قد تكون على درايةٍ بأنَّ الأمعاء والجلد موطنان لمجموعة من الميكروبات -سواءٌ الفطريات والبكتيريا والفيروسات- التي تعد مهمة جداً للحفاظ على صحتك. ولكن هل تعلم أنَّ هناك ميكروبيوم العين أي مجموعة من الميكروبات الفريدة من نوعها؟
يُطلَق على كل هذه الميكروبات معاً اسم ميكروبيوم العين، وحين يحدث بها خللٌ ما، كأن تزداد كمية أنواع معينة أو تقل بدرجةٍ أكبر من اللازم، تظهر أمراض العين.
وبالاستعانة بدراسةٍ حديثة أظهرت أنَّ البكتيريا تعيش على سطح العين وتُحفِّز مناعةً وقائية، بدأ العلماء في اكتشاف العوامل الميكروبية التي يمكن استغلالها لإنشاء علاجات مبتكرة لمجموعة من اضطرابات العين مثل مرض جفاف العين ومتلازمة شوغرن وتندُّب القرنية.
ويوماً ما، قد يُصبح من الممكن تصميم بكتيريا معينة لعلاج أمراض العين لدى البشر.
موقع Live Science نشر تقريراً للاختصاصي في علم المناعة توني ليغر، الذي يدرس كيف تقي العين نفسها من العدوى.
يؤمن ليغر بأنَّ فهم كيفية تأثير البكتيريا في المناعة قد يكون مفتاح تجنُّب نحو مليون زيارة إلى الأطباء، بسبب التهابات العين، وتوفير 174 مليون دولار أمريكي سنوياً في الولايات المتحدة وحدها.
ميكروبيوم العين
عند الحديث عن الميكروبيوم، فعادةً ما تكون الأمعاء هي أول ما يتبادر إلى ذهن معظم العلماء، وهم مُحقون في ذلك؛ إذ يعتقد الباحثون أنَّ القولون يمكن أن يحتوي على أكثر من 10 تريليونات من البكتيريا.
ومع ذلك، يُسلَّط الآن تركيزٌ أكبر على التأثير الذي تؤديه الميكروبات في أماكن أخرى بالجسم، وضمن ذلك الجلد، والمناطق التي تحتوي على عدد قليل جداً من البكتيريا، مثل الرئتين والمهبل والعينين.
وعلى مرِّ العقد الماضي، كان دور الميكروبيوم في صحة العين مثيراً للجدل.
إذ كان بعض العلماء يعتقدون أنَّ العيون السليمة لا تحتوي على ميكروبيوم مُنظَّم.
في حين أظهرت دراساتٌ أن البكتيريا الآتية من الهواء أو اليدين أو هوامش الجفون يمكن أن تكون موجودة على العين، بيد أنَّ كثيرين يعتقدون أنَّ هذه الميكروبات تقُتَل أو تُجرَف بواسطة تدفق الدموع المستمر.
ولم يتوصَّل العلماء إلَّا مؤخراً إلى أنَّ العين تحتوي بالفعل على ميكروبيوم "أساسي"، يبدو أنه يعتمد على العمر والمنطقة الجغرافية والعرق وارتداء العدسات اللاصقة وحالة المرض.
ويقتصر الميكروبيوم الأساسي على أربعة أجناس من البكتيريا:
- المكورات العنقودية
- عصيات الخناق
- البروبيونية العدية
- المكورات العقدية
وبالإضافة إلى هذه البكتيريا، يعد فيروس Torque Teno، المتسبب في بعض الأمراض التي تنشأ داخل العين، كذلك عضواً في الميكروبيوم الأساسي، لأنه موجودٌ على سطح أعيُن 65% من الأشخاص الأصحاء.
المضادات الحيوية تقضي على ميكروبيوم العين
وهذا يشير إلى أنَّ الأطباء يجب أن يفكروا بعمق أكبر في المخاطر والفوائد التي ستعود على الميكروبيوم عند وصف المضادات الحيوية.
فالمضادات الحيوية قد تقتل البكتيريا التي تفيد العين.
ففي دراسةٍ حديثة امتدت على مرِّ أكثر من عقد وشملت أكثر من 340 ألف مريض في الولايات المتحدة، وجد مؤلفوها أنَّ المضادات الحيوية استُخدمت لعلاج 60% من حالات التهاب الملتحمة الحاد (العين الوردية).
لكنَّ الالتهابات الفيروسية هي الأسباب الأرجح للعين الوردية، ولا يمكن علاجها بالمضادات الحيوية.
والأكثر إثارة للدهشة أنَّ حتى بعض الحالات التي تسببها البكتيريا قد عولجت وحدها في كثيرٍ من الأحيان، في مدةٍ تراوحت بين 7 و10 أيام دون تدخُّل.
ومن المعروف أنَّ الاستخدام المفرط أو غير المناسب للمضادات الحيوية يمكن أن يعطل الميكروبيوم، وهو ما يؤدي إلى العدوى، وأمراض المناعة الذاتية، وحتى الإصابة بالسرطان.
اكتشاف ميكروب يستعمر العين
في العقد الماضي، ازدهرت دراسات تقييم ميكروبيوم العين وأمراضها. وأسفرت هذه الدراسات عن كميةٍ هائلة من البيانات، لكنَّ معظمها مرتبط بعوامل أخرى.
وهذا يعني أنَّ بعض البكتيريا رُبِطَت بأمراضٍ معينة، مثل متلازمة شوغرن أو التهاب القرنية البكتيري. ومع ذلك، ما زال من غير الواضح ما إذا كانت هذه البكتيريا تسبب تلك الأمراض.
وفي أثناء فترة وجود ليغر بالمعهد القومي الأمريكي للعيون، استخدمت الفئران لتحديد ما إذا كانت البكتيريا الموجودة على سطح العين يمكن أن تحفز استجابةً مناعية لحماية العين من مسببات العمى مثل بكتيريا الزائفة الزنجارية.
وفي عام 2016، افترض مع راتشيل كاسبي، المتخصصة بعلم المناعة، في المعهد القومي للعيون، أنَّ البكتيريا الواقية تعيش بالقرب من العين أو على سطحها.
وتبين أن هناك بكتيريا مقيمة، وهي بكتيريا وتدية مُلهبة، تحفز الخلايا المناعية لإنتاج عوامل مضادة للميكروبات تقتل الميكروبات الضارة في الدموع، وإفرازها.
وعبر سلسلةٍ من التجارب، تمكن مختبر كاسبي لأول مرة، من إظهار علاقة سببية بين البكتيريا الوتدية المُلهِبة واستجابةٍ مناعية وقائية.
فحين تكون البكتيريا الوتدية المُلهِبة موجودة على سطح العين، تزداد مقاومة الفئران لنوعين من البكتيريا المعروفة بأنها تسبب العمى: المبيضة البيضاء، والزائفة الزنجارية.
والآن يدرس العلماء العلاقة بين البكتيريا الوتدية المُلهِبة ومناعة العين، لتطوير علاجاتٍ جديدة لمنع العدوى، وربما استهداف أمراض أكثر انتشاراً مثل مرض جفاف العين.
تعديل البكتيريا لتحسين صحة العين
تتمثل الخطوة الأولى نحو تطوير مثل هذه العلاجات في معرفة كيفية استعمار البكتيريا للعين.
ففي الأمعاء، أظهرت البكتيريا المعدلة وراثياً أنها تخفف من حدة بعض الأمراض مثل التهاب القولون.
وأمل ليغر وزملاؤه من الباحثين أن يعمل العلاج العيني الذاتي الجديد على إفراز العوامل المنظمة للمناعة، والتي ستحد من الأعراض المرتبطة ببعض الحالات مثل مرض جفاف العين الذي يصيب نحو 4 ملايين شخص في الولايات المتحدة سنوياً.
وصحيحٌ أنَّه ما زال هناك كثير من الأشياء التي ينبغي تعلمها في هذا المجال النامي قبل أن يتمكن الأطباء من البدء في التلاعب بميكروبيوم العين لمكافحة الأمراض.
ولكن في يوم من الأيام، بدلاً من أن تضع قطرات العين في عيونك الجافة، ربما ستجد نفسك تضع محلولاً مكوناً من بعض البكتيريا التي تستعمر عينيك وتفرز مواد التشحيم والعوامل الأخرى التي يفتقر إليها جسمك.