أظهرت وثائق أمريكية توقيع شركة ضغط كندية صفقةً قيمتها 6 ملايين دولار أمريكي، للسعي للحصول على تمويلات حكومية واعتراف دبلوماسي لقائد عسكري سوداني سيئ السمعة اتُّهمت قواته بقتل متظاهرين في الخرطوم.
وحسبما علمت صحيفة The Globe and Mail الكندية، فإنَّ شركة Dickens & Madson (Canada) Inc، ومقرها مونتريال، تعِد بتلميع صورة المجلس العسكري السوداني الذي استولى على السلطة بانقلاب في شهر أبريل/نيسان 2019.
ويقول عقد الضغط: "سوف نبذل قصارى جهدنا لضمان تغطية إعلامية دولية وسودانية محابية".
ضابط استخبارات إسرائيلي لخدمة النظام السوداني
وتُظهر الوثائق أنَّ النظام السوداني يدفع للشركة أيضاً مقابل العثور على معدات لقواته الأمنية، والبحث عن مستثمرين في مجال النفط، والسعي لعقد اجتماع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتحسين العلاقات مع روسيا والسعودية.
ويرأس شركة Dickens & Madson (Canada) Inc آري بن مناشي، وهو ضابط استخبارات إسرائيلي سابق عملت شركته في الماضي، بوصفها جماعة ضغط مأجورة للدكتاتور الزيمبابوي المخلوع روبرت موغابي وقائد الميليشيا الليبية القوي خليفة حفتر.
وقد وقَّع عقد الشركة مع السودان بن مناشي والجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، نائب رئيس المجلس العسكري السوداني، وقائد قوات الدعم السريع، وهي مجموعة شبه عسكرية كانت تُعرف سابقاً باسم الجنجويد، في الوقت الذي زُعم فيه ارتكابها فظائع ومذابح ضد المتمردين في منطقة دارفور.
وكان أعضاء مسلحون من قوات الدعم السريع هم قادة الهجوم الوحشي على المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في الثالث من يونيو/حزيران 2019؛ وهو ما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص وتدمير مخيم التظاهر الأساسي، وذلك وفقاً لمجموعات حقوقية ووسائل الإعلام المستقلة في الخرطوم.
للتغطية على جرائم "العسكر" وقمعهم المدنيين
وقالت منظمة Human Rights Watch في تقرير صدر الخميس 27 يونيو/حزيران 2019: "هم الآن منتشرون بأعداد كبيرة في الخرطوم وبلدات أخرى، مستخدمين العنف ضد المتظاهرين".
وقالت المنظمة إنه لمّا كان قائد قوات الدعم السريع هو أيضاً نائب رئيس المجلس العسكري، فإنَّ هذه القوات "أقوى من أي وقت مضى، من دون مخاوف كثيرة من محاسبتهم على انتهاكاتهم وجرائمهم ضد المدنيين".
وقَّع الجنرال دقلو على عقد الضغط مع الشركة المونتريالية بتاريخ 7 مايو/أيار، وذلك وفقاً للوثائق المقدمة إلى الحكومة الأمريكية بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، الذي يشترط على الشركات التي تقوم بالضغط على الحكومة الأمريكية نيابة عن كيانات أجنبية، الكشف عن علاقاتها بتلك الكيانات.
واتصلت صحيفة The Globe and Mail هاتفياً بمكتب الشركة في مونتريال للحصول على تعليق على عقد السودان، ولكن قيل لها إنَّ بن مناشي كان مسافراً ويتعذر الوصول إليه.
والضغط على الدول الكبرى لدعم النظام السوداني
ويُظهر هذا العقد المقدَّم إلى الحكومة الأمريكية أنَّ الشركة تتلقى أموالاً لكي تضغط على الفروع التنفيذية والتشريعية لحكومة الولايات المتحدة وروسيا والسعودية، إلى جانب الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وربما للضغط على دول ومنظمات أخرى.
وسوف تسعى شركة الضغط "للمساعدة في وضع السياسات وتنفيذها من أجل التنمية المفيدة لأهدافكم السياسية"، وذلك بموجب ما ورد في عقد الشركة مع المجلس العسكري السوداني.
ويقول العقد أيضاً إنَّ الهدف هو "ضمان حصولكم على الاعتراف بوصفكم قيادة انتقالية شرعية لجمهورية السودان، وإنشاء دور إشرافي لمجلسكم".
وفضلاً عن السعي للحصول على معدات عسكرية والاجتماع بترامب، تقول الشركة إنها سوف "تسعى جاهدة لترتيب اجتماعات خاصة لكم مع شخصيات روسية كبيرة وشخصيات سياسية أخرى"، مضيفة أنها سوف "تتعهد بالحصول على تمويل لكم من الولايات المتحدة والاتحاد الروسي ودول أخرى".
وتقترح الشركة أيضاً عقد تحالف بين النظام السوداني وقائد الميليشيات الليبية، حفتر، يقدم بموجبه القائد الليبي "مساعدة عسكرية" للنظام السوداني مقابل الحصول على تمويل من السودان.
غير أن مهمة الشركة لن تكون سهلة
وتواجه الشركة معركة شاقة في محاولة إقناع واشنطن بدعم النظام السوداني. إذ استمرت الولايات المتحدة في تعليق علاقاتها بالسودان، وألقت اللوم على قوات الدعم السريع في "العنف الوحشي" ضد المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية. وأدانت نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكية، ماكيلا جيمس، في شهادة أمام لجنة من الكونغرس، الأسبوع الجاري، "الهجمات المشينة" في الثالث من شهر يونيو/حزيران 2019. وقالت إنَّ "قوات الدعم السريع هي من قادت" هذه الهجمات، ودعت إلى سحب هذه القوات من الخرطوم.
وقد لعب بن مناشي دوراً في فضيحة عام 2011 أدت إلى استقالة آرثر بورتر، رئيس لجنة مراجعة الاستخبارات الأمنية، وهي اللجنة المختصة بمراقبة الاستخبارات الكندية. بحسب تقارير وسائل الإعلام في ذلك الوقت، أبرم بن مناشي اتفاقاً تجارياً مع د. بورتر للحصول على تمويل بقيمة 120 مليون دولار من روسيا لتطوير الجسور والسدود والعبّارات وغيرها من البنى التحتية في سيراليون، حيث وُلد د. بورتر، وهو طبيب أصبح الرئيس التنفيذي للمركز الصحي بجامعة مكغيل عام 2004، واستقال من اللجنة عام 2011 بعد ظهور التقارير.
وأُلقي القبض على بورتر في بنما بتهمة الاحتيال عام 2013 فيما يتعلق بمخطط للرشوة تورطت فيه الشركة العملاقة في مجال الهندسة SNC-Lavalin، والتي قيل إنها دفعت له ولمدير كبير آخر في المركز الصحي بجامعة مكغيل رِشا تقدَّر بالملايين مقابل معلومات من شأنها مساعدة الشركة على الفوز بمناقصة لبناء المستشفى الجديد للمركز الصحي. ومات بورتر عام 2015 في أثناء انتظار تسليمه من بنما.