تأتي أول وساطة في السودان بعد مجزرة فض الاعتصام من جانب رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد لتطرح عدداً من التساؤلات المهمة حول غياب الدور العربي أو بمعنى أكثر دقة مدى مصداقية هذا الدور وقدرته على تحقيق طموحات الشعب السوداني الذي لجأ للشارع في احتجاج سلمي سعياً وراء الديمقراطية والحكم المدني بعد عقود من الحكم العسكري، فهل تنجح أول وساطة في السودان في إعادة الأمور إلى مسار التفاوض بين المجلس العسكري المؤقت والقوى المدنية أم أن الدماء التي سالت في ميدان الاعتصام أصبح من المستحيل تجاوزها؟
تحرك آبي أحمد جاء بصفة إثيوبيا تتولى رئاسة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي الذي صوت أمس الخميس 6 يونيو/حزيران لصالح تعليق مشاركة السودان في أنشطته لحين تشكيل حكومة مدنية، في قرار يُعتبر موجَّهاً ضد المجلس العسكري، بحسب رويترز.
ويأتي القرار قبل انتهاء المدة التي منحها الاتحاد الإفريقي، مطلع مايو/أيار الماضي، (مهلة 60 يوماً) للمجلس العسكري في السودان، لتسليم السلطة لحكومة انتقالية.
ماذا يريد المجلس العسكري؟
الموقف الآن في السودان بعد مذبحة فض الاعتصام التي سقط خلالها أكثر من 100 قتيل بحسب القوى المدنية و60 بحسب المجلس العسكري وصل إلى طريق مسدود، فقوى الحرية والتغيير أعلنت مواصلة الاحتجاج السلمي والعصيان المدني حتى عزل المجلس العسكري الحالي برئاسة عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع المسؤولة عن مذبحة فض الاعتصام.
المجلس العسكري المؤقت بعد أن أعلن عن وقف التفاوض مع القوى المدنية وتراجع عن الاتفاقات معها وأعلن عن تشكيل حكومة تدير البلاد حتى إجراء الانتخابات في موعد أقصاه تسعة أشهر، عاد على لسان البرهان وأعلن استعداده للتفاوض مرة أخرى.
آبي أحمد كان قد أعلن قبل ذلك عدم تدخل بلاده فيما يجري في السودان مما يطرح التساؤل حول وصوله اليوم الجمعة 7 يونيو/حزيران إلى السودان، فهل ذلك بتكليف الاتحاد الإفريقي فقط أم أنه يخشى من تأثر بلاده بما يجري في الجارة السودان إذا ما خرجت الأمور عن السيطرة؟
غياب الدور العربي
في ظل الأوضاع غير المستقرة في ليبيا والجزائر وسوريا والعراق، لا يبدو أن هناك دولاً عربية مؤهلة للقيام بدور الوساطة في السودان أكثر من الجارة مصر ودول الخليج، فلماذا لم تتحرك أي منها للعب دور الوساطة؟
فبالنسبة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تعد الاحتجاجات في السودان قريبة جداً بدرجة تبعث على القلق، وانعكس ذلك في استقباله للبرهان قبل أيام من مجزرة فض الاعتصام ولم يصدر عن القاهرة أي إدانة للمجزرة.
فقد قالت مصر في بيان أصدرته خارجيتها إنها تتابع ببالغ الاهتمام تطورات الأوضاع على الساحة السودانية والأحداث الأخيرة وتداعياتها، وتعرب عن مواساتها لأسر الشهداء وتتمنى الشفاء العاجل للجرحى.
انحياز النظام المصري إذن ليس مع القوى المدنية التي تسعى لإبعاد العسكريين عن السلطة، وبالتالي من البديهي ألا تقبل المعارضة المدنية بوساطة مصرية حتى لو عرضت القاهرة القيام بتلك الخطوة وهو ما لم يحدث أصلاً.
الأمر نفسه ينطبق على الإمارات والسعودية التي تمثل مع مصر مثلث العداء المعلن للحكم الديمقراطي في المنطقة وتتخذ من محاربة الإرهاب ذريعة لسياساتها، بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية حول الأوضاع في السودان.
ماذا لو فشلت وساطة إثيوبيا؟
لو أخذنا جميع الاعتبارات على أرض الواقع في السودان نجد أنه لا يوجد حل منطقي الآن سوى العودة لطاولة الحوار بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري المؤقت الحالي رغم الدماء التي سالت في ساحة الاعتصام.
محمد صالح مطر، الصحفي السوداني، قال لوكالة سنوتنيك الروسية إن المشهد في السودان أصبح مرتبكاً بشكل كبير، في ظل الضغوط الموجودة على المجلس العسكري من قوى الحرية والتغيير واتحاد المهنيين، في الوقت الراهن.
وأضاف أن الاتحاد الإفريقي لم يمهل المجلس العسكري فرصة لالتقاط الأنفاس، وأن السيناريو الأقرب في الوقت الراهن للسودان، هو السيناريو الليبي.
وتابع أن الوضع قد يذهب إلى الانقسام الحاصل في ليبيا منذ سنوات، وأن الحل في اتفاق قوى الحرية والتغيير والشارع السوداني واستماعهم لصوت العقل، وتقديم تنازلات من الطرفين، سواء المجلس الانتقالي أو القوى الشعبية والسياسية.
وشدد صالح مطر على ضرورة التوافق على حل سريع، في غضون الـ48 ساعة القادمة، حتى لا يتحول السودان إلى سيناريو قد يؤدي إلى الانقسام.