إذا أراد المرء أن يتذوق قليلاً من سطح قمر كوكب المشتري المسمى أوروبا، فسوف يجد واحدة من أكثر النكهات المألوفة على الأرض؛ ملح الطعام.
تشير النتائج الحديثة إلى أن الطبقة الجليدية التي تغطي أوروبا تحتوي على كلوريد الصوديوم (NaCl)، المكون الرئيسي للملح الذي نستخدمه في طعامنا.
تم هذا الاكتشاف بواسطة علماء من ناسا ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (Caltech) ونُشر في مجلة Science Advances الأربعاء 12 يونيو/حزيران 2019.
لكن كيف اكتشفوا وجود ملح الطعام على القمر أوروبا ولماذا يعدُّ ذلك مهماً؟ وهو التساؤل الذي طرحه تقرير موقع BBC Mundo باللغة الإسبانية للإجابة عليه.
كبريتات المغنسيوم أم ملح الطعام؟
يعرف العلماء أن بعض أجزاء سطح أوروبا صفراء بفضل الصور التي أرسلها مسبار جاليليو في منتصف التسعينيات.
لكن مسبار غاليليو لم يرسل الصور فحسب، بل أرسل أيضاً البيانات التي جُمعت بواسطة مطياف الأشعة تحت الحمراء.
سمحت لنا هذه المعلومات باكتشاف أن سطح قمر أوروبا يحتوي على طبقة سميكة من الجليد، ويوجد تحت هذه الطبقة محيط واسع.
عند تحليل بيانات المطياف، بدا أن إحدى المواد الموجودة في الطبقة الجليدية هي كبريتات المغنيسيوم المائية، أو ما نعرفه باسم (الملح الإنجليزي)، التي تستخدم كمواد مغذية للتربة في الزراعة، أو كأملاح للاستحمام ولأغراض طبية.
في حديثها مع موقع BBC Mundo، تقول سامانثا ترومبو، المرشحة للحصول على درجة الدكتوراه في علوم الكواكب من معهد كالتيك والمؤلف الرئيسي للدراسة: "تتوافق هذه الأملاح مع طيف موجات الأشعة تحت الحمراء المرسلة من مسبار جاليليو وكذلك مع توقعات العلماء".
لكن لم يفسر الملح الإنجليزي الأصفر اللون لبعض مناطق القمر التي شوهدت في الصور.
هل تطابق اللون كافٍ للإثبات؟
في عام 2015، أجرى كيفين هاند، أحد مؤلفي الدراسة، وروبرت كارلسون، وكلاهما من علماء الفلك في ناسا، تجربة على ملح المائدة (كلوريد الصوديوم)، وقاما بتعريضه لنفس الظروف التي سيواجهها على القمر أوروبا.
قاما بتعريض الملح للإشعاع بالإلكترونات ورأيا أنه اكتسب درجة صفراء اللون، على غرار تلك الموجودة في قمر أوروبا.
لكن تطابق اللون لم يكن كافياً لإثبات أنه ملح الطعام (كلوريد الصوديوم)، وكان هناك حاجة لمزيد من الاختبارات.
بين مايو/أيّار وأغسطس/آب 2017، تحولت سامانثا ترومبو إلى تلسكوب هابل لمراقبة سطح أوروبا وإزالة الشكوك.
توافقت بيانات هابل مع تجربة ملح ناسا، وسمحت لنا هذه النتائج باستنتاج وجود كلوريد الصوديوم أيضاً على سطح قمر كوكب المشتري.
تشابه مع محيطات كوكب الأرض
ولكن هل يعني ذلك وجود كلوريد الصوديوم في القشرة الجليدية لأوروبا ، كما يوجد في المحيط أسفل هذه الطبقة؟
تقول ترومبو لـ BBC Mundo: "ليس بالضرورة، ولكن إذا وجد أن كلوريد الصوديوم يأتي من محيط أوروبا، فقد يعني ذلك أن محيط هذا القمر يشبه إلى حد بعيد محيطات الأرض".
تقول العالمة: "قد يعني هذا (في محيط أوروبا) وجود عمليات كيميائية مماثلة لتلك التي تحدث على الأرض".
فهل هذا يعني أن محيط أوروبا يمكن أن يؤوي حياة مثل بحار كوكبنا؟
يقول ترومبو لـ BBC Mundo إن هذا التشابه: "يمكن أن يكون إيجابياً بالنسبة لكون المحيط (في أوروبا) صالحاً للسُكنى بسبب الظروف التي من شأنها أن تجعل الحياة ممكنة، لكنه قطعاً لا يقول أي شيء مباشرةً عن وجود الحياة".
تؤدي النتائج إلى إعادة تقييم التركيب الكيميائي لأوروبا.
وقال مايك براون، وهو أستاذ في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ومؤلف مشارك في الدراسة:
"لقد كان لدينا القدرة على القيام بهذا التحليل من خلال تلسكوب هابل الفضائي على مدار العشرين عاماً الماضية"، واستطرد: "فقط لم يخطر لأحد أن يُلقي نظرة".