يأمل علماء من خمسة بلدان، منها المملكة المتحدة، في التوصُّل إلى علاجٍ عالميٍ للدغات الأفاعي باستخدام نفس التكنولوجيا التي اكتشفت الأجسام المضادة لفيروس نقص المناعة البشرية (HIV).
وسيقوم اتحاد جديد من مُتخصصي علم السموم في الهند، وكينيا، ونيجيريا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، بتحديد وتطوير أجسام مضادة لعلاج الأمراض الخطيرة الناجمة عن لدغات الأفاعي، والتي تصيب نحو 3 ملايين شخصاً حول العالم، كل عام، بحسب ما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية، الخميس 24 مايو/أيار 2019.
وقال البروفيسور روبرت هاريسون، الذي يدير مركز أبحاث لدغات الأفاعي والتدخلات الطبية في كلية ليفربول للطب المناطق الحارة، إن هذا الاتحاد سيسعى للحصول على ترياق يتكوَّن من "أجسامٍ مُضادة متوافقة مع أجسام البشر"، بدلاً من العلاجات التقليدية المُعتَمِدة على الحيوانات، والتي قد تتسبَّب أحياناً في تأثيرات ضارَّة على ضحايا لدغات الأفاعي.
وأضاف هاريسون: "نحن نسعى وراء ما نُسمِّيه (الجيل المقبل) من علاجات لدغات الأفاعي، والذي نأمل أن يكون قادراً على علاج لدغات أي أفعى في إفريقيا أو الهند، في بيئة مُجتمعية، وبدون الحاجة إلى سلسلة تبريد" (نظام تخزين اللقاحات ونقلها من نقطة التصنيع إلى نقطة الاستخدام في درجات حرارة موصى بها لضمان فعاليتها).
وتابع أن "الطريقة التقليدية لإنتاج مُضادات السموم المُستخدمة لعلاج لدغات الأفاعي تنطوي على أجسامٍ مُضادة تقوم بمهمة تنقية الجسم المصاب، وتُستَخلَص من خيولٍ أو خِراف تم تحصينها بالسم، وحقن هذه المُضادات في أجسام المرضى. وقد يتسبَّب ذلك في آثارٍ جانبية، ولهذا السبب يجب أن تُعطى مُضادات السموم في أحد المستشفيات".
وأوضح أن "هذا يعني أنه يتعيَّن على الضحايا الوصول إلى المستشفى من مواقعهم، وهو عادة ما يستغرق عدة ساعات، وخلال هذه المدة عادةً ما يتقدَّم المرض بشدة، وقد يؤدي ذلك في بعض الأحيان إلى تشوُّهات شديدة أو الموت".
تمويل ضخم
وقال روري ستيوارت، وزير التنمية الدولية في المملكة المتحدة، والذي أعلن الأسبوع الماضي تقديم 9 ملايين جنيه إسترليني (ما يعادل 11.44 مليون دولار أمريكي) كمساعدة بريطانية لتمويل البحث، إن الترياق الجديد سيساعد على "تطوير علاج منخفض السعر، ويمكن الحصول عليه، وفعَّال" للتسمم باللدغات إذا نجح.
وقال ستيوارت: "في أجزاء من إفريقيا وآسيا، تشكِّل لدغات الأفاعي تهديداً يومياً، وتتسبَّب في إعاقات تُغيِّر الحياة أو -في أسوأ الحالات- تتسبَّب في الموت".
وأضاف قائلاً: "لا يحصل الناس في كثيرٍ من الأحيان على العلاج الذي يحتاجونه في الوقت المناسب، هذا إن كان متاحاً من الأساس".
ويُعَدُّ تعهُّد المملكة المتحدة بالتمويل، الذي يبلغ 9 ملايين جنيه إسترليني (11.44 مليون دولار أمريكي)، بين مجموعة من الالتزامات الأخيرة الموجَّهة نحو تغيير التعامل مع لدغات الأفاعي.
وقالت الصحيفة البريطانية، إنه في الأسبوع الماضي، أعلنت مؤسسة Wellcome Trust برنامجاً بقيمة 80 مليون جنيه إسترليني (101.7 مليون دولار أمريكي) لتحسين العلاجات الحالية وتطوير علاج جديد.
138 ألف شخص يموتون كل عام
ويوم الخميس 23 مايو/أيار 2019، أعلنت منظمة الصحة العالمية استراتيجيةً جديدة لخفض عدد الوفيَّات الناجمة عن لدغات الأفاعي إلى النصف في أنحاء العالم بحلول 2030.
وقال هاريسون إن هذه الالتزامات، مُجتمِعة "تُحقِّق تغييراً كامِلاً في التعامل مع لدغات الأفاعي، وأملاً حقيقياً للمستقبل".
وأضاف: "على مدار الخمسين أو الستين عاماً الماضية، لم يكن هناك أي استثمار كبير على الإطلاق، لذلك يعد هذا بمثابة تغيير قوي لمُجريات الأمور. لقد ناضلنا طوال العشرين عاماً الماضية للحصول على أموال كافية لتمويل الأبحاث المُتعلِّقة بتحسين التعامل مع لدغات الأفاعي، ويُسعِدنا أنه قد صار هناك الآن تمويلٌ لنا وللمجموعات المهمة الأخرى مثل المبادرة الدولية للقاح ضد الإيدز. وكلما زاد عدد العلوم التي اشتبكت مع هذا الجهد، كانت النتيجة العالمية أفضل".
ويأتي هذا المسار الجديد نحو إيجاد علاج عالمي للدغات الأفاعي بعد أن أدرك الدكتور ديفين سوك، الأمريكي المُتخصِّص في فيروس نقص المناعة البشرية، أن منهجية تحديد سلالات الأجسام المضادة المُختلفة يُمكن أن تُطبَّق على لدغات الأفاعي، ومن ثم تواصَلَ ديفين سوك مع هاريسون في ليفربول.
وقال سوك: "إن اتحادنا يبرهن على أن التحديات الصحية العالمية الكبرى؛ مثل لدغات الأفاعي، يُمكن أن تُحسَم حين يجتمع قادةٌ من مُختلف المجالات لتبادل الأفكار والأدوات والتكنولوجيات والدروس المُستفادة".
وقال أيضاً "إن هذا النوع من التكاتف يقدِّم نموذجاً عملياً لوضع حلول جديدة للتحديات الصحية العالمية الطويلة الأمد وتسريع عملية تطوير المنتجات اللازمة لمواجهة الأمراض المسكوت عنها".
ويقتل سم الأفعى 138 ألف شخص كل عام، بينما يتسبَّب في إعاقات دائمة لنحو 400 ألف شخص. ويكون الضحايا من أفقر المناطق في إفريقيا والهند، حيث تتراوح فرص الوصول إلى الترياق بين الانعدام والحد الأدنى.
ومع ذلك، فإن مضادات السموم ليست هي الحل الوحيد، بحسب ما يقول هاريسون، الذي أشار إلى أن 90٪ من المنتجات المتاحة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى غير فعَّالة. وقال: "إن هذه المنتجات إما صُنِعَت من أجل علاج لدغات الثعابين غير الإفريقية، أو أن تركيزاتها ضعيفة للغاية مما يجعلها غير فعالة".
أساليب قديمة للعلاج
ورحَّبَ بِن والدمان، مدير برنامج لدغات الأفاعي في مؤسسة Health Action International، بهدف منظمة الصحة العالمية المتمثِّل في خفض عدد الوفيات الناجمة عن لدغات الأفاعي إلى النصف بحلول عام 2030، ولكنه قال إنه يجب على الحكومات أولاً أن تفهم حجم المشكلة عن طريق تسجيل عدد الوفيات السنوية بدقة؛ حيث يعيش العديد من الضحايا بعيداً عن المستشفيات مما يُعيق بحثهم عن علاجٍ احترافي.
وقال والدمان: "إن بحثنا، على أرض الواقع، يُظهِر أن ضحايا لدغات الأفاعي يستمرون في الذهاب إلى المُعالِجين التقليديين كوجهتهم الأولى، ولا بديل لديهم".
وأضاف: "إذا تم تمكين المجتمعات وتحسين خيارات العلاج، فسيتبع ذلك تقليص دور المُعالِجين التقليديين لصالح نظام صحي فعَّال وموثوق".
ويشار إلى أن هناك 250 نوعاً من الأفاعي لها سم ضار من الناحية الطبّية، ويُشكِّل تنوُّع وتعقيد السموم تحدياً كبيراً للعاملين بالمجال الصحي.
وتعتمد العلاجات الحالية المضادة للسموم على أساليب يرجع تاريخها للقرن التاسع عشر؛ يتم خلالها استخلاص السموم من الثعابين، ثم يتم حقن هذه السموم في حيوانات كبيرة الحجم مثل الخيول، ويتم حصاد الأجسام المُضادة التي تُنتجها أجسام أولئك الحيوانات كي يتم استخدامها في البشر.
ولكن، يقول هاريسون إن هذه المضادات يمكن أن تكون مصحوبة بآثار ضارة -وأحياناً مميتة- على المرضى؛ وتتراوح تلك الآثار الجانبية بين تشنجات البطن الحادة إلى صدمة الحساسية، لأن الأجسام المضادة تتولد من الخيول أو الأغنام وبالتالي فهي "غريبة".
ومن المقرر أن يُركِّز الاتحاد الطبي، الذي أُطلق عليه اسم شراكة البحث العلمي للدغات الأفاعي الاستوائية (SRPNTS)، على تحضير "أجسام مضادة متوافقة مع البشر" من خلايا الدم، على أن يتم جمعها من الناجين من لدغات الأفاعي، وكذلك من الحيوانات الضخمة مثل الجِمال والأبقار والخيول المُحصّنة بالسُم. والهدف، بحسب ما أشار هاريسون، هو خلق "الجيل التالي من علاجات لدغات الأفاعي، والذي نُصممة من أجل التعرُّف على جميع السموم الموجودة في الثعابين الإفريقية والهندية ومواجهتها وإبطالها".
ومع ذلك، كما حذَّرَ الباحث، سيتطلَّب ابتكار ترياق ناجح ما يقرب من أربع سنوات من العمل قبل السريري، وثلاث سنوات أخرى -على الأقل- للتصنيع والتجارب السريرية.
ومع ذلك، يعتقد الاتحاد الطبي أن معرفته المُشتركة قد تحدث تغييراً جذرياً لطريقة التعامل مع لدغات الثعابين على مستوى العالم.