النوم يزيد عدد الناخبين والمشاركين في الحياة المدنية. على الأغلب لن تسمع المرشحون لانتخابات أمريكا المقبلة يناقشون أهمية النوم في تأمين أعداد أكبر أمام صناديق الاقتراع، لكن هذا ما اكتشفته دراسةٌ جديدة أجراها مجموعة من الباحثين بالولايات المتحدة وألمانيا.
وبينما يناقش أنصار الحزب الديمقراطي الأمريكي طرق زيادة مشاركة الناخبين في انتخابات 2020، ظهرت بمجلة Nature Human Behaviour العلمية نقطةٌ كانت مفقودة، ستشكل تحدياً جديداً لصانعي السياسات والحملات الانتخابية.
قلة النوم تقلص الإنتاجية، والقيلولة ترفعها
أصبح النوم بالسنوات الأخيرة مسألةً مهمة في البحث العلمي، وفق ما نشره موقع Big Think الأمريكي.
ينام 40% من الأمريكيين أقل من 7 ساعات بالليلة، وهو ما نتج عنه نقصٌ في الإنتاجية، وزيادة الحوادث، وزيادة احتمالية فقدان الذاكرة. وقد صار الأرق مصدر قلق متزايد بالنسبة للملايين.
لكن العكس صحيح أيضاً. فمثلاً النوم فترة القيلولة يزيد الإنتاجية والتركيز في العمل.
وتساعد نوبات النوم القصيرة على زيادة حدة حواسنا، وتقوية جهازنا المناعي، وتقليل احتمالية الأمراض القلبية، وتساعدنا على حل المشاكل المعقدة، وتُحسِّن من الحالة المزاجية وتزيد من الأداء الإدراكي.
فالليالي المنتظمة من النوم الجيد تحقق كثيراً من الأهداف المماثلة.
النوم يزيد عدد الناخبين
بالنسبة لهذه الدراسة، أراد الفريق الذي يضم جون هولبين (قسم العلوم السياسية، جامعة بريغهام يونغ، بمدينة بروفو، في ولاية يوتا)، وجيروم شافر (قسم العلوم السياسية، جامعة لودفيغ ماكسيميليانس، بمدينة ميونيخ)، وديفيد ديكنسون (قسم الاقتصاد، جامعة ولاية أبالاتشيان، بمدينة بون، بولاية كارولينا الشمالية)، معرفة إذا ما كان النوم يقلل من المشاركة المدنية. ووجدوا باستخدام ثلاث طرق للاختبار أن الإجابة إيجابية.
كتب الفريق أنه على مرِّ العقود الستة الماضية، تزداد أعداد المواطنين بالمجتمعات الصناعية الذين لا يحصلون على قدر كافٍ من النوم، فالعدد تضاعف 4 مرات في هذه الفترة.
ويقدرون أن هناك ما بين 50 و70 مليون أمريكي يعانون الحرمان من النوم على نحو مزمن.
والآثار الصحية السلبية لهذا على مستوى الفرد مدروسة جيداً. لكن كيف يؤثر هذا على المجتمع، حتى وإن كان بقدرٍ أقل.
وجد الفريق، بعد أن أجرى 3 دراسات تكميلية، أن قلة النوم تعني قلة المشاركة في الانتخابات.
المزاج السيئ يمنع من المشاركة المدنية
بغض النظر عن نيتهم، عندما لا يحصل المواطنون على الراحة الكافية، يصعب تحقيق ذلك معهم. وكتب الفريق في الدراسة:
"قد يعاني الأفراد الذين لا ينامون بما يكفي والمجهَدون دائماً، في المشاركة، حتى لو كانوا يريدون ذلك فعلاً. قد يفتقر مثل هؤلاء الأفراد إلى الدافع والقدرة والعلاقات الاجتماعية للتغلُّب على العقبات أو المشتتات أو النفقات التي يواجهونها بالطريق للمشاركة في العمليات الاجتماعية التي تفيد المجتمع".
الأمر لا يقتصر على التصويت فقط، فالسلوكيات الأخرى الداعمة للمجتمع مقصودة أيضاً في هذا النقاش، مثل التوقيع على العرائض، والتبرع بالمال للجمعيات الخيرية.
في حين يقول عديد من هؤلاء المواطنين إنهم يودون المشاركة بالمجتمع.
القصة ليست في البيانات والأرقام، لكن عندما يكون الشخص في مزاج سيئ أو يشعر بالهزال بسبب قلة النوم، فهذا يؤثر سلباً على دوافعهم. ويؤثر سلباً على الأمة.
الحرمان من النوم يصعِّب إنجاز المهام
هناك عديد من الأسباب التي تجعل المواطنين يمتنعون عن التصويت. ففي عام 2016، أدلى 58% من المصوتين الذين تنطبق عليهم شروط الانتخاب بأصواتهم في أمريكا، وهو ما يقل بنسبة 8% عن انتخابات 2008.
وصلت نسبة المشاركين في انتخابات التجديد النصفي في 2018 إلى أعلى معدل لها منذ 50 عاماً، وهذا يعني كثيراً من النوم!
لكن لا يمكن تحقيق نتيجة مُرضية في انتخابات عام 2020 بأمريكا، إلا إذا نام الناخبون بشكل كافٍ.
فمثلما يقول جون هولبين عن عواقب الحرمان من النوم:
"هذا يوضح أن عديداً من الناس يريدون المشاركة، لكنهم متعَبون للغاية. فالحرمان من النوم له عواقب خطيرة على الصحة الاجتماعية لمجتمعاتنا. فهذا لا يُصعِّب عليهم إنجاز أعمالهم أو التميُّز في المدرسة وحسب، بل إنه يُقلِّل من احتمالية مساهمتهم في سبل بناء الديمقراطية".
يشير هوبلين إلى أنه عندما لا نحصل على قدر كاف من النوم، نصبح أنانيين. ونركز على أنفسنا أكثر، ولا نولي المجتمع الاهتمام اللازم. وعلى الرغم من أننا يمكننا فهم الأسباب الوظيفية والفيزيولوجية لهذا، لكن هذا لا يساعد في بناء أمة عظيمة.
وماذا عن نوم المرشحين أنفسهم؟
ربما يجب أن يضم الخطاب الانتخابي القادم للمرشحين الديمقراطيين نبذة عن فوائد النوم. في الحقيقة طرحت صحيفة New York Times الأمريكية مؤخراً في نسخة خاصة، سؤالاً على 21 منهم وكان السؤال: "كم عدد ساعات النوم التي تحظى بها في الليلة؟".
وكانت الإجابة العظمى: "ليس بما يكفي".
لم يُجب إجابة مختلفة وهي "8 ساعات" سوى اثنين: إليزابيث وارن، وكريستين غيليبراند.
ربما ضحك إريك سوالويلي وهو يجيب "4"، لكن للأسف هذه الإجابة ليست جيدة بالنسبة لصحته (أو بالنسبة لأمريكا).
سؤال الناخبين عن عادات نومهم قد يفاجئ بعضاً منهم، لكن العلم واضح.
إذا كنا نطلب هذا من أنفسنا، فيجب أن نطلبه من زعمائنا أيضاً. فعندما يتعلَّق الأمر بالمشاركة الديمقراطية، جهد الجميع مطلوب.