وقع المحظور في ليبيا، فهل يتحرك المجتمع الدولي؟ سؤال الساعة بعد أن استيقظ العالم على فجيعة قصف جوي لمركز للمهاجرين في العاصمة طرابلس، أوقع عشرات القتلى والجرحى، ورغم محاولة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر التنصّل من المجزرة، فإنه اعترف بها حتى قبل أن يرتكبها، فما هي القصة؟
الغارة الجوية جاءت بعد تهديد قوات حفتر، يوم الإثنين 1 يوليو/تموز 2019، بتكثيف غاراتها الجوية بعد هزيمة قواته من مدينة غريان الاستراتيجية أمام قوات حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، والتي تقع على بعد أقل من 100 كيلومتر جنوب العاصمة، وكانت مقراً لعمليات حفتر العسكرية، بحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز، الأربعاء 3 يوليو/تموز.
حكومة الوفاق تنادي بتحقيق دولي
اتهمت حكومة الوفاق الوطني، التي تعترف بها الأمم المتحدة، ويقودها رئيس الوزراء فايز السراج، قوات حفتر بشنِّ غارات من الجوِّ على المركز، وقالت إن "الجريمة البشعة" كانت "مدبرة ومقصودة" و "بدقة" .
وعبَّرت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عن "قلقها البالغ من روايات عن وفاة لاجئين ومهاجرين" .
ووصفت منظمة أطباء بلا حدود في بيان ما حدث بأنه "مأساة مروعة كان يمكن تجنبها بسهولة" .
وكانت قوات حفتر، قد أعلنت الإثنين، أنها ستبدأ شنَّ غارات كثيفة على أهداف في طرابلس، بعد استنزاف "الوسائل التقليدية" للحرب، وقالت إنَّ طائراتها الحربية قصفت معسكراً موالياً للحكومة قرب مركز المهاجرين، وإن قوات الحكومة ردَّت على ذلك بإطلاق قذائف، بحسب بي بي سي.
ضربة مفاجئة غيَّرت معطيات الصراع
الهزيمة المفاجئة التي تعرَّضت لها قوات شرق ليبيا بقيادة حفتر في غريان، منذ 5 أيام، تسبَّبت في تغيير معطيات الصراع لصالح حكومة الوفاق بصورة ملحوظة، وهو ما يُفسّر التهديد بتكثيف الضربات الجوية "بعد فشل الوسائل التقليدية"، بحسب نصِّ بيان ما يُعرف بالجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر.
قوات حكومة الوفاق الوطني أكدت سيطرتها على غريان، المدينة الاستراتيجية الواقعة على بعد 100 كلم جنوب غرب طرابلس، التي كانت قوات خليفة حفتر تتخذها مقرّاً لقيادة عملياتها العسكرية.
وأكد مصطفى المجعي، المتحدِّث باسم قوات حكومة الوفاق، بأنَّ مدينة غريان الليبية باتت "تحت السيطرة بالكامل"، ووفق المتحدث فإنَّ قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر كانت تتخذ من هذه المدينة "غرفة العمليات الرئيسية العسكرية بالمنطقة الغربية، التي تقدّم الدعم اللوجستي لقواتها جنوب طرابلس"، بحسب تقرير لدويتش فيله الألماني.
وقُتل عادل دعاب، أحد أبرز القيادات الداعمة للجنرال المتقاعد في مدينة غريان جراء الاشتباكات، فضلاً عن مقتل 4 مقاتلين، وإصابة أكثر من 23 آخرين، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام محلية صور تُظهر عناصر من قوات حكومة الوفاق في وسط غريان وآليات مدمرة لقوات حفتر وعدداً من العسكريين التابعين لقواته مقيّدي الأيدي، وتستجوبهم عناصر قوات الوفاق.
ومثَّلت تلك الخطوة أهم تقدم عسكري تقوم به قوات حكومة الوفاق على حساب قوات حفتر، وذلك منذ أن سيطرت الأخيرة على المدينة في بداية هجومها على طرابلس قبل أكثر من شهرين ونصف الشهر.
الجاني واضح ومعترِف، فهل يتحرك أحد؟
ميليشيات حفتر من جانبها حاولت التنصل من المجزرة، بإلقاء اللوم على قوات الحكومة بالادعاء أن ما استهدف مركز المهاجرين في تاجوراء قذيفة هاون كانت تتصدى لطائراته، لكن آثار القصف الجوي تختلف تماماً عن سقوط قذيفة هاون، وهو ما اتَّضح من عناوين تغطية المجزرة حول العالم، حيث "غارة جوية" هي الوصف الذي استخدمه الجميع.
النقطة الأخرى هي وجود موقع عسكري تابع للحكومة في تاجوراء، وقد حاول طيران حفتر استهدافه منذ يومين، فلماذا لم تسقط قذائف الهاون والمدفعية المضادة للطائرات التي تصدَّت للغارات على معسكر المهاجرين؟
لكن الأهم هو البيان الصادر عن مركز تاجوراء نفسه، وهو يؤكد تعرُّض المركز لغارات جوية عنيفة، مما أدى للتسبب في المجزرة.
الأمم المتحدة التي أعلنت في بيان أنَّه لا بد من تحديد الجهة المسؤولة، عليها أن ترسلَ بعثة تقصّي حقائق بشكل فوري، كما طالبت الحكومة المعترف بها دولياً، كي لا تمر الجريمة مرور الكرام.
المؤكد أن مجزرة اليوم ستُضعف موقف حفتر أمام المجتمع الدولي، لكن الأهم هو سرعة التحرك لتفادي ما تحذر منه المنظمات الحقوقية، منذ بدأ حفتر هجومه على طرابلس في الرابع من أبريل/نيسان الماضي، وهو وقوع كارثة إنسانية ربما تفوق ما يحدث في اليمن.