يزعجك شخص يكذب طوال الوقت ويقول إن الأمر خارج عن سيطرته، ولكن هل شعرت من قبل بأنك لا تستطيع مقاومة الرغبة الشديدة في الكذب؟ ثم تُردد لعقلك كثيراً من التبريرات التي تُبرر لك الأمر؟
إذا كانت إجابات الأسئلة السابقة هي "نعم"، فعليك أن تعرف الآن أن هذا هو ما يُسمى "الكذب القهري"، وأن هذا الكذب شكل من أشكال الإدمان غير المعروفة.
نتعرف في هذا التقرير على الكذب القهري، وكيف يمكن التعامل معه.
من الذي يكذب؟
في بحث أجرته الباحثة بيلا ديبولو، وجدت أن الناس يكذبون في واحد من كل 5 تفاعلات يومية، في حين تزعم باميلا ماير، مؤلفة كتاب Liespotting، في محاضرة بـTED Talk، أننا نكذب من 10-200 مرة في اليوم.
بناء عليه، من المهم مراعاة ما مدى صدق العالم الذي أنشأناه حولنا؛ كم مرة نخبر الآخرين بالأكاذيب؟
وعلى الجانب الآخر، هل نخيف الآخرين بطرق قد تشجعهم على تضليلنا وعدم إخبارنا بالحقيقة؟
من الشائع للناس أن يقولوا فقط أجزاء الحقيقة التي يشعرون بأنها مقبولة أو يعتقدون أن الناس يريدون سماعها، أما الحقيقة الكاملة فتُترك مُخبّأة.
جميعنا قد نكذب بعدم قول أجزاء من الحقيقة، أو إقناع أنفسنا بأن ما نفعله مجرد أكاذيب بيضاء صغيرة، لكن هذه الأكاذيب ترسم صورة مختلفة تماماً عن الواقع.
ليس من المستغرب أن هذه الأكاذيب لا تؤذي العلاقات فحسب، بل قد تدمرها تماماً، حتى الأكاذيب التي تقال باسم حماية الآخرين يمكن أن تجعلك تشعر بسوء شديد عن نفسك، لأنك لا تشعر بأنك فرد جيد وقوي عندما تكون كاذباً أو غير أمين.
ما هو الكذب القهري؟
بخلاف الكذبات البيضاء الصغيرة التي قد تُقال على سبيل المُجاملة أو لتخفيف الشعور السيئ عن شخص آخر، هناك كذب آخر إلزامي لا تستطيع مُقاومته أو التوقف عنه، وهو الكذب القهري.
يحدث عندما تجد نفسك كثيراً ما تكذب أكثر حول أشياء أكثر، ولأسباب أكثر تعقيداً من المجاملة أو تخفيف مشاعر الآخرين السلبية، مثل:
- الكذب لجعل نفسك تبدو أفضل.
- الكذب للسيطرة على شخص آخر.
- الكذب للتستر على سلوك سيئ.
- الكذب لأن الأمر أصبح عادة.
الكذب القهري نوع من الإدمان
نظراً إلى أن إدمان المُخدرات والكحوليات يعتمد على الإشباع الفوري وتحفيز مراكز المكافأة في الدماغ، فإن فعل الكذب القهري يقع كذلك تحت مظلة الإدمان.
تماماً مثل أي إدمان آخر، يشعر الكاذب القهري بنوع من المكافأة بعد إخبار غيره بنصف الحقائق أو تلوين حديثه بالأكاذيب.
إن المتعة التي يتم الحصول عليها من الكذب تسبب تغيرات فسيولوجية مبهجة في الدماغ والجسم، وهو ما يجعل الفعل جذاباً بشكل خطير ويتسبب في الإدمان الشديد.
وبمجرد أن يصبح الشخص مُكرهاً على الكذب ولديه رغبة شديدة فيه لا يستطيع مُقاومتها، فإنه يستطيع أن يكذب دون تفكير.
وتوضح أيضاً الطرق التي تمكّن بها العقاقير التي تسبب الإدمان والكذب القهري من تغيير النقل العصبي أن تكون للاثنين قواسم مشتركة أكثر مما كان مفترضاً في الأصل.
كيف يتم الكذب؟
فيما يلي، بعض الأمثلة على الطرق الكثيرة التي يكذب بها الناس، ومنها:
تلوين الحقيقة:
عندما تتحدث إلى صديق مقرب عن موقف ما قد حدث، هل تخبر بجانبك من القصة فقط؟ هل تتغاضى عن تفاصيل صغيرة ولكنها مهمة؟ هل تعيد صياغة الكلمات الأقل استحساناً لدى صديقك؟
فكِّر في كيفية تأثير هذه التغييرات الطفيفة على موقف صديقك واستجابته لما ترويه، هل ما تقوم به بهدف دفع صديقك ليقول ما تريد أن تسمع؟
وفي النهاية تجب مصارحة نفسك ما مدى مصداقية رده إذا تم التلاعب استراتيجياً في أثناء الحكي، بالنتيجة التي سيقولها.
إغفال جزء من الحقيقة
كل شخص تكون لديه مواقف وتفاصيل لا يرغب في إظهارها، لكن في بعض الأحيان تكون هذه التفاصيل مهمة، وأنت تعرف ذلك.
على سبيل المثال، إذا سأل شريكك عما فعلته اليوم، فقد تحاول إخفاء مغازلة مستمرة من زميل في العمل، قد لا تشعر بأن في هذا كذباً أو خداعاً، لكن تخيَّل كيف يرى شريك حياتك الأمر.
يفتح هذا المجال لمزيد من الخداع، من ناحية أخرى، فإن تهيئة بيئة يمكنك من خلالها الانفتاح حول هذه الأمور سوف يعزز الشعور بالثقة المتبادلة والتواصل الصادق.
المبالغة
قد يؤدي عدم ثقة الناس بأنفسهم إلى محاولة الحفاظ على صورة معينة عن أنفسهم، وقد يجدون حاجة إلى الحصول على موافقة الآخرين وتأييدهم.
ومع ذلك، عندما تبالغ أو لا تمثل نفسك بأمانة، فأنت تترك شعوراً بالاحتيال، وهو الأمر الذي يضر باحترامك لذاتك.
هناك خط دقيق بين إبراز سماتك وتضخيم قدراتك تماماً.
في العمل، قد تعِد بإنهاء مهمة تعرف أنك لن تتمكن من إكمالها في الوقت المحدد، قد تبالغ في تضليل رئيسك عندما يتعلق الأمر بمستوى تقدمك أو مهارتك، ومن ثم تفشل تصرفاتك في مطابقة كلماتك.
كيف تتعامل مع الكذب القهري؟
إليك بعض النصائح للسيطرة على الكذب القهري، وبناء ثقة الآخرين من جديد، وتخفيف حدّة تأنيب الضمير:
1- توقَّف عن الكذب على نفسك
قد يبدو هذا غريباً بعض الشيء، لكن الأبحاث أظهرت أن الأشخاص الذين يعانون الإدمان يكذبون على أنفسهم بعدة طرق مختلفة. عليك معرفة أن الكذب على نفسك يزيد إدمانك سوءاً، وتتجب معرفة أيضاً أن الصدق مع نفسك هو الخطوة الأولى في أن تصبح أميناً مع الآخرين.
2- الاعتراف بأن هناك مشكلة
شجاعة الاعتراف بأن هناك مشكلة هيي الخطوة الأولى للتغلب على مشكلة الكذب، يمكن بعد الاعتراف اللجوء إإلى اى العلاج مثل الخدمات النفسية أو الاستشارية أو العلاج بالتنويم المغناطيسي والذي يساعد في تحديد ومعالجة الأسباب الكامنة وراء إدمان الكذب.
وتساعد أيضاً هذه العلاجات في التوقف عن الكذب تماماً خلال وقت ليس بالطويل.
قد يكون الطريق شاقاً،اً، لكن يمكن التغلب على هذه المشقة بتشجيع نفسك بأنك ستلاحظ تحسناً في علاقاتك وزيادة ملحوظة في ثقتك بنفسك وتقديراًاً حقيقياًاً للذات.
3- كن مسؤولاً
كن مسؤولاً أمام نفسك كلما تحدثت وتأكدت من قول الحقيقة، حتى لو لم يكتشف أحدٌ أنك كذبت.
كن صريحاً مع نفسك بشأن سبب الكذب أيضاً: وما الذي تأمل تحقيقه؟ ووما النهاية التي ترغب في الوصول إليها؟ ووما الأسهل في هذا الموقف:: الكذب أم قول الحقيقة؟
4- الحقيقة أسهل
في الحقيقة من الأسهل كثيراً قول الحقيقة، رغم أنك قد تكون معتاداً الكذب، فكِِّّر في الأكاذيب التي اضطررت إلى إلى أن تُخبر الناس بها، ستجد أن الأمر كان مُرهقاً.
عليك أيضاً أن تتذكر كل ما قلته لهذا الشخص أو ذاك من أكاذيب، أما عند قول الحقيقة، فلن تضطر إلى الكفاح لتتذكر ما الذي قلته.
الكذب مجهود مُضاعف،، لأنك تُغطي مسارات سلوك الكذب بمزيد من الأكاذيب.
وفي النهاية فإن الحقيقة التي حاولت طمسها بكل هذا الجهد ستظهر للعلن بطريقة أو بأخرى، بعد أن تكون أنت قد تكبدت كل هذا الجهد.
5- تعرّف على من يمكنك الوثوق به
هناك بعض الأشخاص الذين يريدون دائماً ما هو في ممصلحتتك، وهُم أول من يمكنهم مساعدتك في تعودالصدق والتوقف عن الكذب، قد تكون دائرة الثقة هذه مُقتصرة على طبيبك النفسي وأي مستشارين أو معالجين تختارهم.
يتم تدريب هؤلاء الأشخاص على فهم ومساعدة الأشخاص الذين يعانونالإدمان، لكنهم لا يستطيعون مساعدتك إذا لم تخبرهم بصدق،، بما يجري بالفعل.
لذلك يجب أن تكون صادقاً مع طبيبك، حتى لو لم تخبره بكل شيء، فأجِِب على الأقل عن أسئلته بصدق.
6- تحديد من لديه الحق في معرفة الأمر
لكل شخصٍ الحق في الخصوصية، وحقيقة أنك تُعانيالكذب القهري أمر خاص بك، ويجب أن تكون مسيطراً على من يمكنه الوصول إلى تلك المعلومات، لكن في بعض الحالات، قد يؤثر إدمانك لكذب أيضاً على شخص ما، وهو وهو ما يجعل هذا الشخص مُتضرراً بدرجة كبيرة إن لم يعرف حقيقة الأمر.
قبل شطب حق شخص آخر في معرفة حقيقة مشكلتك، فكِِّّر فيما إذا كان لها أي تأثير سلبي مُباشر عليه أم لا؟
على سبيل المثال، من المحتمل أن يتأثر أفراد عائلتك المباشرة بالأمر، حتى لو كان هذا التأثير ضئيلاً جداً، لذلك يمكن إعلامهم بالأمر بطريقة ما.
7- فكّر في كونك تستحق أن تكون صادقاً
عندما يتعلق الأمر بقول الحقيقة دون تلوين أو إخفاء أو مبالغة، من المهم التفكير فيما إذا كنت تريد أن يثق بك الناس أم لا؟ هل تقدّّر النزاهة وتريد أن تنعكس كلماتك في أفعالك؟
يجب تشجيع نفسك أيضاً بأنه إذا كنت تلتزم هذه الصفات على المستوى السلوكي، فسوف تكون قادراً بشكل أكبر على اكتساب ثقة الآخرين والعيش في حياتك من خلال التواصل الصريح والمفتوح.
قد لا يكون هذا العالَم مثالياً، ولا الحقيقة يسهل دائماً قولها، لكن يمكنك أن تجد السلام والحرية في العلم بأن العالم الذي أنشأته من حولك حقيقي بقدر ما هو ممكن.