توقعوا ألا يجوع الإنسان وأن يتاجر مع سكانه.. خطة السفر إلى القمر قبل 400 عام

هل تعلم أن النصف الأول من القرن الـ17 شهد أحد أكثر برامج الفضاء طموحاً في التاريخ؛ السفر إلى القمر والمتاجرة مع سكانه؟!

عربي بوست
تم النشر: 2019/06/22 الساعة 06:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/21 الساعة 17:04 بتوقيت غرينتش
حاول عالم الفلك آنذاك جون ويلكنز استخدام أكثر العلوم والتكنولوجيا تقدُّماً في ذلك الوقت لتصميم نوع من المركبات الفضائية، والتي ستشمل التفاصيل الفنية لتصميم السفن/ istock

هل تعلم أن النصف الأول من القرن الـ17 شهد أحد أكثر برامج الفضاء طموحاً في التاريخ؛ السفر إلى القمر والمتاجرة مع سكانه؟!

فوجئت؟

ربما لن تُفاجأُ كثيراً إذا كنت تتذكر أنه كان عصراً تقدمت فيه المعرفة العلمية بسرعة غير مسبوقة.

مثالان على ذلك: الاكتشافات الفلكية لغاليليو بإيطاليا في عام 1610 مع التلسكوب الذي تم اختراعه حديثاً آنذاك، والوصف الذي قام به طبيب التاج البريطاني وليام هارفي عام 1628 لدورة الدم في الكائنات الحية.

السفر إلى القمر

موقع BBC Mundo الإسباني نشر تقريراً عن آمال وطموحات تلك الحقبة العلمية التي تمكنت من فتح الباب للتطور العلمي الذي نشهده اليوم في الفضاء.

عملياً، مجموعة كاملة من الاختراعات العملية، مثل التلسكوبات المذكورة أعلاه، وكذلك الساعات الميكانيكية والبارود والبوصلة المغناطيسية، أدت إلى تغيير جذري في حدود الإدراك البشري وتسببت في طرح الناس مزيد ومزيد من الأسئلة عن العالم الذي كانوا يعيشون فيه.

عالم جديد في الأفق

عندما نظر غاليليو لأول مرة إلى القمر من خلال تلسكوبه في يناير/كانون الثاني 1610، فوجئ باكتشاف أنه يبدو "عالَماً"، وأنه، عكس القمر المرئي للعين المجردة، كان من الممكن باستخدام التلسكوب إدراك وجود الجبال والقارات، التي ظن غاليليو أنها بحار.

حينها، قال عالم الفلك الويلزي ويليام لوور إن منظاره جعل القمر يشبه خريطة بَحرية هولندية، مع الخلجان والجزر الصغيرة.

جذبت هذه الاكتشافات خيال المفكرين الأوروبيين، ولأنهم كانوا شديدي التديُّن، تساءل كثيرون منهم عمّا إذا كان الله قد جعل القمر عالَماً مثل الأرض.

هل وضع الله حياة ذكية فيه؟ إذا كان الأمر كذلك، هل يمكننا التواصل مع تلك الكائنات؟

هذا الاحتمال المغري صبّ في صميم البرنامج الفضائي للقس جون ويلكينز، وهو رجل دين شاب إنجليزي وعاشق للعلم الجديد.

في عام 1638، قدَّم كتابه بعنوان (اكتشاف عالَم جديد.. على سطح القمر) الذي أتاح أول فرصة حقيقية للقراء باللغة الإنجليزية لتفسير أفكار غاليليو.

ما هو أكثر من ذلك، كان ويلكنز كوبرنيكياً، (أي مقتنعاً بنظرية كوبرنيكوس حول مركزية الشمس)، إذ اعتقد أن الأرض تتحرك حول الشمس، واقترح أن البشر لا يستطيعون السفر إلى القمر فحسب، بل أيضاً إلى الكواكب الأخرى.

كان ويلكينز قد توسَّع في القراءة عن علم زمنه، واستلهم أيضاً من بعض مؤلفات الخيال العلمي في عصره، مثل Somnium (الحلم)، التي نشرها يوهانس كيبلر في 1634 والذي تكهن بسفر البشر إلى الفضاء.


القرن السابع عشر، حقبة مشرقة في تاريخ العلوم


أظهرت ما رصدته تلسكوبات كل من غاليليو وهايجنز وكاسيني وآخرين أن الكون ضخم وشاسع.
كشفت الدراسات المجهرية الرائدة لروبرت هوك عن عالَم جديد بالكامل من العجائب التي يمكن استكشافها من خلال العدسات المكبرة.
وضع عمل روبرت بويل بالمضخة الفراغية أسس الكيمياء الكمية الحديثة.
أظهرت الأبحاث التشريحية والفسيولوجية التي أجراها ويليام هارفي وتوماس بارثولين وتوماس ويليس، كيف يقوم القلب بتوزيع الدم، والدور الكيميائي للهواء في التنفس، وأدت إلى إجراء أول دراسات علمية على المخ.
ابتكر روبرت هوك وإسحاق نيوتن علم البصريات الحديث وشرحا فيزياء الضوء، كما كانت لهما نظريات متنافسة لتوضيح قوانين الجاذبية.
وخلافاً للأفكار الخاطئة المتواصلة، لم تحاول الكنيسة المسيحية قمع العلم، وكان معظم العلماء متدينين بشدة.

الاستفادة من العلم

حاول جون ويلكنز استخدام أكثر العلوم والتكنولوجيا تقدُّماً في ذلك الوقت لتصميم نوع من المركبات الفضائية، والتي ستشمل التفاصيل الفنية لتصميم السفن، والمزيد من علوم الغلاف الجوي، ودراسات علم الطبيعة والفيزياء التجريبية.

خلال العقد التالي، استخدم هذه السلسلة من النظريات والمهارات لعرض اقتراح مذهل.

كان أحد الجوانب الرئيسية لمخطط ويلكنز هو فهمه لسحب الأرض للجاذبية، لأنه شيء يحتاج أي مسافر محتمل إلى الفضاء أن يتجنبه.

ومع ذلك، في هذا العصر، قبل 50 عاماً من إنجاز إسحاق نيوتن، ما زال التفكير العلمي يخلط بين قوة الجاذبية وجاذبية المجال المغناطيسي للأرض.

من ملاحظته أن المغناطيس توقف عن جذب إبرة البوصلة في نقطة معينة من الانفصال، خلص ويلكنز إلى أن شد الأرض قد توقف على بُعد نحو 30 كم من سطحها.

بالطبع، نحن نعرف الآن أنه كان مخطئاً، لكن العلم غالباً ما يتقدم بفضل الأخطاء.

البحث عن السيلينات

من أجل الصعود لتجاوز تلك الكيلومترات الـ30 الأولى، اقترح ويلكنز تطوير مركبة مميزة.

كانت عربته الطائرة تشبه سفينة صغيرة، في منتصفها سيكون هناك محرك ساعة قوي يعمل بواسطة زنبرك.

يمكن استخدام قوة البارود في لف هذا الجهاز، بحيث عندما تعمل، فإنها ستجعل الزوجين الكبيرين من الأجنحة يرفرفان مثل أجنحة الطيور.

ستصعد المركبة، وعندما يكون ارتفاعها 30 كيلومتراً، يمكن إيقاف تشغيل المحرك، من هذه النقطة، كان يُتوقع أن تنزلق نحو القمر.

عرف علماء الفلك في عام 1640 المسافة إلى القمر بدقة تامة، لذلك قدَّر ويلكنز أن طاقم عربة الطيران سوف يقضي عدة أسابيع في رحلة اعتيادية نسبياً، مثل تلك التي يقوم بها بحارة المحيطات العظماء.

عندما يشعر رواد الفضاء بالجاذبية الأضعف للقمر، سيحتاجون ببساطةٍ تشغيل الأجنحة في اتجاه عقارب الساعة، لضمان الهبوط الآمن والنزول. الأمر بسيط، أليس كذلك؟

تخيَّل ويلكنز أيضاً اللقاء مع سكان القمر المحتملين، الذين أطلق عليهم "سيلينات"، على اسم  إلهة القمر الإغريقية سيليني.

إذا كانوا موجودين، كتب أن التجار يمكنهم التجارة معهم وإنشاء أسواق مربحة جديدة.

بالإضافة إلى ذلك، أشار ويلكنز إلى أن توفير الطعام للمسافرين إلى الفضاء لن يكون مشكلة، لأننا -كما يقول- نشعر بالجوع فقط بسبب جاذبية الأرض المستمرة على معدتنا.

بعبارة أخرى، في الفضاء لن نكون جائعين بسبب نقص الجاذبية.

شهر عسل العلوم

غني عن القول إن عربة ويلكنز الطائرة لم تصبح حقيقة فلكية قط.

في الواقع، كان العلم يتقدم بسرعة كبيرة، بعد 24 عاماً من اقتراحه، في عام 1664، أدرك ويلكينز استحالته بالفعل.

فترة ازدهار العلوم


في عام 1659، أدت الأبحاث التي أجراها صديقاه روبرت بويل وروبرت هوك، إلى اكتشاف الفراغ، وفهِم أنه ربما لم يكن هناك هواء في الفضاء؛ ومن ثم كان يتعذر عبوره.

ومع ذلك، بينما لم يرتفع ويلكنز قط عن قدرته على القفز، فإن عقله الحيوي وشخصيته الرائعة وقدرته على إلهام الآخرين وضعته جميعها في طليعة الحركة العلمية الإنجليزية.

كمدير لكلية وادام في أوكسفورد، بين عامي 1648 و1659، جمع ويلكنز من حوله كثيراً من الأصدقاء العلميين، في حين كان يعمل بالوقت نفسه من كثب مع الباحثين في علم الفلك والفيزياء بكلية جريشام في لندن.

وعندما تمت استعادة الملكية بعد الحروب الأهلية في عام 1660، أصبحت دائرة ويلكينز العلمية هي الجمعية الملكية، التي لا تزال الهيئة العلمية الأبرز في المملكة المتحدة.

في وقت لاحق، بصفته أسقف تشيستر، تولى أمور العبقري روبرت هوك، الذي أصبح أعظم فيزيائي تجريبي في ذلك الوقت.

عاش ويلكنز وأصدقاؤه فيما يمكن أن يطلق عليه فترة "شهر عسل" العلوم؛ تم وقتها اكتشاف ما يكفي لفتح آفاق رائعة، ولكن الزمن وحده هو الذي سيوضح ما هو مطلوب لجعل رحلة الفضاء حقيقة.

تحميل المزيد