عندما تخوض سباقاً لمسافة بسيطة، فأنت تجري بأقصى سرعة لديك، وكلما زادت المسافة قلت السرعة شيئاً فشيئاً. وربما تكون لاحظت السرعة التي يركض بها المشاركون في الماراثونات الطويلة جداً.
يبدو أن أجسادنا تتكيف مع المجهود البدني المطوّل والمتكرر، عن طريق حرق عدد أقل من السعرات الحرارية على مدار اليوم، حتى لو استمر المجهود في نفس المستوى.
لسنوات عديدة، حاول العلماء فهم إلى أي مدى يكون حدّ تحمل الإنسان، ويتم تحديد هذا الحد لما يمكننا القيام به إلى أجل غير مسمى، من خلال السرعة التي يمكننا بها استعادة السعرات الحرارية، لأننا يجب أن نكون قادرين على تجديد السعرات الحرارية التي نحرقها كل يوم إذا أردنا أن تظل الطاقة في حالة توازن.
يتم تعيين حدِّ توازن الطاقة هذا، وهو الحد الذي يمكن أن نحافظ عليه إلى الأبد، من خلال مدى السرعة التي يمكن أن تجلب بها أمعاؤنا السعرات الحرارية إلى أجسامنا.
دراسة جديدة.. هناك حدٌّ لتحمل الإنسان
ولمعرفة هذا الحد، أجرت مجموعة من الباحثين دراسةً علمية حديثة، نُشرت في مجلة Science Advances، حول استهلاك الطاقة خلال بعضِ أطول الأحداث الرياضية في العالم وأكثرها قسوة.
فقد وجد الباحثون أنه عندما يتعلق الأمر بالأنشطة البدنية التي تستغرق أياماً وأسابيع وشهوراً، لا يمكن للبشر أن يحرقوا السعرات الحرارية إلا بمعدل 2.5 ضعف معدل الأيض أثناء الراحة. ووجد الباحثون أن أسرع العدائين في العالم أيضاً لم يتمكنوا من تجاوز هذا الحد.
ومعدل الأيض أثناء الراحة هو مقياس لعدد السعرات الحرارية التي يحرقها الجسم للاحتياجات الفسيولوجية الأساسية، مثل الحفاظ على درجة حرارة الجسم والتنفس.
آلية إجراء الدراسة
بالنسبة للدراسة، قام الفريق بقياس السعرات الحرارية اليومية التي أحرقتها مجموعة من الرياضيين الذين خاضوا ستة سباقات ماراثون في الأسبوع، لمدة خمسة أشهر، كجزء من سباق عام 2015 عبر الولايات المتحدة الأمريكية، وهو سباق يمتدُّ على مسافة 3000 ميل من كاليفورنيا إلى واشنطن العاصمة.
نتائج الدراسة
عندما رسموا البيانات بمرور الوقت، وجدوا منحنى على شكل حرف L، بدأ استهلاك الرياضيين للطاقة مرتفعاً نسبياً، ولكنه هبط، وتمت تسويته بمعدل 2.5 ضعف، معدل الأيض الأساسي خلال الفترة المتبقية من الحدث.
بعد 20 أسبوعاً من سباق الماراثون المتتالي، كان الرياضيون يحرقون 600 سعر حراري أقل يومياً مما كان متوقعاً، استناداً إلى عدد الكيلومترات.
تشير النتائج إلى أنَّ الجسم يمكنه تقليل عملية التمثيل الغذائي، للمساعدة في البقاء ضمن مستويات مستدامة للطاقة.
اتَّبعت جميع أحداث التحمل نفس المنحنى على شكل حرف L، عندما قارن الباحثون النتائج بالبيانات المنشورة بالفعل من أنشطة أخرى مثل الماراثون، والسباحة، والرحلات القطبية، وسباق فرنسا للدراجات، والسنوات السابقة من سباق عبر الولايات المتحدة الأمريكية.
تتحدى تلك النتيجة الفكرة، التي اقترحها باحثون سابقون، وهي أن القدرة على التحمل البشري مرتبطة بالقدرة على تنظيم درجة حرارة الجسم.
ووجد الباحثون أنه كلَّما طالت مدة الحدث أصبح من الصعب حرق السعرات الحرارية. أما أثناء المشاركة في أنشطة قصيرة الأجل نسبياً، يمكن للجسم أن يحافظ على السعرات الحرارية المحروقة أكثر بعدة مرات من معدل الأيض أثناء الراحة.
التفسير المقترح
قال هيرمان بونتزر وجون سبيكمان قائدا فريق البحث من جامعة أبردين في اسكتلندا والأكاديمية الصينية للعلوم، إن أحد العوامل التي تحدّ من أحداث التحمل يكمن في الجهاز الهضمي وقدرة الجسم على معالجة الطعام وامتصاص السعرات الحرارية والمواد الغذائية لتغذية العمليات الجسدية.
بمعنى آخر، فإن تناول المزيد من الطعام لن يمكنك من تحقيق أرقام قياسية أعلى، فهناك حد أقصى للسعرات الحرارية التي يمكن أن نحرقها بشكل يومي.
وقال الباحثون إن الرياضيين لا ينهارون عند بلوغ حد 2.5 ضعف، ولكن بإمكانهم الاستمرار دون الحفاظ على توازن السعرات الحرارية المستهلكة، فيبدأ الجسم في التغذي على موارده الخاصة ككتلة الدهون أو العضلات ليبدأ في فقدان الوزن.
أي أن الحد الأقصى هو 2.5 ضعف معدل الأيض في الجسم، وهو ما يساوي تقريباً 4000 سعرة حرارية في اليوم للشخص العادي، وأن الأعلى من ذلك لن يكون مستداماً على المدى الطويل.
حدّ التحمل والسعرات الحرارية المحروقة لدى النساء الحوامل
فحص الباحثون أثناء تلك الدراسة حدَّ التحمل ومعدلات الحرق لدى السيدات الحوامل، فوجدوا أن المرأة الحامل تخضع لحوالي 2.2 ضعف معدل الأيض أثناء الراحة، وذلك فقط لأنها تحمل جنيناً في بطنها.
ما الذي تعنيه الدراسة ببساطة؟
يمكننا أن نفهم من هذه الدراسة، أنه إذا بدأنا بممارسة أنشطة رياضية مهما كانت قوتها وقساوتها، فمع مرور الوقت سيحافظ الجسم على مستوى حرق معين أقل بكثير مما كان عليه في بداية الممارسة.
أي أن أقصى حدٍّ للأيض في الجسم على المدى الطويل في حالة توازن الطاقة عن ممارسة الرياضة لا يتجاوز 2.5 ضعف معدل الأيض في وقت الراحة، أي حوالي 4 آلاف سعرة حرارية، وعند الاستمرار في ممارسة النشاط بعد هذا الحد، سيبدأ الجسم في التخلص من الدهون والعضلات لتحقيق التوازن.