ظل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ أعلن ترشحه للرئاسة يتفاخر بأنه سيكون الرئيس الذي يحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من جذوره، من خلال ما سماه "صفقة القرن"، حتى أطلق عليها أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات مؤخراً "صفقة القرن القادم"، فيما يرى أغلب المحللين أنها "جنين سيولد ميتاً"، مع اقتراب ورشة العمل في البحرين يومي 25 و26 يونيو/حزيران الجاري، فلماذا أعلنت مصر والأردن والمغرب والسعودية والإمارات وقطر المشاركة فيها رغم مقاطعة أصحاب الشأن؟
مقاطعة فلسطينية ومشاركة عربية
في مقال رأي لديفيد غاردنر، الخبير في شؤون المنطقة، نشرته الفايننشيال تايمز، وصف صفقة القرن بأنها كانت دائماً "مجرد سحابة دخان تهدف إلى دفن حل الدولتين" و "ضوء أخضر لإسرائيل كي تضم معظم أراضي الضفة الغربية".
لهذه الأسباب أعلن الفلسطينيون مقاطعة مؤتمر البحرين الاقتصادي وطالبوا الدول العربية التي أعلنت مشاركتها بالتراجع عن القرار.
وهناك ما يشبه الإجماع على أن قرار الزعماء الفلسطينيين مقاطعة المؤتمر يثير الشكوك بشأن فرص نجاحه، ويرفض الجانب الفلسطيني المحاولات الدبلوماسية الأمريكية لتنفيذ ما يطلق عليه ترامب "صفقة القرن" ويرجح الفلسطينيون أن يكون منحازاً بشدة لصالح إسرائيل وأن يحرمهم من إقامة دولة، بحسب موقع دويتش فيله نقلاً عن رويترز.
وفي العاشر من يونيو/حزيران الجاري كتب عريقات خطاباً موجهاً لدبلوماسيين أجانب بالأراضي الفلسطينية يقول إن حضور الفلسطينيين مؤتمر المنامة سيستغل في إضفاء الشرعية على المبادرة التي قال إنها تهدف إلى حرمانهم من حقوقهم.
كوشنر يواصل محاولاته
وعلى الرغم من ذلك، يواصل مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر، صهر ترامب وأحد المخططين الرئيسيين لخطة السلام، الترتيبات الخاصة باجتماع البحرين، حيث من المتوقع أن يتم الكشف عن الشق الاقتصادي من خطة السلام باعتباره الخطوة الأولى منها.
وقبول الأردن ومصر دعوة حضور المؤتمر سيأتي إلى الطاولة بدولتين لهما حدود مع كل من الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، وسبق أن أكدت السعودية وقطر والإمارات حضورها، وفقاً لما أعلنه مسؤول بالبيت الأبيض.
ورفض مسؤول الإفصاح عن مستوى تمثيل تلك الدول. وقال المسؤولون الأمريكيون إنهم وجهوا الدعوة لوزراء الاقتصاد والمالية وكذلك لكبار قطاع الأعمال بالمنطقة والعالم للمشاركة وبحث الاستثمار في الاقتصاد الفلسطيني المتعثر بقطاع غزة والضفة الغربية، وتعتزم مؤسسات مالية دولية، ومنها صندوق النقد والبنك الدوليان، الحضور أيضاً.
خطة قديمة مستحيلة التنفيذ
لو أن هناك خطة سلام بالفعل، فالهدف الحقيقي منها هو تنفيذ كل ما يحلم به اليمين الإسرائيلي المتطرف أولاً، ثم تقديم شروط الاستسلام للجانب الفلسطيني تغطيها أموال من دول الخليج، حسبما يرى غاردنر، فماذا يفترض أن يقبل به الفلسطينيون مقابل تلك الدولارات؟
وكشف غاردنر، في مقاله في الفايننشال تايمز، عن الملامح السياسية لصفقة القرن بقوله: "يتم فتح الطريق أمام 2 مليون فلسطيني يعيشون في غزة تحت الحصار وفي ظروف معيشية قاسية كي يعيش بعضهم في شمال سيناء بمصر، أما الضفة الغربية فالخطة تقضي بضم أكثر من 56% منها إلى إسرائيل حيث يعيش فيها حوالي 450 ألف مستوطن إضافة إلى 200 ألف آخرين في القدس الشرقية، بينما يعيش 3 ملايين فلسطيني في كانتونات منعزلة على 46% من أراضي الضفة، وبالنسبة للقدس يمكن للفلسطينيين أن يحصلوا على أبوديس على أطراف المدينة ويسمونها كيفما شاؤوا.
ربما يكون هذا الطرح جديداً بالنسبة لكوشنر، لكن حقيقة الأمر ليست كذلك فهذا ما يريده اليمين الإسرائيلي منذ البداية، حيث قام إرييل شارون برسم خريطة عام 1982 سماها الأمر العسكري 50، تعد نسخة كربونية مما تحتوي عليه صفقة القرن الحالية، أما أبوديس فقد تم طرحها بالفعل قبل أن تعيد إسرائيل السيطرة على الضفة الغربية عام 2002.
ردود الفعل الشعبية
في هذا السياق من السذاجة استبعاد رد الفعل الشعبي في المنطقة، فرغم أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يحكم قبضته الأمنية على البلاد، لابد من تذكر ما حدث عندما تنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وهو ما وصفه أحد السفراء الأجانب لكاتب المقال بقوله: "كانت تلك أقرب مرة عاش فيها السيسي تجربة اقتراب الموت"، وبالتالي يصبح السؤال كيف سيكون رد فعل الشارع المصري لو تنازل السيسي عن جزء من سيناء؟
أما الأردن فالموقف أكثر صعوبة في ظل وجود أكثر من مليون فلسطيني وأيضاً ترديد اليمين الإسرائيلي طوال الوقت أن الأردن يجب أن تكون موطناً للفلسطينيين، وفي هذا السياق يأتي موقف الأردن الرسمي الرافض تماماً لصفقة القرن، رغم إعلان اليوم عن المشاركة في مؤتمر البحرين.
حتى المؤيدين لإسرائيل يعتقدون أن خطة ترامب وصهره محكوم عليها بالفشل، وهذا ما عبر عنه روبرت ساتلوف، مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والمعروف بتأييده المطلق لإسرائيل؛ حيث يرى أنها "خطة ساذجة"، ويقول: "على عكس الصفقات العقارية حيث يبيع صاحب العقار ويقبض السعر، الوضع بين إسرائيل والفلسطينيين لن يشهد سلاماً إلا إذا عاشا معاً في دولتين متجاورتين".