حين زار كريستوفر كار، الباحث بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) شاطئ الرمال الخضراء في هاواي وهو في التاسعة من عمره، على الأرجح لم يكن يتوقَّع أن يستخدم البلُّورات الأولفينية تحت قدمَيه، في البحث يوماً ما عن الحياة خارج كوكب الأرض، بحسب ما نشره موقع Big Think الأمريكي.
الآن أصبح كار كبيرَ المحققين العلميّين في هيئة البحث عن جينومات خارج الأرض (SETG)، التي يطوِّرها قسم العلوم الأرضية والمناخية والكوكبية (EAPS) بمعهد MIT، بالاشتراك مع مستشفى ماساتشوستس العام، ويعمل على دمج عوالم البيولوجيا، والجيولوجيا، وعلم الكواكب، بهدف المساعدة في فهم كيفية تطوُّر الحياة في المريخ وباقي أنحاء الكون.
محاكاة أنواع التربة
يقول كار: "تاريخنا الذي كشفت عنه العلوم هو قصةٌ مدهشةٌ بحقٍّ. أنا وأنت جزءٌ من سلسلةٍ متَّصلةٍ من 4 مليارات سنةٍ من التطوُّر، أريد معرفة المزيد عن تلك القصة".
كان أول مَن اقترح إنشاء هيئة SETG هو أستاذ علم الوراثة بكلية الطب بجامعة هارفارد، غاري روفكون، وترأستها منذ عام 2005 ماريا زوبر، التي تشغل منصب أستاذة "إي. إيه غريزوورلد" لفيزياء الأرض بقسم EAPS، ونائبة رئيس البحوث بمعهد MIT.
بصفته كبير المحققين العلميين لهيئة SETG، أسهم كار -ومعه فريق كبير من العلماء والمهندسين- في تطوير أجهزةٍ قادرةٍ على تحمُّل الإشعاعات والتعرُّف على الأحماض النووية، التي تحمل المعلومات الجينية لدى معظم الكائنات الحية، في بيئاتٍ فضائيةٍ.
والآن يعمل كار وزملاؤه على موالفة الأجهزة موالفةً دقيقةً لتعمل على الكوكب الأحمر. ولتحقيق ذلك، احتاج الفريق إلى محاكاة أنواع التربة التي يُعتَقَد أنها تحمل أدلةً على وجود حياةٍ على المريخ، ولأجل ذلك، احتاجوا إلى عالم جيولوجيا.
فكان أنجيل موهارو، طالب الدراسات العليا بقسم EAPS، على استعدادٍ لتولِّي المهمة، وأمضى موهارو شهوراً في تصنيع ترباتٍ مرّيخيةٍ تمثِّل مناطق مختلفةً من المريخ، كما أوضحت بيانات المسبار مستكشف المرِّيخ المتجول Mars roaver.
سلاسل الحمض النووي
ويقول موهارو: "تبيَّن أن بوسعك شراء معظم الصخور والمعادن الموجودة على المريخ عبر الإنترنت"، ولكن ليس كلّها.
كانت من مكوِّنات التربات، الصعب العثور عليها، البلُّورات الأولفينية من الشاطئ الذي زاره كار في طفولته، وقال: "اتَّصلت بوالديَّ وقلت:
أيُمكنُكما العثور على الرمل الأولفيني في القبو وإرسال بعضه لي؟"
بعد صُنع مجموعةٍ من التربات المحاكية لتربات المريخ، أراد موهارو استبيان قدرة أجهزة SETG على استخراج كمياتٍ صغيرةٍ من الأحماض النووية المدفونة بتلك التربات، والتعرُّف عليها، كما ستفعل في بعثة المريخ المستقبلية.
وبينما هناك الكثير من التقنيات الموجودة بالفعل على الأرض لالتقاط الأحماض النووية وترتيبها تسلسلياً، فإن تصغير الأجهزة إلى حجمٍ مناسبٍ لوضعها على مستكشفٍ جوالٍ، وتحمُّل النقل من كوكب الأرض، وإجراء ترتيباتٍ تسلسليةٍ عالية الدقة في بيئةٍ مريخيةٍ قاسيةٍ هو تحدٍّ فريدٌ في نوعه. ويقول كار: "هذه خطواتٌ كثيرةٌ جداً، مهما كانت تكنولوجيا التسلسل عليه في الوقت الحاليِّ".
وقد تطوَّرت أجهزة SETG وتحسَّنت منذ بدء تطويرها عام 2005، وحالياً يعمل الفريق على الاستعانة بوسيلةٍ جديدةٍ تُسمَّى سلسلة ثقب النانو (nanopore sequencing). إذ يقول موهارو: "في سلسلة ثقب النانو، تنتقل سلاسل الحمض النووي عبر ثقوبٍ نانويَّة الحجم، ويُلتَقط تسلسل القواعد بواسطة التغيُّرات في التيار الأيوني".
في حدِّ ذاتها، لم تحتوِ تربات موهارو المحاكية لتربات المريخ على ميكروباتٍ، لذا لأجل اختبار سلسلة ثقب النانو للحمض النووي وتطويرها في التربات المحاكية للمريخ، أضاف موهارو كمِّياتٍ معروفةً من الأبواغ "خلايا تكاثرٍ لا جنسيٍّ" من البكتيريا العصوية الرقيقة إلى التربات.
وعلى حدِّ قول موهارو، بلا أي مساعدةٍ بشريةٍ على المريخ، سيكون على أجهزة SETG أن تستطيع جمع الأحماض النووية وتنقيتها وتجهيزها للترتيب التسلسلي، وهي عمليةٌ تستلزم في المعتاد ميكروغراماً للأحماض النووية على الأرض.
التمييز بين الحياة المريخية والميكروبات الأرضية
نُشِرت النتائج التي توصَّل إليها الفريق باستخدام وسيلة الترتيب التسلسلي والتحضير الجديدة في مجلة Astrobiology، وقد تمكَّنت من التقاط الأحماض النووية على مستوى الأجزاء من المليار، أي أنه حتى أدق آثار الحياة يمكن للجهاز التقاطها وترتيبها تسلسلياً.
ويضيف موهارو:
"لا ينطبق هذا على المريخ فقط… بل لهذه النتائج تطبيقاتٌ في مجالاتٍ أخرى كذلك".
واستُخدِمَت وسائل الترتيب التسلسليِّ للأحماض النووية على الأرض للمساعدة في السيطرة على تفشِّيات الإيبولا وتتبُّعها، وكذلك في البحوث الطبية.
علاوةً على ذلك، يمكن للتحسينات الطارئة على أجهزة SETG أن تُطبَّق في حماية الكوكب، التي تهدف إلى منع التلوُّث البيولوجيِّ الناشئ على كوكب الأرض للبيئات الفضائية والحدِّ منه.
وكذلك استطاع موهارو التمييز بين الحمض النوويِّ البشريِّ والحمض النوويِّ للعصوية الرقيقة، بفضل قدرات الالتقاط الجديدة لأجهزة SETG. ويقول موهارو:
"إذا استطعنا التقاط الحياة على كواكب أخرى، فسنحتاج إلى طريقةٍ للتمييز بين الحياة المريخية والميكروبات المنتقلة من الأرض".
وفي بحثهما المنشور، يقترح موهارو وكار أن هذه التطوُّرات قد تسدُّ بعض فجوات تاريخ الحياة على الأرض. إذ يقول كار:
"إذا وُجِدت حياةٌ على المريخ فهناك احتمالٌ كبيرٌ لأن تكون على صلةٍ بنا".
مستشهداً بدراساتٍ سابقةٍ تصف تبادل الموادِّ بين الكواكب أثناء فترة القصف الشديد المتأخر "فترة زمنية امتدت مما قبل 4.1 إلى 3.8 مليار سنة، يُعتقد أنه قد تكوَّن خلالها عددٌ كبيرٌ من الفوَّهات الصدمية على القمر وعطارد والزهرة والأرض والمريخ".
وتابع كار قائلاً إنه إذا نجحت أجهزة SETG في التقاط الأحماض النووية على المريخ، وترتيبها تسلسلياً في المستقبل، فيمكن للنتائج أن "تعيد صياغة مفهومنا ذاته عن أصولنا".