تقرير أمريكي: الإمارات زرعت جاسوساً داخل البيت الأبيض للتحكّم في سياسة ترامب

عربي بوست
تم النشر: 2019/06/11 الساعة 13:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/11 الساعة 14:23 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في البيت الأبيض بواشنطن يوم 15 مايو ايار 2017. - رويترز.

التأثير الإماراتي على قرارات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الشرق الأوسط كان دائماً محل تساؤل من جانب وسائل الإعلام الأمريكية، لكن يبدو أن القصة أعمق كثيراً مما تكشف حتى الآن، وهذا ما نعرفه من هذا التقرير الذي نشره موقع "ذا إنترسيبت" الأمريكي بخصوص جاسوس إماراتي في إدارة ترامب، فما القصة؟

في يناير 2017، وقبل 3 أيام فقط من تنصيب ترامب رسمياً، تلقى رجل أعمال إماراتي الدعوة لحفل عشاء فاخر أقامه حليف ترامب القوي توماس جي. باراك الصغير الذي تولى رئاسة اللجنة المشرفة على حفل التنصيب الرسمي لصديقه ساكن البيت الأبيض الجديد. قائمة ضيوف الحفل أجلست راشد المالك، الذي دخل في صفقة تجارية واحدة مع باراك، ضمن 100 دبلوماسي أجنبي وكبار مسؤولي الإدارة الأمريكية القادمة، والمفاجأة أن الرئيس المنتخب نفسه حضر الحفل!

تحقيقات بالصدفة كشفت المستور

بعد أشهر قليلة ظهر اسم المالك في إطار تحقيق فيدرالي في تهم بتقديم تبرعات غير قانونية لصندوق تمويل حفل تنصيب الرئيس وتشكيل تحالف قوي من المتبرعين الشرق أوسطيين لدعم ترامب.

وكان المالك قد خضع للتحقيق من جانب أعضاء فريق المحقق الخاص روبرت مولر (في تهم التواطؤ الروسي في انتخاب ترامب وعرقلة الرئيس للعدالة) وكان "متعاوناً" مع المحققين، كما قال محاميه لموقع ذا إنترسيبت الذي نشر هذا التقرير.

وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً تقريراً أفاد بأن التحقيق لا يزال جارياً بخصوص مدى تورّط المالك في مؤامرة غير قانونية للتأثير في السياسة الأمريكية.

جاسوس يتلقى تكليفات وأجر

حقيقة الأمر هي أن النتيجة التي توصل إليها مجتمع المخابرات الأمريكية هي أن المالك عمل كجاسوس لصالح المخابرات الإماراتية طوال عام 2017، كما علم موقع ذا إنترسيبت.

قام المالك بتقديم تقارير للمخابرات الإماراتية تخصّ جوانب سياسة إدارة ترامب في الشرق الأوسط، بحسب ما أفاد به مسؤول أمريكي سابق، وبحسب مستندات اطلع عليها موقع ذا إنترسيبت، وقد خصصت المخابرات الإماراتية للمالك اسماً حركياً ودفعت له عشرات الآلاف من الدولارات شهرياً مقابل جمع المعلومات، وساعده عمله كمستثمر ورجل أعمال أن يكون لديه الغطاء المثالي والمناسب.

وبعد أن خضع للتحقيق في سياق تحقيقات مولر، غادر المالك لوس أنجلوس حيث كان مقيماً بها لعدة سنوات، وعاد إلى الإمارات.

الغطاء المناسب

المالك الذي كان يعمل مديراً في برنامج علوم الفضاء في دبي ورئيساً لمجلس إدارة شركة هيا القابضة، كانت مهمته تقديم تقارير لضباط المخابرات المسؤولين عنه حول الموضوعات التي لها تأثير على الإمارات مثل المحاولات داخل إدارة ترامب لاستهداف جماعة الإخوان، وجهود الولايات المتحدة للوساطة في النزاع بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى، والاجتماعات التي يعقدها كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية مع وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي جاء تصعيده الصاروخي في بلاده بدعم قوي ومعلن من الإمارات وولي عهدها محمد بن زايد.

كما أخبر المالك الضباط المسؤولين عن توجيهه أنه تواصل مع أفراد أمريكيين لم تتم تسميتهم بشأن مشروع تجاري محتمل سيكون مرتبطاً بالرئيس ترامب نفسه ولكن بصورة غير مباشرة، وليس واضحاً ما طبيعة المهمة ولا مع من تحدث المالك ولا هل تمت الصفقة أم لا.

محاميه ينفي التهمة

بيل كوفيلد، محامي المالك، أخبر موقع إنترسيبت عبر البريد الإلكتروني أن "المالك ليس عميلاً للمخابرات"، مضيفاً أن "السيد المالك رجل أعمال مشارك في مشروعات تجارية كثيرة وكثيراً ما يتلقى الأموال مقابل استشارات يقدمها، لكنه لم يتلقَّ أية أموال مقابل التجسس على إدارة ترامب ولم يتم أبداً تكليفه بتوصيل معلومات بشأن الأعمال الداخلية لإدارة ترامب".

يقوم ضباط مكافحة التجسس في المخابرات الأمريكية بشكل اعتيادي بمراقبة جهود الحكومات الأجنبية للتأثير على السياسة الأمريكية، ولكن أي عملية تقوم بها الإمارات تحديداً تحمل حساسية خاصة لإدارة ترامب وتمثل مخاطر لرئيس تمثل علاقاته التجارية الجارية باباً محتملاً لوجود تضارب في المصالح، فقد حققت مؤسسة ترامب ملايين الدولارات من الأرباح سنوياً من استغلال اسم ترامب في نادي للغولف في دبي، وبعد انتخابه بفترة قصيرة تفاخر ترامب علناً بأنه رفض ملياري دولار من شريكه الإماراتي في دبي حسين ساجواني.

يلعب دور غير قانوني؟

القانون الأمريكي يمنع أي شخص لا يحمل صفةً رسمية دبلوماسية أو قنصلية من العمل داخل الولايات المتحدة نيابةً عن حكومة أجنبية دون إبلاغ وزارة العدل أولاً، رغم أن القانون يحمل استثناءات "لممثلي الحكومات الأجنبية المعترف بهم وأولئك المشاركين في صفقة تجارية بشكل قانوني".

الروسية ماريا بوتينا

في مطلع العام الجاري أقرَّت المواطنة الروسية ماريا بوتينا بالذنب في تهمة التآمر لتشكيل "قناة خلفية" من الاتصالات بين المسؤولين الأمريكيين المحافظين والكرملين وتم الحكم عليها بالسجن 18 عاماً وسيتم ترحيلها لموسكو بعد قضاء العقوبة.

من جانبه، رفض البيت الأبيض التعليق على موضوع المالك، وأحال الأسئلة لوكالة المخابرات المركزية ووزارة العدل، وكلاهما رفض الرد بشكل رسمي على الأسئلة، كما رفضت سفارة الإمارات في واشنطن الرد رغم تعدد محاولات الموقع معهم بكل وسائل الاتصال.

مدير المخابرات شخصياً

وبحسب مصادر "ذا إنترسيبت"، من بين المشرفين على المالكي كان علي الشامسي، مدير المخابرات الإماراتية، وقد وصف مصدر يعرفه جيداً بأنه (الشامسي) "أكثر من مجرد جاسوس"، فهو المرسال السري لمحمد بن زايد وأخيه طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي الإماراتي.

"من الواضح أن الشامسي والحكومة الإماراتية يعتقدون أنه يمكنهم التأثير على ترامب من خلال عقد صفقات تجارية معه"، بحسب شخص على دراية مباشرة بعمليات المخابرات الإماراتية، طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مصرح له بالتحدث إلى الصحافة.

التأثير من خلال الأموال

في ردِّه عبر البريد الإلكتروني، قال كوفيلد إنه "حسب معلوماته لم يقم المالك أبداً بمناقشة أي صفقات تجارية مع المخابرات الإماراتية"، مستدركاً أن "المالك يشارك أفكاره حول السياسات الأمريكية والعلاقات مع الإمارات بشكل عام مع كل المحيطين به"، ورفض كوفيلد الرد على أسئلة تتعلق بما إذا كان موكله قد تواصل مع الشامسي أو أي مسؤول آخر من المخابرات الإماراتية أو إذا كان قد تلقى أموالاً شهرية من طرف المخابرات الإماراتية.

"السيد المالك رجل أعمال يحب الإمارات ويحب الولايات المتحدة. يبحث دائماً عن بناء علاقات أقوى بين البلدين، وقد عبر بشكل معلن عن معتقداته أن تشكيل علاقة أقوى يكون من خلال الازدهار الاقتصادي"، كتب كوفيلد في ردّه.

"وقد عبر المالك في مناسبات عديدة أنه ناقش أفكاراً تجارية لمشاريع إماراتية في الولايات المتحدة، وناقش بشكل دائم منافع الاستثمار الإماراتي في الولايات المتحدة مع التركيز على خلق الوظائف كأفضل وسيلة لخلق علاقة أقوى بين مواطني البلدين، كما أن مناقشاته تناولت أيضاً الفوائد لقيادة البلدين".

ولا تمتلك الإمارات جهازاً مخابراتياً قوياً نظراً لصغر مساحتها وقلة عدد السكان، إلا أنها تعتمد على رجال الأعمال والمواطنين الأغنياء الذين تربطهم علاقات شخصية بالأسر الحاكمة لتنفيذ مهمات استخباراتية لجمع المعلومات لصالح الحكومة، بحسب مسؤولين سابقين في المخابرات الأمريكية.

وعلى الأرجح أن المالك تم تجنيده كجاسوس "لأنه كان يمتلك بالفعل صلات قائمة ودوراً طبيعياً"، بحسب الشخص ذي الدراية بالمخابرات الإماراتية.

لم يرد كوفيلد على طلب موقع ذا إنترسيبت لإجراء مقابلة صحفية مع موكله.

نجاحاته تتحدث عن دوره

رسم لراشد المالك – موقع ذا إنترسيبت

وسواء نجح المالك أم لم ينجح في جهوده، فقد انتصرت الدولة الخليجية الصغيرة والغنية بالنفط أثناء إدارة ترامب، حيث نالت أهداف سياستها الخارجية جميعها بلا استثناء دعم الرئيس الأمريكي بشكل شخصي.

ففي عام 2017، غرّد ترامب دعماً للسعودية والإمارات في محاولتهما لحصار قطر مناقضاً موقف إدارته بشكل علني. ورغم معارضة الكونغرس بيع أسلحة للسعودية في أعقاب جريمة قتل المعارض السعودي جمال خاشقجي التي هزّت العالم والولايات المتحدة، قام ترامب بتفعيل فقرة طوارئ قومية غامضة ونفذ من خلالها الصفقات.

وعندما صوّت الكونغرس ضد الدعم الأمريكي للتحالف السعودي – الإماراتي في الحرب على اليمن التي سقط خلالها آلاف المدنيين، استخدم ترامب حق الفيتو ليواصل دعمه للتحالف، كما تحاول إدارة ترامب تصنيف جماعة الإخوان المسلمين جماعةً إرهابية تلبية لمطالب الإمارات وحلفائها في المنطقة السعودية ومصر.

من هو المالك؟

لا يتردد اسم المالك كثيراً في وسائل الإعلام، لكن المعروف أنه بدأ حياته طياراً في "طيران الإمارات"، وهي شركة الخطوط الجوية المملوكة لحكومة دبي، وسافر إلى الولايات المتحدة عام 1998 لدراسة الطيران في جامعة ويست ميشيغان وكرمته سفارة الإمارات في واشنطن لتفوقه الأكاديمي، بحسب بروفايل عنه على موقع متخصص في الطيران.

وعمل المالكي طياراً من عام 2000 إلى 2006 قبل أن يصبح مديراً تنفيذياً في مؤسسة الفضاء بدبي، وترك عمله بها عام 2008 وهو الآن يدير مجموعة "هيا" القابضة.

ما علاقته بباراك؟

ليس معروفاً متى وكيف تقابل المالك مع باراك المستثمر الملياردير وأبرز المساهمين في حملة ترامب الانتخابية عام 2016، ولكن المعروف أن باراك والمالك حاولا عام 2013 الدخول في شراكة لعمل صفقة عقارية لتطوير وسط مدينة أوكلاند وربما بناء استادات رياضية وفنادق، وقد شكّلت هيا القابضة وشركة كولوني كابيتال التي يرأسها باراك مشروعاً استثمارياً مشتركاً باسم مجموعة الخليج للاستثمارات لكنها لم تستمر.

توماس باراك أثناء حفل تنصيب ترامب – أرشيفية

وباراك يتحدث العربية كونه حفيداً لمهاجر لبناني ومعروفاً بعلاقاته التجارية الممتدة بدول الخليج بما فيها السعودية وقطر والإمارات، وبحسب تقرير لمجلة تايم الأمريكية الصيف الماضي، تحصلت مؤسسة باراك على 7 مليارات دولار كاستثمارات جديدة منذ وصول ترامب للبيت الأبيض، ربع ذلك المبلغ من دول الخليج.

كما يتمتع باراك بعلاقة صداقة مع يوسف العتيبة، سفير الإمارات القوي في واشنطن، وفي أبريل/نيسان عام 2016 عندما أطلق ترامب (المرشح للرئاسة وقتها) تصريحه الشهير "بالمنع التام والشامل للمسلمين من دخول الولايات المتحدة، كتب العتيبة لباراك قائلاً: "الحيرة بخصوص صديقك دونالد ترامب مرتفعة للغاية"، بحسب مراسلات بريد إلكتروني نشرتها التايمز وصحف أخرى.

ورد باراك محاولاً طمأنة العتيبة بقوله إن ترامب "يمتلك مشاريع مشتركة في الإمارات"، مضيفاً: "يمكننا أن نحوله إلى شخص بعيد النظر، كل ما يحتاجه هو بضعة عقول عربية تتسم بالذكاء الحقيقي يمكنه أن يتناقش معهم وأنت شخصياً على رأس تلك القائمة!".

وكان العتيبة أيضاً ضمن قائمة المدعوين لعشاء الاحتفال الفاخر على شرف ترامب، وهو الحفل نفسه الذي كان المالك حاضراً فيه. ذلك العشاء كان غير عادي ليس فقط بسبب البذخ المفرط ولكن بسبب جلوس عدد كبير من رجال الأعمال الأجانب بجوار أعضاء الإدارة الأمريكية والمسؤولين فيها قبل أن يتسلَّموا مناصبهم بشكل رسمي، وهو ما يعني وجود صلات مباشرة وشخصية بين الطرفين.

العتيبة سفير الإمارات في واشنطن – فرانس برس

وبعد أسبوع واحد من فوز ترامب بالانتخابات، سعى العتيبة للحصول على معلومات داخلية من باراك، فأرسل له بريداً إلكترونياً يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، يسأله: "لو كانت لديك أية رؤى بخصوص الترشيحات في وزارات مثل الخارجية والدفاع ووكالة المخابرات المركزية ومستشار الأمن القومي، أكون ممتناً لك جداً، سوف أطلع رؤسائي فقط وأية مؤشرات تقدمها لي ستكون محل تقدير"، بحسب موقع ميدل إيست آي.

ورد عليه باراك: "نعم لديّ مؤشرات ورؤى ونعمل عليها حالياً ومصالحنا الإقليمية نُصْبَ عيني، عندما تتاح لك الفرصة دعنا نتحدث هاتفياً".

وقد أخبر مصدر قريب من باراك موقع ذا إنترسيبت أن المالك وباراك تحدثا عدة مرات عام 2018، لكن باراك ليست لديه أية اتفاقات تجارية مع المالك حالياً.

تحميل المزيد