وصفت محققة أممية ملكة هولندا بالمتواطئة في جريمة مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، وسط عاصفة من الانتقادات تتعرض لها الملكة من البرلمان، فما هي القصة ولماذا جلست الملكة مع ولي عهد السعودية محمد بن سلمان على هامش قمة العشرين التي عقدت مؤخراً في اليابان؟
ماذا حدث؟
ماكسيما ملكة هولندا عقدت اجتماعاً مع ولي العهد على هامش اجتماعات قمة مجموعة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية الأسبوع الماضي، مما تسبب في أزمة عنيفة بين الحكومة والبرلمان.
خلال جلسة عقدها مجلس النواب الهولندي، حول حقوق الإنسان، مساء أمس الإثنين 1 يوليو/تموز، "انتقد النواب الذين يمثلون الشؤون الخارجية داخل الأحزاب السياسية اللقاء، واعتبروه خطأً سياسياً"، حيث رأت غالبية الأحزاب الممثلة في البرلمان، أن "سماح الحكومة للملكة ماكسيما، بلقاء بن سلمان، "أمر غير مقبول"، مشددين على ضرورة أن تضع حكومة البلاد تقرير الأمم المتحدة الصادر قبل نحو أسبوعين حول جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، نصب عينيها، مشيرين إلى أن اللقاء بين الطرفين جاء في التوقيت الخاطئ.
كيف ردت الحكومة؟
وزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك دافع عن عقد اللقاء قائلاً إن "اللقاء بين الملكة وولي العهد جاء بصفة ماكسيما سفيرة أممية، وأن قضية مقتل خاشقجي لم يتم تناولها خلال اللقاء"، مضيفاً: "الملكة ماكسيما أجرت عدة لقاءات من قبل مع زعماء بلدان ضعيفة في مجال حقوق الإنسان، ومعظم هذه اللقاءات يتم على هامش قمة مجموعة العشرين"، وأشار إلى أن "الملكة إذا لم تقم بإجراء هذه اللقاءات، فإن هذا يعني عدم قيامها بأداء مهامها".
"ولو ألغينا اللقاء نكون بذلك قد خلطنا السياسة بالعمل المهم الذي تقوم به ماكسيما، فمثل هذه اللقاءات يجب أن تكون ذات علاقة بالموضوعات التمويلية فحسب، ويجب ألا يتم خلطها بالسياسة، ومن ثم نرى أنه من الصائب استمرار هذا اللقاء".
كيف تم توظيف اللقاء سعودياً؟
لكن ولي العهد السعودي قام بتوظيف اللقاء بصورة مختلفة، حيث نشرت وسائل الإعلام السعودية صورة للقاء وكتبت تعليقاً عليها أن محمد بن سلمان "تحدث مع ملكة هولندا بشأن التعاون بين المملكتين"، دون أن يتطرقوا للأمم المتحدة من الأساس ولا حتى دور ماكسيما كسفيرة خاصة للتمويل من أجل التنمية كما لم يذكروا تقرير الأمم المتحدة الذي يربط بين ولي العهد وجريمة اغتيال خاشقجي، حسب صحيفة هولندا تايمز.
المحققة الأممية أغنيس كالامارد اتهمت ماكسيما بالتواطؤ في جريمة اغتيال خاشقجي بصمتها وعدم فتح موضوع القضية مع ولي العهد السعودي.
"أن تقابل ذلك الرجل شيء، وأن تظل صامتة شيء آخر تماماً. في هذه النقطة الصمت يعني التواطؤ،" قالت كالامارد للصحافة الهولندية، مضيفة "من لا يتحدث ولا يطالب بتحقيق العدالة يعني ذلك أنه غير مهتم بالأمر، فالصمت وغض الطرف ومواصلة العمل بشكل طبيعي مع العدد المتزايد من الحكام الذين يتبنون أساليب عنف وعدوانية بشكل متصاعد، هذه كلها أمور لا تنم عن القيادة التي يجب أن نتوقعها".
هولندا تطالب بتحقيق دولي
الغضب في هولندا يرجع إلى كون الدولة الأوروبية وبرلمانها موقفهما واضح بضرورة ملاحقة المسئولين عن جريمة خاشقجي، وهو ما أكد عليه بلوك في معرض تفسيره للقاء، حيث قال إن "بلاده سبق وأن أعربت لدى عدد من المحافل عن قلقها وردة فعلها الغاضبة حيال قتل خاشقجي، وأنهم مع تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق بشأن الجريمة".
ترامب أكثر خبرة في المراوغة
حضور ولي العهد السعودي لاجتماعات قمة العشرين ممثلاً لبلاده التي تتولى رئاسة القمة العام المقبل حيث ستنعقد في الرياض بدا كفرصة له لمحاولة العودة للساحة الدولية، لكن جريمة مقتل خاشقجي كانت حاضرة كذلك، حيث تعرض الرئيس الأميركي المدافع الأوحد عن بن سلمان لأسئلة متلاحقة عن القضية وخصوصاً بعد تقرير كالامارد الذي أعاد الجريمة للواجهة.
الصحفي بشبكة سي إن إن الأمريكية جيم أكوستا وجه للرئيس دونالد ترامب السؤال حول نفس الموضوع، وجاء رد ترامب أن أسعار الوقود في الولايات المتحدة قد انخفضت.
وجاء رد ترامب عن سبب عدم طرحه قضية مقتل خاشقجي، خلال لقائه مع ولي العهد السعودي في اليابان على النحو التالي: "لا، على الإطلاق، لا أهتم بشأن الإساءة إلى الناس، وأعتقد أنك تعرف ذلك".
وتابع: "لا، أنا أتوافق مع الجميع، إلا أنتم (الصحفيون) في الواقع، أتعامل مع كثير من الناس".
ومضى: "لدي علاقة كبيرة مع الرئيس الصيني، ولا أحد غيرنا عقد صفقة مثل التي عقدناها معهم، كما أتعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومحمد بن سلمان في السعودية".
واستطرد: "لقد تحدثت إلى السعودية، عندما كانت أسعار النفط قبل عام مرتفعة، وحديثي لم يكن لطيفاً للغاية، وقلت لهم عليكم ضخ بعض النفط في السوق، لأن ما يحدث ليس جيداً"، مضيفاً: "لقد فعلوا ما طلبته منهم، والناس حالياً يقودون سياراتهم بتكاليف أقل، لم يشهدوها خلال الفترة الماضية، عندما ارتفع النفط إلى 5 دولارات وأكثر ولم يكن جيداً بالنسبة لهم".
الصمت مقابل المال
استراتيجية ولي العهد السعودي خلال اجتماعات قمة العشرين كانت عقد لقاءات مع أكبر عدد من ممكن من قادة العالم، خصوصاً من لن يفتحوا معه قضية خاشقجي لأنهم بحاجة للأموال، وأبرز مثال هو لقاؤه بملكة هولندا التي حضرت الاجتماعات بصفتها سفيرة للأمم المتحدة مهمتها جمع التمويل لقضايا التنمية حول العالم، وليس بصفتها ملكة هولندا.
التغطية الإعلامية السعودية الرسمية للقاء خلت من أي إشارة لما دار فعلياً في اللقاء، ما يعني أن الهدف من عقد الاجتماع مختلف تماماً بين سفيرة أممية تسعى لجمع التمويل في إطار مهامها وبين ولي العهد الذي يريد إرسال رسالة أنه حتى هولندا التي تندد حكومتها بالجريمة وتريد فتح تحقيق دولي مستقل فيها يمكن أن تعقد معه ملكتها اجتماعاً وكأن شيئاً لم يكن.
يأتي في هذا السياق نشر صور لولي العهد مع رؤساء وقادة أغلب من شاركوا في القمة مع تعليقات تركز على العلاقات بين السعودية وتلك الدول والمشاريع الاستثمارية هنا وهناك.