الصالح حول قارة إفريقيا بأكملها وصولاً إلى مضيق جبل طارق؛ حيث تم اعتراضها.
ما هي خيارات إيران للرد؟
طالبت طهران، الجمعة، لندن "بالإفراج الفوري" عن ناقلة النفط، وقالت وزارة الخارجية الإيرانية إن مسؤولاً كبيراً في الوزارة أكد أثناء اللقاء أن الخطوة البريطانية "غير مقبولة"، ودعا إلى "الإفراج الفوري عنها، لأنها اُحتجزت بناء على طلب الولايات المتحدة، حسب معلومات متوفرة حالياً" .
وهدد أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني محسن رضائي في تغريدة على تويتر، الجمعة، بأنه إذا لم تطلق بريطانيا الناقلة، فإن إيران ستتخذ إجراء مماثلاً ضد ناقلة بريطانية.
على أرض الواقع إيران تهدد بغلق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط إذا ما تم منعها من تصدير نفطها، لكن هذا التهديد يستحيل عملياً تطبيقه دون الدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة.
الخيار الثاني الذي تلمح له إيران هو تطبيق فرض رسوم جمركية على السفن والناقلات التي تعبر مضيق هرمز، على أساس أن طهران تعتبر نفسها القوة الإقليمية المسؤولة عن حماية الملاحة في المضيق، وهو أمر يخلو من أي منطق؛ كون مياه المضيق بقوانين الملاحة الدولية تعتبر بالكامل مياهاً إقليمية عمانية وليست إيرانية.
إيران الآن بدأت بالفعل في الانسحاب الجزئي من بنود الاتفاق النووي الموقَّع عام 2015 بينها وبين واشنطن وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، في ظل انسحاب إدارة ترامب منه وفرض عقوبات أمريكية أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه من نقطة الدخول في مواجهة عسكرية.
الترويكا الأوروبية الموقعة على الاتفاق والرافضة للانسحاب الأمريكي الأحادي منه تحاول إنقاذه بإيجاد آلية بديلة تسمح بالتعامل مع إيران وإبقائها ملتزمة ببنوده لكن الموقف البريطاني بدأ بالتحول نحو تبني موقف واشنطن أكثر في تذكير مقلق بما حدث في غزو العراق عام 2003 وهو ما تجلى في أزمة الناقلة المحتجزة الآن في جبل طارق والتي أصدرت محكمة بريطانية قراراً بمد توقيفها 14 يوماً أخرى وهو ما أعلنت سلطات جبل طارق تنفيذه.
إذا ما أقدمت طهران بالفعل على توقيف ناقلة نفط بريطانية في الخليج كما هددت، لا أحد يعرف كيف يمكن أن تنتهي هكذا خطوة تصعيدية، فهل يكون توقيف الناقلة في جبل طارق الشرارة الأولى لمواجهة عسكرية لا يريدها ترامب بالتأكيد ولا تريدها طهران؟