هل سبق أن شعرت بألم في قلبك؟ عندما نفقد إنساناً عزيزاً، أو نرزح تحت ضغوط معينة، أو نعاني من الحب، أو حتى عندما نشاهد شخصاً آخر يتألم نشعر حرفياً بـ "ألم" في قلوبنا.
فلماذا نشعر بهذا الألم، وهل يختلف عن الألم الجسدي الذي نعاني منه عندما نتعرض لإصابة أو مرض؟
موقع Psychology Today الأمريكي يجيبنا عن هذه الأسئلة:
الألم الاجتماعي والألم العضوي
اكتشف علماء الأعصاب في إيطاليا أن "المعاناة الاجتماعية" تحفز في المخ المناطق ذاتها التي يحفزها الألم الجسدي.
ووجد الباحثون أيضاً أن رؤية المعاناة الاجتماعية لشخص آخر تحفز استجابة مشابهة للاستجابة للألم الجسدي، بسبب التعاطف لدى معظم المشاركين في الاختبار.
تحدث المعاناة الاجتماعية بسبب أحداث مثل الشعور بالإقصاء من العلاقات أو الأنشطة الاجتماعية أو الرفض، أو التنمر، أو مرض أو موت شخص عزيز، أو إنهاء علاقة رومانسية.
وجدت الدراسة الجديدة أن المعاناة الاجتماعية تثير الإشارات العصبية ذاتها، سواء كان الشخص يعاني من مثل هذه الأحداث شخصياً أو إذا شعر بالألم تعاطفاً مع المعاناة الاجتماعية لشخص آخر.
ومن وجهة نظر تطورية، فاستجابات الألم هذه تحمي الفرد، وتقوي أيضاً التواصل الاجتماعي، ما من شأنه أن يحمي الجماعة.
جزيرة رايل المسؤولة عن الألم
في كل نصف من المخ توجد جزيرة رايل، وهي جزيرة مصنوعة من أنسجة دماغية بحجم بلحة غائرة في القشرة المخية.
وتنقسم القشرة الجزيرية إلى جزئين: الجزيرة الأمامية الكبرى، والجزيرة الخلفية الصغرى.
هذه الجزر ترتبط بشكل وثيق بالوعي، والمشاعر، وتنظيم توازن الجسم.
تشمل الوظائف الأخرى للقشرة الجزيرية الإدراك والتحكم الحركي والوعي الذاتي والأداء الإدراكي، والترابط الشخصي الداخلي.
تدعم الاكتشافات الجديدة دراسة نُشرت في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2012، في مجلة Brain العلمية، تحت عنوان "القشرة الجزيرية الأمامية ضرورية لإدراك الألم الناتج عن التعاطف".
حيث تشير أدلة التصوير العصبي إلى أن رؤية معاناة وألم الآخرين تتسبب في تنشيط القشرة الجزيرية الأمامية والقشرة الحزامية المرتبطتين برد فعل تعاطفي يعبر عنه الفرد الخاضع للاختبار.
وتدعم الاكتشافات النموذج النظري للتعاطف الذي يفسر الانخراط في مشاعر الآخرين، بحقيقة أن ما نشعر به ما هو إلا تمثيل لمشاعرنا إذا مررنا بظروف مشابهة.
ماذا يحدث في دماغنا عندما نتعاطف مع الآخرين؟
لا نشعر بالألم فقط عندما نتأذى نفسياً فقط، بل إننا قد نشعر بالألم أيضاً إذا كان أحد الأشخاص العزيزين على قلوبنا يشعر بالألم، وهذا ما يسمى بالتعاطف.
أظهرت الأبحاث أنه في حالة التعاطف تتنشط أيضاً ذات المنطقة المسؤولة عن الألم في الدماغ، إذ إن دماغنا يترجم آلام الأشخاص الذين نحبهم على أنهم تهديد لنا نحن شخصياً.
لكن في حالة التعاطف لوحظ أن حدة التنبيه تكون أخف وطأة، وبالتالي فإننا لا نشعر بنفس المقدار من الألم عندما نتعرض بأنفسنا لمعاناة ما.
كما أن قدرتك على أن تضع نفسك مكان شخص آخر قد تتوقف على مستوى حيوي عصبي عميق، بناء على معرفتك بهذا الشخص.
وظهرت دراسة في نسخة شهر أغسطس/آب عام 2013، من مجلة Social Cognitive and Affective Neuroscience العلمية، بعنوان "الألفة تذيب الخط الفاصل بين الذات والآخرين في التمثيل العصبي للتهديدات".
وطبقاً للباحثين، يضع العقل البشري الغرباء كلهم في سلة واحدة، ويضع من نعرفهم في قسم آخر.
الأشخاص الموجودون في شبكة علاقاتك الاجتماعية يلتحمون حرفياً مع إحساسك بنفسك على المستوى العصبي.
فالألفة قد تجعل الآخرين جزءاً منا.
ماذا عن أولئك الذين لا يتعاطفون مع الآخرين
الاعتلال النفسي هو اضطراب في الشخصية، يتميز بقلة التعاطف وتأنيب الضمير، وضحالة المشاعر، وظهور القسوة.
عندما يتخيل المعتلون نفسياً الآخرين وهم يتألمون، وجد الباحثون أن أجزاء المخ اللازمة للشعور بالتعاطف تفشل في أن تنشط .
نشر قسم علم النفس في جامعة شيكاغو دراسة في شهر سبتمبر/أيلول 2013، في مجلة Frontiers in Human Neuroscience العلمية، دراسة وجدت أن الجذور العصبية لسلوك مرضى الاعتلال النفسي مرتبطة أيضاً بالقشرة الجزيرية ومناطق أخرى من المخ تشترك في الإحساس بالألم.
زيادة النشاط بين تيارات معينة في المخ مرتبطة بالألم لم يكن صريحاً وواضحاً عادة في مرضى الاعتلال النفسي.
وجد الباحثون أن مرضى الاعتلال النفسي بدرجات كبيرة قد يكونون حساسين جداً لدى التفكير في ألمِهم، لكن يوجد انقطاع كهربائي صغير في المخ، جعلهم غير قادرين على التعاطف مع المعاناة الاجتماعية أو الجسدية لشخص آخر.
عندما تخيل المشاركون حدوث الألم للآخرين، لم تنجح هذه المناطق في أن تنشط فيمن يعانون من درجات كبيرة من الاعتلال النفسي.
أولئك الذين يفرحون بآلام الآخرين مصابون بالاعتلال النفسي الشديد
في تحول سادي، عندما كان مرضى الاعتلال النفسي يتخيلون الآخرين في ألم، فإنهم يظهرون في الحقيقية ردة فعل في منطقة المخطط البطني، وهي منطقة معروف ارتباطها بالشعور بالفرح.
وبناءً على هذا التقييم، قُسِّم المشاركون من حيث الاعتلال النفسي إلى ثلاث مجموعات وهي مرتفع، ومتوسط، وضعيف.
عُرض على المشاركين في الدراسة مجموعة متنوعة من السيناريوهات البصرية بها ألم جسدي، مثل إصبع عالق بين الباب، أو إصبع قدم محشور أسفل حمل ثقيل.
ثم طُلب منهم أن يتخيَّلوا أن هذه الحادثة حدثت لهم، أو لشخص آخر.
وعُرض عليهم صور لا تحمل أي مواقف مؤلمة، مثل يد تفتح مقبض باب، بغرض المقارنة المنضبطة.
وعندما تخيل المعتلون نفسياً من المجموعة المرتفعة أنفسهم وهم يتعرضون للألم، أظهروا الاستجابات العصبية المعتادة في مناطق المخ المرتبطة بالتعاطف مع الألم، مثل الجزيرة الأمامية، والتلفيف الحزامي، والقشرة الحسية الجسدية، واللوزة اليمنى.
لكن المناطق ذاتها لم تُظهر استجابات عندما كان الشخص يشاهد معاناة شخص آخر.
علاج الاعتلال النفسي
هناك أدلة قوية تشير إلى أن الجزيرة يمكن تغيير شكلها وتغيير الوصلات بها عن طريق تمارين التأمل والتركيز على الحب والعطف.
يمكن أن تتكتل الخلايا العصبية حرفياً وتتصل أفضل ببعضها عن طريق تمارين التركيز، وهذا من شأنه تحسين ردة الفعل التعاطفية في الجزيرة.
تؤدي الجزيرة وظيفتها تحت مستوى عالٍ من التحكم التلقائي، مما يعني أنها قد تنتفع كثيراً من تمارين التركيز اليومية الثابتة الشديدة.
ووجد البحث العلمي أن الأنواع المختلفة من تمارين التركيز والتأمل تتسبب في تغيرات في المخ، تتعلق أكثر بردّ الفعل التلقائي للشفقة، والحب والعطف والتعاطف لمعاناة الآخرين.
باختصار، يمكن للقلوب أن تلين بالتمرين.
إن الطرق الحالية لدراسة التغيرات في مناطق محددة بالمخ مثل القشرة الجزيرية من خلال التأمل والتركيز ما زالت أساليب وليدة.
ويقال إن العادات اليومية مثل التركيز وتأمل الحب والعطف تغير على الأغلب تركيب ووظيفة الفصِّ الجزيري، وله القدرة على تحسين التعاطف على المستوى العصبي.