حقَّق الإضراب العام الذي دعت إليه قوى الحرية والتغيير في السودان نجاحاً ملحوظاً، لكن المؤشرات لا تبدو جيدة على إمكانية تحقيق الغرض الرئيسي من الثورة الشعبية في السودان، وهو الانتقال السلمي للسلطة من أيدي المجلس العسكري المؤقت، الذي يدير البلاد، إلى سلطة مدنية في تحوُّل ديمقراطي يحلم به السودانيون منذ عقود طويلة، فما هي تلك المؤشرات؟ ولماذا يتصدَّر نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو "حميدتي" المشهد الآن؟
الموقف الآن في السودان أصبح واضحاً، فالمجلس العسكري المؤقت يريد أن تكون له اليد العليا في قيادة المرحلة الانتقالية من خلال الأغلبية في المجلس السيادي المقترح تشكيله للإشراف على إعداد البلاد للتحول الديمقراطي، وبسبب هذه النقطة انهارت المفاوضات مع قوى الحرية والتغيير.
المجلس العسكري مدعوم إقليمياً من مصر والسعودية والإمارات، وهي الدول الثلاث التي توجَّه إليها رئيس المجلس عبدالفتاح برهان ونائبه "حميدتي" في زيارات أكدت للقوى المدنية أن تسليم السلطة نزولاً على الإرادة الشعبية ربما لا يكون خياراً وارداً في أذهان العسكريين.
قوى الحرية والتغيير نددت بالزيارات ورأت فيها "استقواء بالخارج"، حيث قال القيادي في قوى التغيير، بابكر فيصل، في مؤتمر صحفي، إن إقحام السودان في الصراعات الدولية هو نفس سلوك البشير الذي تسبب بأضرار كبيرة، مضيفاً: "لا نعلم شيئاً عن أجندة الزيارات الخارجية لرئيس المجلس العسكري، عبدالفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان حميدتي، إذا كان هدف تلك الزيارات هو الاستقواء بالخارج، وإقحام السودان في صراع المحاور الدولية، فهو أمر مرفوض بالنسبة لنا، ويعتبر تحايلاً على الثورة السودانية"، بحسب وكالة الأناضول.
"حميدتي" لا يخشاه الناس
كان لافتاً أن يستخدم "حميدتي" التهديد بفصل مَن يشارك في الإضراب، لكن الرد جاء أكثر جرأة ربما مما توقَّع هو شخصياً.
وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع مصوَّر لدقلو يشير فيه إلى أن المضربين قد يفقدون وظائفهم "أي شخص يضرب فليذهب إلى بيته فوراً"، ورداً على ذلك نشر محتجون صوراً لهم وهم يحملون لافتات كُتب عليها عبارة "حميدتي، تعالَ افصلني".
يرى نفسه الرئيس القادم
يوماً بعد يوم يتضح أكثر دور "حميدتي" في قيادة الثورة المضادة في السودان، وبحسب صحيفة الغارديان البريطانية، يقول مبعوثون غربيون وناشطون مُعارضون في الخرطوم إن قائد قوات التدخل السريع، الذي ينتمي إلى عائلة من تجار الإبل في محافظةٍ نائية وتسرَّب من التعليم حين كان في المدرسة الابتدائية، يأمل أن يصبح رئيساً، وأخبر شخصٌ معارض، طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من الانتقام، الصحيفة: "لقد خطَّط حميدتي ليصبح الرجل الأول في السودان، لديه طموح غير محدود".
ويقول بعض المحللين إن حميدتي مدعوم من جانب تحالف غير رسمي يضم مؤيدين متنوعين، كما يراه البعض حليفاً ضد الحركة الإسلامية التي دبرت انقلابَ عامِ 1989، الذي أوصل البشير إلى السلطة وعزَّز نظامه.
التقرير الذي نشرته الغارديان الأربعاء 29 مايو/أيار بعنوان "حميدتي الذي يدير الأمور في السودان" ربما لم يأتِ بجديد بالنسبة لغالبية السودانيين فهذا ما يعرفونه منذ لحظة الإعلان عن إبعاد البشير، فالرجل يخبر الدبلوماسيين الأجانب بأنَّ الإطاحة بالبشير كانت فكرته هو، كما أنه تولَّى مركز الصدارة في التفاوض مع المدنيين.
قوات الدعم السريع
بجانب الدعم السعودي-الإماراتي لحميدتي، الرجل بصفته قائد قوات الدعم السريع وهي الميليشيات التي شكَّلها أثناء الحرب الأهلية في دارفور واتهمتها المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية هناك، يحظى بالولاء التام لتلك الميليشيات التي تتفاوت التقديرات بشأن عددها وعُدتها.
بعض التقديرات الاستخباراتية لدول غربية تقول إن حميدتي لديه 20 ألف جندي إجمالاً، يوجد بضعة آلاف منهم في العاصمة الخرطوم، وتقول دول أخرى إنَّ حميدتي لديه 20 ألفاً يتمركزون في الخرطوم وحدها، وعشرات آلاف آخرين في دارفور ويقاتلون باليمن لمصلحة السعودية والإمارات.
وأيّاً كان الرقم الحقيقي، فإنَّ جنود حميدتي مُسلَّحون جيداً في أنحاء الخرطوم ولديهم مجموعات من القذائف الصاروخية المحمولة على ظهر الشاحنات، وربما يحصل كذلك على المساعدة من موسكو، حيث تحدَّثت بعض قوات حميدتي لمجلة فورين بوليسي بلغة روسية بسيطة.
وبحسب تقارير إعلامية، مباحثات حميدتي وولي عهد السعودي محمد بن سلمان تركزت على بقاء القوات السودانية المشارِكة ضمن التحالف العربي باليمن، مقابل دعم المملكة للسلطات الجديدة في السودان بكل السبل.
حادث تواجد أعداد كبيرة من قوات الدعم السريع داخل مباني وزارة الكهرباء التي شهدت مشادات بين دعاة الإضراب ومعارضيه في الساعات الأولى من الإضراب، في محاولة لإثناء الموظفين عن قرارهم بالمشاركة، له دلالة خاصة.
حوادث إطلاق النار على المعتصمين أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم كان لقوات الدعم السريع تواجد دائم بها بصورة أو بأخرى، وهي إشارة أخرى بالغة الأهمية تكشف استخدام حميدتي لكل أدوات الثورات المضادة في المنطقة العربية.