ليست ساعة لها عقارب تُميز الساعات عن الدقائق، لكنها لها إيقاع أيضاً، هذا الإيقاع قد لا يتحكم في تحديد كم من الوقت قد مرّ، لكنه يتحكم في العديد من العمليات الحيوية بأجسامنا، هذه هي الساعة البيولوجية.
قد تكون استمعت من قبل إلى شكوى البعض بأن السفر لساعات طويلة وعبر خطوط زمنية قد عرضهم لاختلال ساعاتهم البيولوجية، وسبب لهم اضطرابات النوم، فما هي الساعة البيولوجية؟ وما علاقتها بالنوم على وجه التحديد؟ هذا ما سنتعرف عليه هنا.
ما هي الساعات البيولوجية؟
الساعة البيولوجية هي "ساعة" داخلية تعمل على مدار 24 ساعة، وتلعب دوراً حاسماً في عمليتي النوم والاستيقاظ، عندما يأتي الظلام ينتج الجسم المزيد من الميلاتونين، لكن هذا الإنتاج ينخفض عندما يأتي النهار.
الميلاتونين هو هرمون تفرزه الغدة الصنوبرية، وهي غدة صماء صغيرة في المخ، يساعد على تنظيم الهرمونات الأخرى، ويحافظ على إيقاع الجسم اليومي/ إيقاع الساعة البيولوجية.
الساعات البيولوجية هي جهاز توقيت فطري للكائن الحي، إنها تتكون من جزيئات معينة (بروتينات) تتفاعل في الخلايا في جميع أنحاء الجسم، تم العثور على الساعات البيولوجية في كل الأنسجة والأعضاء تقريباً، وقد حدد الباحثون جينات مماثلة في البشر، ذباب الفاكهة، الفئران، الفطريات، والعديد من الكائنات الحية الأخرى، هذه الجينات هي المسؤولة عن صنع مكونات الساعة.
الساعة البيولوجية والميلاتونين
لدى البشر والثدييات الأخرى، فإن الإيقاع اليومي لإنتاج الميلاتونين تُحركه الساعة البيولوجية الرئيسية للجسم، هذه الساعة موجودة في منطقة من الدماغ، ويُعبر عنها سلسلة من الجينات تتذبذب باستمرار طوال اليوم، تتم مزامنة هذه الساعة مع إيقاع الشمس.
عن طريق إدخال الضوء من العينين، فإن هذه الساعة المُتصلة بالغدة الصنوبرية عبر مسار معقد في الجهاز العصبي، والذي يمر عبر مناطق مختلفة من الدماغ إلى الحبل الشوكي ثم يصل أخيراً إلى الغدة الصنوبرية، ويتوقف إنتاج الميلاتونين عن طريق إرسال رسائل مُثبطة إلى الغدة الصنوبرية.
وفي الليل، تكون الساعة البيولوجية أقل نشاطاً، ويتم تقليل التثبيط الذي يحدث خلال اليوم مما ينتج عنه زيادة إنتاج الميلاتونين بواسطة الغدة الصنوبرية، فالضوء هو مُنظم مهم لإنتاج الميلاتونين.
يتم منع إنتاج الميلاتونين عندما تكتشف شبكية العين الضوء ويتم تحفيزه في غياب الضوء، ترسل خلايا مُستقبلات الضوء الخاصة في شبكية العين إشارات حول حالة الضوء إلى الساعة البيولوجية للجسم، ثم تنتقل هذه الإشارات إلى الغدة الصنوبرية.
أشياء يجب أن تعرفها عن الساعة البيولوجية
هناك بعض المعلومات الأساسية التي يجب أن تعرفها عن الساعة البيولوجية، ومنها
1- إنها ساعة مُعقدة جداً
الساعة البيولوجية للجسم ليست كالساعات التي تُعلقها على الحائط أو ترتديها في يدك، هي في الواقع عبارة عن سلسلة من الساعات يتم التحكم فيها بواسطة "ساعة رئيسية" واحدة موجودة في الدماغ. يعمل هذا النظام على النحو التالي تشمل الجينات الموجودة داخل الجسم تعليمات لصنع البروتينات، والتي يتم إنتاجها في موجات ترتفع وتنخفض على مدار اليوم في دورة تدوم 24 ساعة.
تدير الساعة الرئيسية هذه الإيقاعات اليومية باستخدام مجموعة من حوالي 20.000 خلية عصبية تسمى النوى، والموجودة في منطقة ما تحت المهاد، ويقع هذا الجزء من الدماغ فوق العصب البصري وينتج الهرمونات التي تحكم درجة حرارة الجسم والجوع والدافع الجنسي وأعمال الجسم الأخرى.
الهرمونات التي تم إنتاجها لا تملي فقط أننا نحتاج إلى الأكل أو النوم، ولكن أيضاً تتحكم في معدل ضربات القلب وإنتاج خلايا الدم والسكر في الدم، وعلى الرغم من كون الجينات والبروتينات تحدد بشكل عام الإيقاعات الفردية، إلا أن العوامل الخارجية المتعلقة بالضوء والظلام يمكن أن يكون لها أيضاً تأثير كبير على كيفية معرفة جسمك للوقت.
2- الميلاتونين هو الذي يساعد أجسادنا على النوم
الميلاتونين هو مادة كيميائية تُنتج بشكل طبيعي، وتجعلك ترغب في النوم، فمن بين العديد من الهرمونات التي يتم ضخها عبر الجسم، تتحكم نوى في إنتاج نوعية الهرمونات التي تجعلهم يشعرون بالنعاس ويرغبون في النوم، والميلاتونين هو مادة كيميائية تُنتج بشكل طبيعي وتساعد على تنظيم الإيقاع اليومي، كلما زاد إنتاج الجسم للميلاتونين، زاد احتمال شعورك بالنعاس.
يختلف جدول إنتاج الميلاتونين، كما سبق الذكر، وفقاً للضوء، يقوم بعض الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النوم بتناول حبوب الميلاتونين لمساعدتهم في الحصول على قسط من الراحة، ويحذر الخبراء من أن المستخدمين يجب أن يكونوا حريصين على مراقبة حجم الجرعات وتوقيتها حتى لا يقوموا بالقضاء على ساعاتهم البيولوجية الطبيعية.
3- تتأقلم الساعة البيولوجية للجسم مع تغييرات الموقع
الميلاتونين هو أيضاً السبب في أنك تعاني من اضطراب الرحلات الجوية الطويلة؛ يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى يتكيف جسمك مع منطقة زمنية مختلفة ويطلق المادة الكيميائية في الوقت الصحيح الجديد.
يمكن التفكير في ساعة الجسم كإصدار بشري من النسخة الموجودة على هاتفك الذكي، إذا قمت بإيقاف تشغيل الهاتف عندما استقللت طائرة في نيويورك وقمت بتشغيلها مرة أخرى عندما تهبط رحلتك في لوس أنجلوس، فستلاحظ أن الساعة تقوم تلقائياً بضبط الوقت لتعكس أنك الآن في منطقة مختلفة، بنفس الطريقة، فإن ساعة جسمك سوف تتكيف في النهاية مع دورة الضوء/الظلام الجديدة للمكان الذي تتواجد فيه.
هذا التحول لا يحدث على الفور، لأن جسمك تعود على إطلاق الميلاتونين في وقت معين من كل ليلة، وسيستمر في البداية في القيام بذلك كما اعتاد، حتى بعد أن يخبر العصب البصري المخ بأنه لا يزال هناك ضوء في الخارج.
4- ساعاتنا البيولوجية قديمة قدم الزمن
يعتقد العلماء أن الساعات الداخلية تطورت منذ أكثر من 3 مليارات عام في البكتيريا الزرقاء، ما نسميه أيضاً الطحالب الخضراء المزرقة، لكنهم لا يعرفون بالضبط سبب وجودها، يقول البعض إن هذه كانت طريقة طبيعة الكائنات الحية التي تتنافس جميعها على نفس مصادر الطاقة.
تطورت إيقاعات الساعة البيولوجية بحيث تتغذى بعض المخلوقات خلال النهار والبعض الآخر يفعل ذلك في الليل، وبحيث لا تتعارض مع بعضها البعض.
5- تستمد الساعة البيولوجية أهميتها من أهمية النوم لأجسامنا
قد تكون المهمة الأساسية لإيقاعات الساعة البيولوجية في البشر هي كونها تساعد على النوم، والنوم له أهمية بالغة للإنسان.
فعندما نحصل على القدر الكافي من النوم، فإن الجسم يستعيد نفسه، ويشمل ذلك صيانة وإصلاح العمليات الحيوية الأساسية مثل نمو العضلات، وصيانة الأنسجة، وإنتاج البروتين وإطلاق هرمونات النمو، وهذه الهرمونات تساعد الأطفال على النمو بشكل طبيعي، وتلعب أيضاً دوراً رئيسياً في مساعدة البالغين على إعادة بناء الأنسجة بمرور الوقت.
ويُعتقد أن بعض هذه الوظائف تحدث فقط أثناء ساعات النوم، مما يفقد الحيوانات المحرومة من النوم كل وظائف المناعة ويُعرضها للموت في غضون بضعة أسابيع فقط.
يساعد النوم البشر على استعادة طاقتهم العقلية ووظائفهم المعرفية التي غالباً ما يتم استهلاكها أثناء ساعات اليقظة.
6- الرغبة في النوم بعد الغداء أمر طبيعي
هل تساءلت يوماً عن سبب اضطرارك إلى محاربة الرغبة في النوم بعد الغداء خاصةً إذا كنت في العمل ولا تستطيع الاستسلام؟
هذا الأمر يعود بشكل طبيعي إلى إيقاع جسمك اليومي بعد تناول وجبة وقت الظهيرة، فهناك نظام يسمى نظام التوازن بين النوم والاستيقاظ، وهو النظام الذي يخبر جسمك أنه قد حان وقت النوم، خاصةً بعد الاستيقاظ لفترة طويلة، وهذا ما يحدث عند الظهيرة، فبحلول الساعة الثانية بعد الظهر، عادةً ما تكون مستيقظاً لمدة ثماني ساعات على الأقل، فهذا النظام إلى جانب تناول وجبة غداء كثيفة، يجعلك تريد أن تأخذ غفوة.
وعلى الرغم من أنه ليس كل شخص لديه هذا الشعور بنفس الدرجة لكنه في النهاية شعور طبيعي، في الواقع، بالنسبة لمعظم البالغين، فإن أقوى حملات النوم لديهم تكون في الساعة الثانية بعد الظهر، والثانية صباحاً، وذلك بفضل إيقاعاتهم اليومية، ومع ذلك إذا حصلت على نوم جيد ليلاً، فستقل الرغبة في أخذ غفوة وقت الغداء.
7- أضواء الأجهزة الإلكترونية تُعرض الساعة البيولوجية للخلل
لا تقرأ من جهازك اللوحي أو تشاهد التلفاز قبل وقت النوم مباشرة، فيمكن للضوء أن يُسبب خللاً لساعتك البيولوجية، لأن هذه الساعة الداخلية، كما سبق الذكر، بشكل عام تتوافق مع الضوء والظلام. عندما يبدأ الظلام في الليل، يخبر الدماغ الجسم بأن الوقت قد حان للراحة من خلال إطلاق الميلاتونين في مجرى الدم، وهو ما لا يحدث عندما تظل تُعرض عينيك للضوء الاصطناعي.
فيمكن أن يرسل الضوء الاصطناعي إشارات مختلطة، نعم، قد يكون ضوء الليل البسيط في غرفة النوم من خلال مصباح صغير أو أباجورة ضرورياً للتنقل من غرفة النوم إلى الحمام، لكن الأنوار الأخرى يمكن أن تُخلّ بساعتك البيولوجية، يتضمن ذلك الإضاءة القادمة من جهاز تلفزيون أو كمبيوتر أو هاتف ذكي.
يُفضل الكثير من الناس متابعة المشاهدات الترفيهية عبر أجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية الخاصة بهم قبل النوم، لكن الضوء الاصطناعي الذي ينبعث من هذه الأجهزة قد يُضلل عقلك ويدفعه إلى التفكير في أنه يجب أن يظل مستيقظاً.
8- كائنات حية غير البشر تعتمد على ساعاتها البيولوجية
تعتمد الدببة على إيقاعات الساعة البيولوجية الموسمية لتخبرها عن موعد السبات لفصل الشتاء، وكذلك موعد الخروج من أماكن اختبائها، لدى الثدييات الأخرى أيضاً ساعات للجسم تُملي عليها إيقاعات مُعينة عندما ترتفع الشمس في الصباح وعندما تغرب مساء.
وبالمثل تطير الطيور جنوباً لفصل الشتاء بناء على إيقاعات الساعة البيولوجية، والتي تتكيف مع التغيرات في درجات الحرارة وتناقص كمية ضوء الشمس يومياً.
ليس فقط الثدييات التي تحتفظ بالوقت بشكل طبيعي وتعتمد على ساعاتها البيولوجية، ولكن أيضاً الإيقاعات الداخلية تدفع النباتات إلى فتح أوراقها عند الفجر وإغلاقها ليلاً، كما أنها تحدد متى تتفتح الزهور موسمياً.