مضيق هرمز أم مثلث برمودا؟ هكذا تفلت إيران من عقوبات ترامب

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/07/03 الساعة 10:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/03 الساعة 13:12 بتوقيت غرينتش
كيف تختفي الناقلات فجأة في مضيق هرمز قرب إيران؟

يبدو أن العقود الطويلة التي تعرضت فيها إيران للعقوبات الأمريكية جاءت كعامل مساعد منذ انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منفرداً من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على طهران، فكيف تتمكن السفن من الاستمرار في نقل النفط والبتروكيماويات الإيرانية رغم العقوبات؟

الإجابة في تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بعنوان "لتتجنب عقوبات إيران، السفن تختفي فجأة"، ألقت فيه الضوء على الآلية التي تختفي بها السفن.

كانت هنا واختفت

بعد رحلة استمرت 19 يوماً، اقتربت سفينة نقل صغيرة الحجم من مياه الخليج العربي قادمة من الصين وكان ذلك الأسبوع الماضي، وبناء على القواعد الدولية، أبلغ القبطان عن موقع السفينة واتجاهها وسرعتها وما يدل على أنها فارغة. وفجأة اختفت السفينة واسمها ساينو إينرجي1المملوكة لشركة صينية من على مواقع الرصد البحري، ثم أبلغ القبطان عن مكانها بعد 6 أيام وكانت تقريباً في نفس النقطة التي اختفت عندها لكن هذه المرة كانت وجهتها نحو الشرق مبتعدة عن مضيق هرمز بالقرب من إيران. وطبقاً للنمط السائد في تلك الحالات، قريباً سيبلغ القبطان أن الناقلة محمّلة ولم تعد فارغة.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – رويترز

بعد سريان عقوبات إدارة ترامب على منتجات النفط والبتروكيماويات من إيران، تحدت بعض أساطيل النقل البحري تلك العقوبات عن طريق "الإبحار في صمت" عندما تكون في الموانئ الإيرانية لتعبئ حمولتها، وذلك بحسب محللين تجاريين يقومون بمراقبة بيانات النقل البحري إضافة لمعلومات استخباراتية إسرائيلية.

سمير مدني أحد مؤسسي شركة تانكرتراكرز دوت كوم، التي تستخدم صور الأقمار الصناعية لتحديد الناقلات التي تقترب من الموانئ الإيرانية، أخبر الصحيفة أن "السفن تخفي أنشطتها، ولا يريدون الإبلاغ عن وجودهم في إيران كي يتجنبوا العقوبات. الأمر بهذه البساطة".

الناقلات الأصغر مثل ساينو إينرجي تكون أصعب في التعقب مقارنة بناقلات النفط العملاقة عندما تخفي مكانها، حيث إنه طبقاً لاتفاقية بحرية رعتها الأمم المتحدة، الناقلات التي تحمل 300 طن أو أكثر وتبحر في خطوط الملاحة الدولية لابد أن تستخدم نظام تعريف آلي لتجنب حوادث التصادم والمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ كما أنها تسمح للدول بمراقبة حركة السفن.

العقوبات الأمريكية غير ملزمة

النقطة الهامة هنا هي أنه بموجب القانون الدولي لا يعتبر شراء أو نقل النفط الإيراني غير قانوني، حيث أن العقوبات الأمريكية التي دخلت حيز التنفيذ أول نوفمبر/تشرين الثاني الماضي غير ملزمة لأحد غير الولايات المتحدة.

طائرة هليكوبتر بينما تشق حاملة الطائرات الأمريكية جون سي ستينيس طريقها إلى الخليج عبر مضيق هرمز/ رويترز
طائرة هليكوبتر بينما تشق حاملة الطائرات الأمريكية جون سي ستينيس طريقها إلى الخليج عبر مضيق هرمز/ رويترز

لكن الشركات الأجنبية التي لها مصالح تجارية مع شركات وبنوك أمريكية لا تريد التعرض لمخاطر أن تطالها العقوبات، التي تتمثل في منع البنوك من التعامل معها أو تجميد أصولها أو منع المسؤولين فيها من دخول الولايات المتحدة، بحسب ريتشارد نيفيو الباحث في جامعة كولومبيا والذي كان يشرف على ملف السياسة الإيرانية ضمن مجلس الأمن القومي الأمريكي في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.

"لقد فرضنا عقوبات على عشرات المؤسسات الصينية بسبب أنشطتها في نشر التكنولوجيا النووية والصواريخ والأسلحة وغيرها من الأنشطة، لكن الأمر ليس سهلاً بالمرة"، قال نيفيو.

ورفضت متحدثة رسمية في وزارة الخارجية الأمريكية التعليق للصحيفة قائلة: "نحن لا نعلق على المسائل المخابراتية".

إيران تعرف كيف تتجنب العقوبات

برايان هوك، المبعوث الأمريكي الخاص بإيران، أخبر الصحفيين في لندن بأن واشنطن ستعاقب أي دولة تستورد النفط الإيراني، وذلك رداً على سؤال حول شحنات النفط التي لا تزال تخرج من إيران إلى آسيا، بحسب رويترز.

تعرض إيران للعقوبات لفترات طويلة جعل من الصعوبة بمكان الحصول على معلومات دقيقة حول كميات النفط التي لا تزال إيران تتمكن من بيعها رغم العقوبات، وهذا ما أكده أكثر من محلل في تقرير أعدته رويترز مايو/أيار الماضي.

القوار الحربية الإيرانية تجوب مضيق هرمز – أرشيفية

المحللة سارة فاكشوري قالت لرويترز إنه من المرجح أن تستطيع إيران المحافظة على بعض الشحنات لسداد ديون مستحقة للصين والهند، ولضخّها في المخزونات بالصين، إضافة إلى تهريب كمية محدودة كما فعلت في ظل عقوبات سابقة.

وقالت: "من المهم ملاحظة أن صفر مبيعات نفطية في مايو/أيار لا يعني أنه لن تكون هناك تسليمات نفطية للصين أو الهند خلال الشهر. إجمالاً، إيران تستطيع تصدير ما بين 200 و550 ألف (برميل يومياً) من النفط. ليست بالكامل نفطاً مبيعاً".

ويتوقع المحللون في إنرجي أسبكتس تراجعاً في الشحنات الإيرانية إلى حوالي 600 ألف برميل يومياً من مايو/أيار.

إيران تستخدم أيضاً أساليب إغراء للتحايل على العقوبات الأمريكية منها تقديم "تخفيضات ضخمة" في أسعار النفط ومنتجات البتروكيماويات، بحسب ما قاله لنيويورك تايمز جاري سامور البروفيسور في جامعة برانديز والذي عمل في إدارة أوباما في قضايا التسليح. 

الناقلات الصينية تتحدى عقوبات ترامب

وبحسب تقييم الخبراء للصحيفة الأمريكية، عندما تقوم السفن بتحدي العقوبات يضعف ذلك من تأثير تلك العقوبات خصوصاً إذا كانت السفن -أو الدول التي تعمل من خلالها- لا تخشى العواقب، وفي هذا السياق تظهر البيانات من مواقع التتبع التجارية أن بعض شركات الشحن البحري التي تربطها علاقات بإيران لا تحاول إخفاء تحركاتها.

في يونيو/حزيران الماضي، رست ناقلة النفط سالينا وهي ترفع العلم الإيراني وتشملها العقوبات الأمريكية في خليج جينزو شمال شرق الصين، حسب بيانات موقع فيسيلز فاليوم المتخصص في تحليل معلومات الشحن البحري الدولية، وكانت سالينا تبلغ باستمرار عن موقعها واتجاهها وسرعتها عبر نظام التعريف الآلي.

وسالينا هي ناقلة عملاقة يمكنها نقل مليون برميل من النفط الخام، وهذا النوع من الناقلات العملاقة يمكنه فقط الإبلاغ مرات محدودة عن الموانئ التي تتوقف فيها، كما يمكن رصدها عبر الأقمار الصناعية بطريقة أسهل من الناقلات الأصغر مثل ساينو إينرجي.

وساينو إينرجي هي واحدة من أكثر من 40 ناقلة مملوكة لنفس الشركة الصينية، ومن الصعب جداً تعقبها إذا أطفأت أجهزة الإبلاغ عن موقعها. تلك الناقلات كانت مملوكة حتى أبريل/نيسان الماضي لشركة ساينوكيم، وهي شركة عملاقة في مجال البتروكيماويات وتمتلكها الحكومة الصينية ولها مصالح وأعمال ضخمة في الولايات المتحدة، ولها مقر في هيوستن وتعمل مع شركات مثل بوينغ وإكسون موبيل.

الشركة قامت في أبريل ببيع حصتها في أسطول الشحن البحري لشركة صينية خاصة يمتلكها الملياردير الصيني دو جيانجتاو كون ثروته الضخمة من العمل في مجال التجهيزات الطبية والكيماويات وطاقة الفحم.

وبحسب تقرير نيويورك تايمز، عندما اتصلوا بمسؤول علاقات الاستثمار في شركة جيانجتاو بدا أنه لا يعرف بأمر امتلاك الشركة  لأسطول سفن شحن. وحالياً تمتلك الشركة 40% من أسطول الشحن السابق لساينوكيم وباقي النسبة موزعة بين شركتين في بكين.

هذه البيانات وغيرها ساقتها تقرير الصحيفة الاستقصائي كمؤشرات على خرق السفن الصينية للعقوبات الأمريكية، وفي السياق ذاته كانت سفينة إس سي بريليانت راسية قرب مستودع إيراني رئيسي للمنتجات البتروكيماوية في أبريل/نيسان 2018، وكان مسار السفينة دائماً معروف وقبطانها يستخدم نظام التعريف الآلي الذي يبث مسارها وسرعتها ووجهتها، بحسب موقع تتبع حركة السفن.

لكن ما إن أعلن ترامب في أغسطس/آب الماضي أنه سيعيد فرض العقوبات على صناعة البتروكيماويات في إيران، أصبحت رحلات السفينة أقل شفافية بشكل ملحوظ، حيث اختفت السفينة أواخر سبتمبر/أيلول وأوائل أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي لمدة 10 أيام في نفس المنطقة من مضيق هرمز التي اختفت فيها الناقلة ساينو إينرجي. اللافت أن بريليانت اختفت وهي فارغة وظهرت وهي محملة، وتكرر الأمر نفسه في فبراير/شباط الماضي حيث اختفت لمدة أربعة أيام.

تحميل المزيد