قالت صحيفة The New York Times الأمريكية إن مقاتلي حكومة الوفاق الوطني الليبية اكتشفت مخبأً لصواريخ أمريكية قوية، عادةً لا تُباع إلا لحلفاء الولايات المتحدة المقربين، في مدينةٍ جرى السيطرة عليها من قبضة المُتمردين في الجبال الواقعة جنوب العاصمة طرابلس.
العثور على مخبأ لصواريخ أمريكية في مدينة غريان الليبية
وحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الصواريخ الأربعة المضادة للدروع من طراز "جافلين"، والتي يُكلِّف الواحد منها أكثر من 170 ألف دولار، والتي تم العثور عليها، كانت تحت إمرة ترسانة اللواء حليفة حفتر، الذي تشن قواته حملة عسكرية للسيطرة على ليبيا وإطاحة الحكومة التي تدعمها الولايات المتحدة.
وتشير العلامات والكتابات على حاويات شحن الصواريخ إلى أنَّها بِيعت في الأساس في عام 2008 لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي تُعَد حليفاً مهماً للولايات المتحدة. وفي حال كان الإماراتيون قد نقلوا الأسلحة إلى اللواء حفتر، فإنَّ هذا على الأرجح يُمثِّل انتهاكاً لاتفاقية البيع مع الولايات المتحدة وكذلك لحظر السلاح المفروض من جانب الأمم المتحدة.
ونشر حساب مهتم بالأسلحة يحمل اسم Calibre Obscura على تويتر تغريدةً تضمَّنت صوراً للأسلحة إلى جانب تعليقٍ كُتِب فيه: "ليبيا: أسلحة جرى الاستيلاء عليها من (الجيش الوطني الليبي) حين سيطرت (حكومة الوفاق الوطني) على مدينة غريان، تتضمَّن قاذفات من طراز M79 Osa، وأسلحة آلية ثقيلة، وصاروخاً من طراز 9k113، وأربعة صواريخ على الأقل من طراز FGM-148 Javelin.
وعُثِر كذلك على قاذفات صواريخ صينية من طراز GP-1 عيار 155 ملم، والمعروف أنَّها موجودة في ليبيا، إلى جانب أسلحة أخرى عليها إشارات تفيد بأنَّها من الإمارات. مصدر هذه المعلومات جزئياً هو محلل شؤون الاستخبارات أوديد بيركويتز @Oded121351″.
ووزارتا الخارجية والدفاع الأمريكيتان تحققان في الواقعة
حيث قال مسؤولون بوزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين الجمعة 28 يونيو/حزيران إنَّهم فتحوا تحقيقاتٍ في كيفية وصول الأسلحة إلى ساحة القتال في ليبيا.
فقال مسؤول بوزارة الخارجية في بيان: "نأخذ كل المزاعم بشأن إساءة استخدام معدات الدفاع أمريكية الأصل على محمل الجد. ونحن على علم بتلك التقارير ونسعى للحصول على معلومات إضافية. إنَّنا نتوقع من كل الحاصلين على معدات الدفاع أمريكية الأصل أن يتقيَّدوا بالتزامات المستخدم النهائي".
وأضاف المسؤول أنَّ الولايات المتحدة تدعم المساعي التي تقودها الأمم المتحدة للتوسُّط والوصول إلى حلٍ سلمي للأزمة الليبية.
ورفضت متحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية توفير مزيدٍ من التفاصيل بشأن المسألة.
ورفض السفير الإماراتي لدى واشنطن يوسف العتيبة الإجابة على أسئلة بشأن مصدر الصواريخ.
هذا وقد عُثِر على الصواريخ بعدما نفَّذت القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة هجوماً مفاجئاً ناجحاً يوم الأربعاء 26 يونيو/حزيران على غريان، وهي منطقة جبلية تقع على بُعد 40 ميلاً (64.4 كيلومتر تقريباً) جنوب طرابلس. وكانت غريان تُمثِّل مقر الحملة العسكرية للواء حفتر من أجل السيطرة على طرابلس، وهي الحملة التي تخوضها قواته منذ أبريل/نيسان الماضي.
كانت هذه الصواريخ قد بيعت للإمارات في عام 2008
وبعد السيطرة على غريان، عثر المقاتلون الموالون للحكومة على طائراتٍ بدون طيار صينية الصنع ومجموعة صواريخ جافلين الأربعة أمريكية الصنع في قاعدة مهجورة. تُوجَّه هذه الصواريخ بتكنولوجيا الأشعة تحت الحمراء، ولديها القدرة على تدمير كافة دبابات القتال الرئيسية المُستخدمة حالياً.
تُحدِّد الكتابات على صندوق الصواريخ الشركتين المُصنِّعتين، وهما الشركتان العملاقتان في صناعة الأسلحة Raytheon وLockheed Martin، ورقم عقد يتوافق مع طلبية من صواريخ جافلين بقيمة 115 مليون دولار قدَّمتها الإمارات وسلطنة عُمان عام 2008.
ونشر أوديد بيركويتز تغريدةً قال فيها: "ليبيا: يوفر الفاعلون الأجانب الأسلحة منذ فترةٍ طويلة (بما في ذلك الأسلحة المتطورة) على الرغم من حظر التسلح. لكنَّ تلك الأسلحة المُقدَّمة عادةً كانت أسلحة محلية الصنع من تلك البلدان. أمَّا هذه فأسلحة أمريكية، وهو عامل مُغيِّر لقواعد اللعبة. وكانت قد وُفرِّت أيضاً منظومة Pantsir S-1/SA-22".
سلطنة عُمان ليست طرفاً فاعلاً في الحروب الليبية. لكنَّ الإمارات، تحت حكم قائدها الفعلي ولي العهد محمد بن زايد، هي واحدة من أكثر الداعمين الأجانب الملتزمين بدعم اللواء حفتر.
إذ شنَّت مقاتلات إماراتية غاراتٍ جوية عام 2017 ساعدت اللواء حفتر على السيطرة على بنغازي، بعد سنواتٍ من القتال ضد الميليشيات الإسلامية، وتسبَّبت في تسوية مناطق بأكملها في المنطقة الشرقية بالأرض.
ويدعم الإماراتيون خليفة حفتر للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس
وحين بدأ اللواء حفتر هجومه على طرابلس في 4 أبريل/نيسان 2109 في وجه الكثير من المعارضات الدولية، واصل الإماراتيون دعمه. فقال مسؤول غربي بارز مطلع على تجارة السلاح إنَّ الإماراتيين قدَّموا لحفتر منظومة صواريخ أرض-جو روسية الصنع، وطائرات قتال بدون طيار من طراز Wing Loong صينية الصنع، وطائرات إماراتية بدون طيار.
وقال المسؤول إنَّ الأردن، وهو حليف أمريكي آخر يصطف إلى جانب اللواء حفتر، قد أرسل منظومة مضادة للدروع أردنية الصنع معروفة باسم "نشاب".
في المقابل، تدخَّلت تركيا، وهي منافسة إقليمية للإمارات، واصطفت إلى الجانب الآخر من المعركة، وأرسلت طائرات قتال بدون طيار وعربات مدرعة لمساعدة الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس.
تدعم الولايات المتحدة حكومة طرابلس، التي ساعدت في تنصيبها. لكن بدا أنَّ الرئيس دونالد ترامب يدعم اللواء حفتر وحملته العسكرية بعدما تحدث الرجلان هاتفياً في أبريل/نيسان، وأشاد ترامب بـ"دوره المهم في محاربة الإرهاب".
وتراجع مسؤولون أمريكيون آخرون لاحقاً عن هذا الموقف من خلال التشديد على الدعم الأمريكي للعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة.
وتقدم الامارات اسلحة متطورة الى حفتر لمساعدته ضد الحكومة الليبية
هذه التدخلات الأجنبية تنتهك حظراً تفرضه الأمم المتحدة على كافة مبيعات الأسلحة إلى ليبيا، وتوضح الكيفية التي تحول بها الصراع الذي أشعله الدكتاتور السابق الذي حكم ليبيا طويلاً معمر القذافي في عام 2011 جزئياً إلى صراعٍ بالوكالة بين القوى الإقليمية المتنافسة.
لكنَّ هؤلاء الرعاة الأجانب تفادوا حتى الآن استخدام التكنولوجيا العسكرية الأمريكية مُقيَّدة الاستخدام.
وقال أوديد بيركويتز: "تُقدِّم الإمارات الأسلحة المتطورة إلى المسرح الليبي منذ سنوات. لكن يبدو أنَّها الآن تُلقي بكامل ثقلها. وبعض تلك الأسلحة، مثل صواريخ جافلين، هي أسلحة مُغيِّرة لقواعد اللعبة".
وقال فريدريك ويري، الباحث بمركز كارنيغي والذي ألَّف كتاباً مؤخراً عن ليبيا، إنَّ الجدل بشأن صواريخ جافلين يشير إلى أنَّ الإماراتيين يستعرضون عضلاتهم العسكرية دون اعتبارٍ كبير للقواعد التي وضعها حلفاؤهم الأمريكيون.
وأضاف: "ما نعيشه الآن هو عصرٌ جديد".
استخدم الإماراتيون الأسلحة الأمريكية مُقيَّدة الاستخدام في ليبيا من قبل. فقالت ديبورا جونز، السفيرة الأمريكية السابقة لدى ليبيا، إنَّ المسؤولين الأمريكيين شعروا بالقلق عام 2014 حين قصفت مقاتلات إماراتية أهدافاً غرب ليبيا بذخائر أمريكية.
وجعلت انتقادات إدارة أوباما للتحركات الإماراتية هذه الأمير محمد بن زايد "غاضباً"، فاستدعى جونز التي أُرسِلت إلى أبو ظبي للقائه.
لكنَّ الرئيس ترامب يتمتع بعلاقاتٍ أوثق بكثير مع حلفائه الإماراتيين والسعوديين في الخليج، وهو تقارب يتساءل البعض إن كان قد تسبَّب في تجرُّؤ الإماراتيين في ليبيا.
وقال ويري: "حين قصف الإماراتيون طرابلس عام 2014، كان هناك قلق في البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) وجهودٌ لتحذيرهم. لكن في ظل المناخ الحالي، لك أن تتساءل إن كانوا يدركون كلفة أمرٍ كهذا".