قصة مفعمة بالأمل ترويها شابة من جنوب السودان عاشت كل طفولتها في مخيم للاجئين بأوغندا، لكنها بعدما نجحت في الحصول على شهادة تعليمية تركت المخيم وعادت لموطنها الأصلي لكي تمنح فتيات قد يتعرضن لمثل ما تعرضت لهن، الأمل مرة أخرى.
وتقول الفتاة فيكتوريا نوسيرا لموقع معهد brookings الأمريكي: وُلدت وترعرعت في مخيم إيبوجا للاجئين في غرب أوغندا، لذا لم أشعر قط بلذة العيش في بلدي الأم ولا أعرف حتى شكل الحياة فيه. ظننت وأنا فتاة صغيرة أنَّ هذا المخيم هو وطني لأعرف لاحقاً أنَّه ليس كذلك. وعندما بلغت الثامنة من عمري، علمتُ أنَّ جنوب السودان، الدولة التي ابتلعتها حرب أهلية لا هدف لها واجتاحتها مجاعة شديدة، هي وطني. بعد ذلك، تمنّيت، مثل أي لاجئ، رؤية وطني في يومٍ من الأيام، مهما كانت خطورة الوضع.
عاملونا كأخوة!
في حين نحتفي باليوم العالمي للاجئين الذي وافق 20 يونيو/حزيران، أدعو زملائي الأفارقة، الذين يستضيفون لاجئين في جميع أنحاء إفريقيا، إلى معاملتنا معاملة الإخوة والأخوات، إذ لم تكن رغبتنا الذهاب إلى منفى لنعيش حياة اللاجئين. كذلك، أناشد المجتمع الدولي تحقيق التمكين الاقتصادي العاجل للاجئين، ولاسيما النساء والفتيات، الفئة الأكثر ضعفاً والمعيلات الرئيسيات لمعظم الأسر في المخيمات.
وآمل ألا تساهم قصتي في كشف حجم الكفاح والمعاناة الضخمة التي يواجهها اللاجئون في جميع أنحاء العالم فحسب، بل أيضاً في تسليط الضوء على التحدّيات الفريدة التي تواجه الفتيات والنساء، وكذلك كيف تستطيع الفتيات المُتحدّيات القادرات على التكيّف أن يرتقين إلى مستوى إمكاناتهن ويتغلّبن على كل الصعوبات ويصبحن ناجحات.
حتى عندما كنت في الـ22 من عمري، عشت حياتي كلها في مخيم للاجئين، مكان قاس تزداد حدة قسوته عندما تعيش فيه فتاة. وعلى الرغم من أنَّنا حصلنا على الغذاء من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الوكالة الأممية المعنية بحماية ودعم اللاجئين، لكنني خُضت نضالاً يومياً لكوني فتاة متمثَّلاً في قطع عدد من الكيلومترات بحثاً عن المياه والحطب من أجل إعداد وجبة طعام ليومٍ واحد. تعرَّضت خلال هذا البحث لمخاطر لدغات الثعابين والاغتصاب في طريقي إلى جداول المياه. نادراً ما كانت هناك فرصة للاستحمام بالماء، وكانت المشكلة تتفاقم كل شهر أثناء فترة الحيض، حيث كنت أقضي عدة أيام في استخدام قطع الثياب البالية كفوط صحية.
حلم المدرسة وكابوسها في نفس الوقت
كان الذهاب إلى المدرسة كابوساً بسبب الظروف القاسية: كُنَّا نجلس على الأحجار، وحبوب الذرة الصفراء المقلية أو المسلوقة والفواكه البرية كانت وجبتي الغذائية الوحيدة في المدرسة، وحتى ارتداء الصنادل كان يُعد حلماً من أحلام اليقظة.
ومع ذلك، وقفت رغبتي في التعليم، التي غرستها والدتي داخلي، في مواجهة تلك الصعاب والآلام. فبسبب المعايير الثقافية، التي لا تسمح للفتيات بالذهاب إلى المدرسة، بالإضافة إلى الفقر المدقع في المخيم حيث يُنظر إلى زواج الفتاة باعتباره مصدر دخل للأسرة، حُرمت والدتي من التعليم لتمكين إخوتها من فعل ذلك. وانتهى بها الأمر بمعاناة الحسرة والألم طوال حياتها بسبب حرمانها من فرصة التعليم، لذا، دفعتني إلى اغتنام كل فرصة يمكنني الحصول عليها.
كانت هذه المصاعب وتحفيز والدتي المصدر ما ألهمني لمساعدة الفتيات والنساء في جنوب السودان. ومن بين 30 فتاة بدأت معهن مرحلة التعليم ما قبل المدرسة، التحقت 3 منهن فقط بالجامعة. إذ واجهت العديد من الفتيات تحديات مثل الزواج المبكر في مرحلة الطفولة، الذي يعتبر مصدراً للدخل بالنسبة للأسرة. كان من المحزن حقاً مشاهدة زميلاتي في الدراسة يواجهن مثل هذه العقبات المدمرة.
مانديلا الملهم
كنت أستمد القوة طوال رحلتي الشخصية من كلمات نيلسون مانديلا: "يستطيع كلٌ منَّا أن يعلو فوق ظروفه ويحقق النجاح، إن كان مخلصاً وشغوفاً بما يفعل". التحقت بجامعة Christian University في أوغندا وتلقيت تعليمي من خلال عملي الشاق الدؤوب وإصراري على تحدي كل الصعاب في مخيم اللاجئين. تمكَّنت من الذهاب إلى الجامعة بفضل الدعم المُقدّم لي من والدَي من خلال بيع مساعداتنا الغذائية الضئيلة، فضلاً عن الالتحاق بالأنشطة الرياضية المدرسية، التي وفّرت لي فرص الحصول على منح مالية دراسية. وأصبحت واحدة من عدد قليل من الفتيات الشابات الواثقات المتعلمات في المخيم.
بعد إتمام دراستي الجامعية في عام 2015، قررت العودة إلى جنوب السودان لبدء حياة جديدة. لكن لسوء الحظ، اندلعت في وقت قريب حرب أهلية أخرى، لكنَّني مكثت هذه المرة هرباً من التعرّض للبؤس وسوء المعاملة في أرضٍ أجنبية. فضّلتُ بدلاً من ذلك أن أعاني في وطني، بغض النظر عن الوضع القائم. وما زلت آمل أن يعود السلام إلى بلدي.
رد الجميل
وقررت تكريس حياتي لتمكين الفتيات الصغيرات في جنوب السودان ومنحهن الأمل بعد أن أمضيت حياتي بأكملها لاجئة في بلد أجنبي ورأيت الانتهاكات وسوء المعاملة التي تتعرّض لها الفتيات الصغيرات في مخيمات اللاجئين وفي مجتمعات أخرى. أسست مبادرة "Nasvick" في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، والتي تهدف بشكل رئيسي إلى الترويج لكرة القدم النسائية واستخدامها وسيلة لجمع العديد من الفتيات والنساء معاً أثناء التدريبات والألعاب، حيث تتاح لهن فرصة تبادل تجاربهن وقصص حياتهن وكذلك استكشاف الفرص المتاحة للنهوض بمستوى تعليمهن. تستخدم المبادرة أيضاً كرة القدم النسائية منصة تحت شعار "اندفع للتسجيل وليس للقتل" -shoot to score not to kill- لتعزيز السلام والمصالحة خلال فترة التعافي من الحرب الأهلية. ونعمل حالياً مع 450 فتاة في 15 فريقاً في جوبا.
على الرغم من أنَّ حياتي كانت مليئة بالنضالات، تعلَّمت أنَّه بالرغم من كل الظروف والعقبات، يستطيع المرء تحويل معاناته وآلامه في الماضي إلى نجاح في الحاضر.