تيريزا ماي وصراع العروش.. من يخلف سيدة البريكست؟!

تم النشر: 2019/06/13 الساعة 13:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/13 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
من اليمين: أندريا ليدسوم، تيريزا ماي وبوريس جونسون



ليس أدل الآن على أحوال أوروبا السياسية والاقتصادية سوى تصريح زعيم الاشتراكيين الهولندي "فرانس تيمرمانس"، أحد المتنافسين على رئاسة المفوضية الأوروبية بعد الانتخابات الأخيرة، حين قال: "إن صراع العروش سيبدأ لتحديد من سيفوز بتلك الوظيفة".

يبدو وصف الرجل دقيقاً لكل ما يجري على الساحة الأوروبية، التي تستعد بقضاياها القديمة والمستمرة خلال النصف الثاني من 2019 لاستقبال وجوه جديدة تعتلي قمم المناصب المؤثرة، بداية من خليفة تريزا ماي لرئاسة الحكومة البريطانية، مروراً بمسلسل إعادة تشكيل هيئات الاتحاد الأوروبي الخمس، والذي يمتد من يوليو/تموز إلى ديسمبر/كانون الأول القادم، وصولاً إلى خليفة ماريو دراجي في رئاسة البنك المركزي الأوروبي.

إذن نحن أمام مجموعات مختلفة من الطامحين، التي تفرز بدورها نحو ثمانية أسماء جديدة على الأقل، تعيد تشكيل أجزاء مهمة من المشهد الأوروبي، وربما تحفز على تغييرات أخرى تأتي بما ليس متوقعاً في مسارات عدة لا تنفصل عن قضيتين رئيسيتين "بريكست" و "الوحدة الأوروبية".

من يخلف سيدة بريكست؟!

بعد نحو 1058 يوماً في منصب رئيسة الحكومة البريطانية، غادرت تريزا ماي في السابع من يونيو/حزيران الماضي مكانها، لتفسح الطريق الملغوم بملف انفصال بلادها عن الاتحاد الأوروبي لقيادة جديدة، "قد" تنجح فيما فشلت فيه ماي في إتمام طلاق مفترض بحلول 31 أكتوبر/تشرين الأول القادم.

ورغم ما أبدته ماي من صلابة واضحة ضد ضغوط إزاحتها عن منصبها، ونجاتها من فخاخ سحب الثقة من حكومتها إلا أنها توجت مشهد الختام بادعاء البكاء على ما بذلته من جهود كبيرة في ملف بريكست، الذي يستعد لاستكماله فائز واحد من أصل 13 محافظاً محتملاً ترشحهم على مقعد ماي بحلول العاشر من يونيو/حزيران، يتم اختياره من بين أكثر اثنين يحصلون على تأييد نحو 100 ألف من نشطاء حزب المحافظين، نستعرض أبرزهم من خلال السطور التالية:

أولاً: بوريس جونسون (ترامب البريطاني)

قبل تولي تريزا ماي رئاسة الحكومة البريطانية في يوليو/تموز 2016، و "بوريس جونسون" يسعى لنيل المنصب الرفيع، دعماً من كونه أحد أهم المؤيدين لخروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، ولكن لضمان بقائه في دائرة الضوء انضمّ جونسون كوزير للخارجية في حكومة ماي التي استقال منها في يوليو/تموز 2018، احتجاجاً على سوء إدارة بريكست.

وعلى مدار الشهور الماضية اجتهد جونسون في التجارة بقضية بريكست، عبر آراء صريحة بخروج بريطاني مدار، والالتزام التام بموعد نهاية أكتوبر/تشرين الأول القادم، للانفصال النهائي، سواء باتفاق أو من دون مع الاتحاد الأوروبي، الذي أعرب مؤخراً عن ملله الشديد من التمديد المتكرر لأَجَل الخروج المحتمل.

موقف جونسون يتلاقى مع رغبات كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وكذلك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في موعد خروج أكتوبر/تشرين الأول، ولكن يختلف اختلافاً ملحوظاً في تفاصيل إتمام ذلك مع قادة أوروبا المتخوفين من الدعم الضمني الأمريكي لخطوات جونسون الصدامية.

ينافس بوريس جونسون حليفه السابق وزير البيئة "مايكل جوف"، الرجل الذي تحالف مع الجميع وانقلب عليهم في النهاية، من رئيس الحكومة الأسبق ديفيد كاميرون إلى تريزا ماي.

ثانياً: (مجموعة اللااتفاق)

– وزير الخارجية "جيرمي هانت" 52 عاماً

– وزير شؤون الانسحاب السابق "دومينيك راب" 45 عاماً

– وزيرة شؤون الدولة السابقة "أندريا ليدسوم" 56 عاماً

تجمع الأسماء الثلاثة السابقة مناهضة الاتحاد الأوروبي، وتوحد رؤيتهم حول أفضلية خروج بريطانيا في أكتوبر/تشرين الأول من دون اتفاق، فالمخاطر الديمقراطية أعلى من المخاطر الاقتصادية في حال عدم الخروج، حسب تعبير الوزير جيرمي هانت، الذي يعد الخيار الأفضل للمنصب، حسب تطلعات قادة أوروبا، خاصة ميركل وماكرون.

وعلى جانب آخر قد توفر بريطانيا نحو 25 مليار إسترليني من أموال الانسحاب، حال إتمام الخروج دون اتفاق، حسب تصريح دومينيك راب، الذي يسعى لاتفاق عادل جديد مع الاتحاد، كما يعد الأوفر حظاً لمنافسة المرشح بوريس جونسون من حيث السن والحضور الجماهيري.

ثالثاً: (مجموعة التباين والاتفاق)

وزير الصحة "مات هانكوك" 40 عاماً

الدبلوماسي "روري ستيوارت" 46 عاماً

وزيرة الدفاع "بيني موردونت" 46 عاماً

وزير الداخلية "ساجد جاويد" 49 عاماً

تطرح الشخصيات الأربع نفسها كبدائل منطقية لتريزا ماي، ومريحة للاتحاد في تلك اللحظة، وتتبايَن مواقفها بين الدعوة لمفاوضات ناعمة جديدة مع الاتحاد الأوروبي وبين الاتجاه لقبول اتفاق ماي الحالي، والعمل على تمريره برلمانياً قبل نهاية أكتوبر/تشرين الأول القادم، مع الاستبعاد التام لاحتمال الخروج دون اتفاق.

الاتحاد الأوروبي ينتظر وجوهاً جديدة

يصرّ مؤيدو انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي على أن الأخير ما هو إلا ناد اقتصادي كبير، وحلبة سياسية ضخمة، تسيطر عليها ألمانيا وفرنسا، وليس اتحاداً بمعنى الكلمة.

وربما أكدت نتائج الانتخابات الأوروبية 2019، وإفرازات حروب ترامب التجارية على صحة أجزاء واسعة من تلك النظرية، التي تنتظر تغييرات مهمة خلال الشهور القادمة، بداية من رئيس البرلمان الأوروبي في أول يوليو/تموز المقبل، عقب انعقاد القمة الأوروبية في 20 يونيو/حزيران الجاري، مروراً باختيار قادة ثلاثة مناصب عليا (رئيس المفوضية ووزير خارجية الاتحاد ورئيس جديد للبنك المركزي الأوروبي) في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، ختاماً باختيار رئيس المجلس الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول 2019.

هنا لنا وقفة أمام موقف قطبي القارة (ألمانيا وفرنسا) بشأن اختيار مَن يخلُف رئيس البنك المركزي الأوروبي، الإيطالي "ماريو دراجي"، الذي ظلَّ في موقعه لنحو ثماني سنوات داعماً كبيراً لقوة عملة اليورو، من خلال سياساته المتحورة حول خفض الفائدة ودعم الحوافز النقدية.

وتصرُّ ألمانيا ميركل، وفرنسا ماكرون من واقع قوتهما الاقتصادية، وبعد اهتزاز مقاعدهما في الانتخابات الأوروبية الأخيرة على رئيس جديد للبنك المركزي من بلادهما، في ظلّ تعدُّد الوجوه لخلافة دراجي التي نستعرضها بالترتيب، حسب وفرة الحظوظ لنيل المنصب الهام.

– "فرانسوا فيليروي دي جالو" رئيس البنك المركزي الفرنسي.

– الفرنسي "بنوا كوري" عضو المجلس التنفيذي في البنك المركزي الأوروبي.

– "كلاس نوت" رئيس البنك المركزي الهولندي.

– الألماني "كلاوس ريجلينج"، المدير الإداري لصندوق الإنقاذ المالي لمنطقة اليورو.

– "ينس فيدمان" رئيس البنك المركزي الألماني.

– "أولي رين" رئيس البنك المركزي الفنلندي.

ختاماً، لم يخلُ مسلسل صراع العروش الشهير من المؤامرات والمفاجآت التي تنسحب رمزياً على الدراما السياسية والاقتصادية في أوروبا، الواقفة أمام تحديات كبيرة متنامية، من تطلع تيارات اليمين إلى الحكم، وكذلك رغبة ملحة في نهاية خشنة يريدها الاتحاد لقضية بريكست، حتى تكون حالة يصعب تكرارها، انعطافاً على وحدة مهددة اقتصادياً من الداخل بمشكلات النمو والديون، ومن الخارج بالحروب التجارية العاصفة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد مهدي عبدالنبي
باحث اقتصادي ووسيط مالي بالبورصة المصرية
محمد مهدي عبدالنبي من مواليد 2 مارس 1983. كاتب اقتصادي، وخبير أسواق المال العالمية، ووسيط مالي معتمد بالبورصة المصرية منذ العام 2006.
تحميل المزيد