تناقض في الموقف المصري؟
الغريب في تصريحات الرئيس المصري أنها جاءت بعد ساعات فقط من انتهاء اجتماع وزراء خارجية دول جوار ليبيا، الذي شارك فيه وزير الخارجية المصري مع نظرائه من تونس والجزائر، وصدر بيان تونسي مصري مشترك عنوانه: "دول جوار ليبيا ترفض أيَّ حلٍّ عسكري للأزمة الليبية"، بحسب موقع النشرة التونسي.
وزير خارجية تونس خميس الجهيناوي أعلن أنَّ "الحل السياسي هو المَخرج الوحيد للأزمة في ليبيا"، مشيراً إلى أن "دول جوار ليبيا ترفض أيَّ حلٍّ عسكري للأزمة في ليبيا".
وفي بيان مصري تونسي مشترك، بعد لقاءٍ جَمَعَ وزراءَ خارجية الدول الثلاث، أوضح الجهيناوي: "إننا نطالب بوقف فوري للعمليات العسكرية الجارية في ليبيا، ورفض أي تدخل خارجي في الأزمة الليبية".
فتّش عن الموقف الأمريكي
موقف السيسي اليوم سبقته عدة تطورات يمكن من خلالها استيعاب سياق الأحداث، يأتي على رأسها التحول الواضح في الموقف الأمريكي تحديداً، بعد نحو شهرين من مكالمة الرئيس دونالد ترامب مع حفتر، بعد أيام قليلة من بدء هجوم الأخير على طرابلس، مقرِّ الحكومة الليبية المعترف بها دولياً.
أدارت الإدارة الأمريكية ظهرها لزعيم الحرب الليبي خليفة حفتر، والآن تعيد التفكير في سياستها تجاه الحرب الأهلية الدائرة هناك، بحسب ما أفادت مصادر عديدة لصحيفة الغارديان البريطانية قبل أربعة أيام.
مكالمة ترامب لحفتر كانت قد دفعته للتعاقد مع شركة ضغط سياسي في واشنطن، وهي ليندن ستراتيجيز لمدة عام، مقابل 2 مليون دولار، على أمل ترتيب زيارة رسمية له أو لأحد مساعديه، للتأكيد على وجود دعم أمريكي له، لكن لتغير الأجواء داخل الإدارة الأمريكية يبدو أن الأموال ذهبت أدراج الرياح، خصوصاً مع مزاج ترامب المتقلب، رغم أنه أثبت مراراً أنه عرضة للإقناع من جانب حلفائه في الخليج، خصوصاً الإمارات والسعودية بالإضافة لمصر، بحسب تقرير الصحيفة.
جوناثان وينتر المبعوث الأمريكي السابق لليبيا أخبر الغارديان أن "وزارتي الدفاع والخارجية ليس لديهما علم بتلك المكالمة، والأكيد أنهما لا توافقان عليها، حيث إنها سبَّبت ضرراً بالغاً لسياستنا في ليبيا". الموقف نفسه عبَّر عنه أكثر من مسؤول أمريكي للصحيفة، موضِّحين أن تلك المكالمة لم تكن أكثر من "خدمة شخصية للرئيس المصري، الذي كان يزور واشنطن قبل إجراء المكالمة بأيام قليلة".
نائب رئيس وزراء حكومة الوفاق، أحمد عمر مايتيج، أخبر قناة إن بي سي نيوز الأمريكية، الخميس الماضي 6 يونيو/حزيران 2019، أن مكالمة ترامب لحفتر كانت مربكة "لأننا نرى الإدارة الأمريكية حليفنا الرئيسي"، ولكن دعم حفتر الذي لم يدم طويلاً داخل أروقة البيت الأبيض لم يكن فقط منعكساً في المكالمة، حيث منعت بعثة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة مشروع قرار أممي تقدّمت به المملكة المتحدة لوقف هجوم حفتر على طرابلس.
حفتر أيضاً كان قد زعم أن مستشار الأمن القومي جون بولتون يدعم هجومه على طرابلس، ولكن اتضح أن ذلك ليس له أساس من الصحة، بحسب مسؤول أمريكي سابق في إدارة أوباما.
هل تفرض أمريكا وقف إطلاق النار؟
ومع فشل هجوم حفتر على طرابلس بعد أكثر من 70 يوماً من بدايته، تراجع حماس ترامب الذي من الواضح أن السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد كانا قد أبلغاه أن دخول حفتر إلى طرابلس مسألة محسومة وستتم بسرعة، وهكذا عاد التعامل مع ملف ليبيا إلى وزارة الخارجية.
وزير الخارجية مايك بومبيو يجري مشاورات مكثفة طوال الأسبوعين الماضيين، ويدرس مع مستشاريه وخبراء في الشأن الليبي عدداً من الخيارات، من بينها وقف لإطلاق النار تفرضه واشنطن، بحسب الغارديان، كما أن الحكومات الأوروبية تودّ أن تلعب الإدارة الأمريكية دوراً أكثر فاعلية في الضغط على حفتر، بسحب قواته من أطراف طرابلس، والدخول في محادثات لوقف إطلاق النار.
هذا التغير في الموقف الأمريكي يُفسر تصريحات الرئيس المصري، ويفسر أيضاً سببَ إلقاء حفتر بكل ثقله في الأيام الأخيرة، في محاولة للدخول إلى قلب طرابلس، رغم تحذيرات تقارير الأمم المتحدة من وقوع كارثة بين صفوف المدنيين.
فحكومة الوفاق، من جانبها، تُواصل حشدَ مزيد من القوات في طرابلس، لطرد قوات حفتر بعيداً عن مقرات السيادة، بينما يسعى حفتر لحسم معركة طرابلس، خاصة بعد وصول إمدادات من الأسلحة والذخيرة إلى الخطوط الأمامية لقواته، بحسب وكالة الأناضول.