علاج بلا ثمن.. مسلمو أمريكا يقدمون الرعاية الصحية للملايين دون مقابل

عربي بوست
تم النشر: 2019/07/02 الساعة 15:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/02 الساعة 15:09 بتوقيت غرينتش
صورة معبرة عن التأمين الصحي/ i stock

واحدة من المبادرات الكبيرة التي تقوم بها الجالية المسلمة في أمريكا هي تقديم العلاج لكل من لا يستطيع أن يدفع الثمن، أو لهؤلاء المحرومين من التأمين الصحي في الولايات المتحدة، تقوم بها مؤسسة هووسر كريسينت، بحسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.

وفي الطابق السفلي لمبنى الكلية المجتمعية الكائنة في الجهة الشرقية من مدينة إنديانابوليس، كانت طالبة طب شابة تُرتِّب المعدات الطبية وهي مرتدية حجابها، بينما كان طبيب يراجع ملفات المرضى وهو لا يزال مرتدياً معطفه. وفي ممر مجاور كانت هناك امرأة من الحي تجلس بجوار آلة البيع، منتظر استدعاؤها إلى غرفة الفحص. وتحت نافذة مرتفعة يمكن من خلالها مشاهدة أنصاف الشاحنات منطلقة في الطريق السريع رقم 70، كانت هناك امرأة أخرى متكئة على نماذج توضح تاريخها الطبي. 

سار نديم صدِّيقي مندفعاً في الممر حاملاً لافتة كان ينوي تثبيتها على العشب أمام المدخل الأمامي. تقول اللافتة "هل لا تملك تأميناً صحياً؟ تفضل بزيارتنا، فنحن نقدم خدمات طبية مجانية في مؤسسة هووسر كريسينت".

التقاط الفكرة 

يعمل صدِّيقي مهندساً وليس طبيباً، ولكنه يعلم كم هو مستحيل أن يقدر كثيرون على دفع نفقات خدمات الرعاية الطبية في ولاية إنديانا الأمريكية؛ حيث يتمتع شخص واحد فقط من بين كل 10 أشخاص بتأمين طبي، إلى جانب كثيرين آخرين يواجهون مشكلة التأمين غير الكافي (بسبب الخصومات والجزء الباهظ الذي يتحمَّله المريض من ثمن الكشف الطبي، مما يجعلهم غير قادرين على تحمُّل نفقات الأدوية والرعاية)، لذا عندما شاهد صدِّيقي تقريراً إخبارياً العام الماضي عن عيادة مجانية يديرها مسلمون في جاكسونفيل بولاية فلوريدا، تواصل مع العيادة ومع بعض الأطباء الذين يعرفهم من المجتمع المسلم المحلي.

أقنع صدِّيقي وأصدقاؤه الأطباء رئيسَ الكلية المحلية بالتبرع بمكان لإقامة العيادة؛ حيث أعادوا تصميم حجرة دراسية لتضم غرف الفحص، وطلبوا من المستشفيات المجاورة أن تتبرَّع بمعداتها الفائضة عن الحاجة. وبعد وقت قصير، أصبحت مؤسسة هووسر كريسينت تستقبل مرضى لم يكونوا قبل ذلك قادرين على تحمل نفقات الرعاية الطبية. قال صدِّيقي "كثير منا محظوظون للغاية، ولكنه من الجلي أن هناك آخرين يكافحون في بلدنا. ومثل الإسلام كمثل الديانات الأخرى، فإنه يخبرنا بأننا مكلفون بمساعدة المحتاجين".

70 عيادة مجانية للمسلمين في ولاية واحدة

يتكرَّر المشهد في إنديانابوليس كل أسبوع في نحو 70 عيادة مجانية، يديرها المسلمون عبر الولايات المتحدة. وقد وجدت دراسة ستُنشر قريباً أجراها نبيل خان، الباحث المشارك في كلية تي. إتش. تشان للصحة العامة التابعة لجامعة هارفارد، ولانس لايرد، الأستاذ المساعد في كلية الطب التابعة لجامعة بوسطن، أنَّ هذه العيادات جميعها تخدم أكثر من 50 ألف مريض سنويّاً. وينتمي جميع هؤلاء في الواقع إلى محدودي الدخل وغير المتمتِّعين بالتأمين الصحي، أو من لديهم تأمين غير كافٍ. بدأت كثير من هذه العيادات بهدف الاستجابة لطلبات المجتمعات المسلمة المحلية غير المستوفاة، لكن دراسة خان ولايرد تظهر أن نحو نصف المرضى الحاليين من غير المسلمين.

تعمل معظم هذه العيادات والمتطوعين فيها بدافع ثنائي؛ فالهدف الأول يتعلق ببساطة بتلبية الحاجات الضخمة. فحتى بعد تطبيق قانون الرعاية الصحية الأمريكي بشكل كامل في عام 2014، ظلَّ 27 مليون شخص راشد لا يتمتع بالتأمين الصحي في الولايات المتحدة، إلى جانب عشرات الملايين ممن لديهم تأمين غير كافٍ. وبحسب صدِّيقي، تعكس مساعدة أكبر عدد ممكن من أولئك الأمريكيين غير القادرين مبدأً أساسياً في الإسلام. يضم الموقع الإلكتروني لمؤسسة هووسر كريسنت ومطبوعاتها آية من الجزء الخامس بالقرآن الكريم تقول: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً".

يلبي الوفاء بذلك الأمر أيضاً هدفاً ثانويّاً للعيادات، وهو التصدي  لسوء الفهم السائد والراسخ عن الإسلام لدى غالبية سكان الولايات المتحدة. إذ يقول أكثر من نصف الأمريكيين غير المسلمين إنهم قلقون من التشدد في المجتمعات الأمريكية المسلمة، ذلك وفقاً لاستفتاء حديث أجرته مؤسسة New America الفكرية. ويقرّ شخص من بين كل ثلاثة أشخاص أنه لا يشعر بالراحة عند رؤية امرأة محجبة أو أي أزياء إسلامية.

ترامب معادٍ للاجئين

وعلى نطاق أوسع، يثير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مشاعر معادية للمهاجرين بشكل مستمر. ووصف قوانين الهجرة في بلاده بأنها "لا تتسم بالكفاءة"، وبأنها "في غاية الغباء". وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث مؤخراً، أنه من بين أعضاء الحزب الجمهوري يظن 38% فقط أنَّ المهاجرين يعزِّزون قوة البلاد.

يقول خان إن تصميم الجالية المسلمة على توفير الرعاية الصحية التي تشتد الحاجة إليها هو بمثابة استجابة بليغة لتلك المشاعر. وأضاف: "تمثل العيادات جيلاً من المسلمين الأمريكيين في مقتبل العمر، وتستكشف كيف يمكنهم التعبير عن إيمانهم والإسهام في البلد الذي يشعرون أنه منحهم فرصاً كبيرة. فمن خلال خدمة المجتمع كله وليس المسلمين الآخرين فقط، يكون لهم تأثير إيجابي على وجهات نظر كثيرين ما زالوا يعدون المسلمين الأمريكيين من الغرباء، على حد وصفهم".

لا تجسد أي من العيادات ذلك الهدف المزدوج أكثر من تلك التي استرعت انتباه صدِّيقي  في البداية، في جاكسونفيل. فقد أسس أعضاء المركز الإسلامي في شرق فلوريدا العيادة في عام 2010، بعد مرور ستة أشهر فقط بعد مهاجمة مركزهم الديني بالقنابل في جريمة كراهية ضد المسلمين. 

تعالج الآن العيادة أكثر من 1000 مريض كل عام، وهي حاليّاً موضوع لفيلم وثائقي جديد بعنوان "Unconditional Care". تقول واحدة من المرضي أُجري معها مقابلة واسمها هيلاني ماكارانو-دينيس، إنها في البداية لم تكن تريد إخبار عائلتها وأصدقائها إنها سعت للحصول على الخدمة الطبية في عيادة يديرها المسلمون. وقالت "بمجرد أن نستخدم كلمة "مسلم"، يتعيَّن علينا أن نجهز دفاعاً عن أنفسنا".

غير أنها لم يكن أمامها أي مكان آخر لتحصل فيه على علاج من مرض فشل القلب الاحتقاني، وقد غيرت استجابة العيادة لها آراءها. أوضحت هيلاني: "إن هذا المكان بمثابة المَنّ الآتي من السماء بالنسبة لي. بكل صراحة أنقذت هذه العيادة حياتي".

عيادات كل عام

يجري تدشين مزيد من تلك العيادات كل سنة. وقد وصلت ثلاث من أقوى تلك العيادات في لوس أنجلوس، وشيكاغو، وهيوستن إلى مكانة المراكز الصحية المؤهلة فيدراليّاً، ما جعلها تستحق تلقي الدعم الفيدرالي. وتجهز المهنيين الصحيين المسلمين (American Muslim Health Professionals) لتوزيع تقرير خان ولايرد، وكذلك الفيلم التسجيلي Unconditional Care، بهدف إلهام مزيد من المتطوعين والمتبرعين. وهناك أيضاً حديث عن أن بعض العيادات المستقلة المتفرقة تجمِّع نفسها لتكوين رابطة بهدف مشاركة أفضل الممارسات.

يقول داعمو العيادة، مثل أصغر سيد من جاكسونفيل، إن حركة العيادات المجانية تُعدُّ جزءاً من انعكاس أنماط الهجرة إلى الولايات المتحدة؛ إذ إن سياسات ما بعد الحرب العالمية الثانية –مثل برنامج تأشيرة H-1 الذي أُنشئ بموجب قانون الهجرة والجنسية لعام 1952– فضَّلت المهاجرين ذوي المهارات، مثل الأطباء والباحثين. 

المسلمون على خطى الكاثوليكيين

وقد أدَّى هذا إلى زيادة أعداد السكان الأمريكيين المسلمين، إلى جانب عدد كبير من المتخصصين داخل ذلك المجتمع. ويقول سيد إنه مع تطوّر بعض العيادات التي يديرها المسلمون من مراكز تقدم خدمات تطوعية في أماكن مُتبرَّع بها إلى مراكز صحية متطورة مُؤهلة فيدراليّاً، فإن المجتمع المسلم يسير على خطى المجتمعات الكاثوليكية واليهودية المهاجرة في الأجيال السابقة. ويضيف: "هذه المجتمعات أسست بعد ذلك المستشفيات والجامعات، فربما تكون هذه العيادات بداية لنا لتأسيس مؤسسات أكثر ثقلاً أيضاً. فمجمعنا الأمريكي المسلم يُعدُّ مجتمع مهاجرين شباب مقارنة بالمجموعات الأخرى. ولكننا أيضاً متميزون من عدة نواحٍ، ومن ثم يمكن أن تكون هذه وسيلتنا لرد الجميل".

يرى متطوعو إنديانابوليس الذين يعملون في مؤسسة هووسر كريسينت الأمورَ بالطريقة نفسها. فقد وضعوا مؤخراً نظام سجلات طبي إلكتروني وتوسعوا ليقدموا خدمات علاجية متنقلة. وتضم الخطوات التالية تقديم رعاية طبية في تخصصي الأسنان والعيون. يقول صدِّيقي: "لدينا التزامات نحو الفئات الأقل حظّاً. وإن كان الوفاء بتلك الالتزامات يحسن من صورة المسلمين في مجتمعنا، فإنها فائدة أخرى. ودائماً ما تكون الأفعال أكثر تأثيراً من الأقوال".

تحميل المزيد