رغم أن الانسحاب الأمريكي المنفرد من الاتفاق النووي مع إيران مر عليه أكثر من عام وقعت خلاله الولايات المتحدة عقوبات خانقة على طهران، لم تتحرك إيران في اتجاه الرد بالمثل أي الانسحاب أيضاً من الاتفاق إلا منذ أيام وسبق ذلك تهديد بالانسحاب الجزئي، وخلال ذلك كله ترددت مهلة الشهرين ولا تزال، فما هي قصة تلك المهلة؟
الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين إيران والولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا كان يهدف إلى وضع البرنامج النووي الإيراني تحت رقابة صارمة لضمان عدم وصول طهران إلى الحد الذي يمكنها من امتلاك سلاح نووي وذلك من خلال عدة بنود عليها الالتزام بها، وفي المقابل يتم رفع العقوبات الأمريكية والأممية المفروضة عليها.
البنود التي على طهران الالتزام بها أهمها عدم تخصيب اليورانيوم بنسب أعلى من 3.67 (الحد المطلوب لتوليد الكهرباء) وعدم تخزين اليورانيوم المخصب على أراضيها بأكثر من 300 كجم، على أن تبيع الفائض أولاً بأول، وخضوع المنشآت النووية الإيرانية لقواعد التفتيش الدولية مع إضافة بنود تسمح بالتفتيش المفاجئ.
يوم 8 مايو/أيار الماضي والذي تزامن مع مرور عام على انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منفردة من الاتفاق وفرض عقوبات على طهران، أعلنت إيران أنها ستبدأ تدريجياً في تقليص التزاماتها بموجب الاتفاق خلال ستين يوماً دون أن تنسحب منه بشكل تام.
آلية فض المنازعات في الاتفاق
الخطوات التي تسير بها عملية فض المنازعات بموجب الاتفاق المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة تشمل ست خطوات:
الخطوة الأولى: إذا اعتقد أي طرف من أطراف الاتفاق النووي أن طرفاً آخر لا ينفذ التزاماته فله أن يحيل الأمر إلى لجنة مشتركة يتكون أعضاؤها من إيران وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي (كانت الولايات المتحدة عضواً في اللجنة قبل انسحابها من الاتفاق)، ويكون أمام اللجنة المشتركة 15 يوماً لتسوية المشكلة ما لم يتوافق أعضاؤها على تمديد تلك الفترة الزمنية.
الخطوة الثانية: إذا اعتقد أي طرف أن المشكلة لم تحل بعد تلك الخطوة الأولى فله أن يحيل الأمر إلى وزراء خارجية الدول الموقعة على الاتفاق، وسيكون أمام الوزراء 15 يوماً لتسوية الخلاف ما لم يتوافقوا على تمديد تلك الفترة الزمنية، وبالتوازي مع نظر وزراء الخارجية في الأمر، أو بدلاً منه، يمكن للطرف صاحب الشكوى أو الطرف المتهم بعدم الالتزام أن يطلب أن تبحث لجنة استشارية ثلاثية المشكلة. ويعين كل طرف من طرفي النزاع حينئذ عضواً في هذه اللجنة ويكون العضو الثالث مستقلاً، ويتعين على اللجنة الاستشارية أن تقدم رأيها غير الملزم في غضون 15 يوماً.
الخطوة الثالثة: إذا لم تتم تسوية المشكلة خلال العملية الأولية التي تستغرق 30 يوماً فأمام اللجنة المشتركة خمسة أيام للنظر في رأي اللجنة الاستشارية في محاولة لتسوية النزاع.
الخطوة الرابعة: إذا لم يكن الطرف صاحب الشكوى راضياً بعد ذلك ويعتبر أن الأمر "يشكل امتناعاً مؤثراً عن أداء الواجبات" فبوسعه "أن يعتبر المشكلة غير المحسومة مبرراً للامتناع عن أداء التزاماته بمقتضى خطة العمل الشاملة المشتركة كلياً أو جزئياً". كذلك يمكنه أن يخطر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمؤلف من 15 عضواً بأن المشكلة تشكل "امتناعاً مؤثراً عن أداء الواجبات"، ويتعين على هذا الطرف أن يصف في الإخطار المساعي حسنة النية التي بذلت لاستنفاد عملية حل النزاع من خلال اللجنة المشتركة.
الخطوة الخامسة: بمجرد أن يخطر الطرف صاحب الشكوى مجلس الأمن يتعين على المجلس أن يصوت خلال 30 يوماً على مشروع قرار بشأن الاستمرار في تخفيف العقوبات عن إيران. ويصدر القرار بموافقة تسعة أعضاء وعدم استخدام أي من الدول الدائمة العضوية الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا حق النقض (الفيتو).
الخطوة السادسة: إذا لم يصدر قرار في غضون 30 يوماً يعاد فرض العقوبات المنصوص عليها في كل قرارات الأمم المتحدة ما لم يقرر المجلس غير ذلك، وإذا أعيد فرض العقوبات فلن تسري بأثر رجعي على العقود التي وقعتها إيران.
إيران لا تزال ملتزمة بالاتفاق
تخلي إيران إذن عن بندي زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب وتخطي حاجز الـ 3.67 كنسبة تخصيبه، من وجهة نظر طهران، لا تعد مخالفة لبنود الاتفاق.
إيران انتظرت باقي أطراف الاتفاق عاماً كاملاً حتى يقدموا لها بديلاً تجارياً يمكنها من التغلب على العقوبات الأمريكية المنفردة، ثم بدأت في اتخاذ الخطوات التدريجية محافظة على الشكل القانوني من بنود الاتفاق.
وفي هذا الإطار تأتي مهلة الشهرين وقال مسؤولون إيرانيون كبار أن إيران ستستمر في تقليص التزاماتها كل 60 يوماً ما لم تتحرك الأطراف الموقعة على الاتفاق لحمايتها من العقوبات الأمريكية.
وترى إيران أن تقليص التزاماتها لا يعد انتهاكاً للاتفاق لأنه ينص في بند منفصل على أن "إيران أوضحت أنها ستعتبر هذه العودة لتطبيق العقوبات أو إعادة فرضها.. أو فرض عقوبات جديدة تتصل بالمسألة النووية مبرراً للامتناع عن أداء التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة هذه كلياً أو جزئياً".
لكن كل هذه الأمور القانونية ربما تذهب أدراج الرياح مع وصول التوتر ذروته وربما تخرج الأمور عن السيطرة في أية لحظة وهو ما يحذر منه الأوروبيون وروسيا والصين، خصوصاً مع تكثيف الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج ومعاناة النظام الإيراني من العقوبات الخانقة.