«ما فعلوه بي كان بشعاً».. هكذا دمّر السجن لُجين الهذلول في «العام المخزي» للسعودية!

يقول وليد، شقيق لجين الهذلول إنها تحب أن تسأل دوماً؛ "لطالما أشارت، خلال نشأتها، إلى النفاق الذي يحيط بنظام القيادة في السعودية، ساعيةً إلى أن تفهم لماذا يُحظَر على السيدات القيادة. ظلت تتساءل".

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/05/24 الساعة 22:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/24 الساعة 22:06 بتوقيت غرينتش
الناشطة السعودية المعتقلة لجين الهذلول/رويترز

يقول وليد، شقيق لجين الهذلول إنها تحب أن تسأل دوماً؛ "لطالما أشارت، خلال نشأتها، إلى النفاق الذي يحيط بنظام القيادة في السعودية، ساعيةً إلى أن تفهم لماذا يُحظَر على السيدات القيادة. ظلت تتساءل".     

لكن حين أُوقِفَت لجين، التي تبلغ من العمر الآن 29 عاماً، حين كانت تقود بالإمارات في شهر أبريل/نيسان 2018، وأُعيدت إلى السعودية، يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، شَرَع حكام المملكة في بذل آخر جهود بسلسلة من الجهود الوحشية المتزايدة لإسكاتها.    

تقول لجين إنها احتُجِزَت ثلاثة أيام، وبعدها أُطلق سراحها، ثم اعتُقِلَت من منزل أسرتها في الرياض. وقالت إنَّ عينيها عُصِبَتا، وأُلقِيَت في صندوق السيارة، وأُخِذَت إلى مركز اعتقال وصفته بـ "قصر الرعب" حيث تعرضت للتعذيب والتهديد بالاغتصاب والقتل. وهي محتجزة الآن أكثر من عام.

اعتقال حتى أجَل غير معلوم

واعتُقِلَت لُجين ومعها 10 سيدات أخريات في حملة تمشيط استهدفت النساء الجريئات اللاتي دافعن عن حقهن في قيادة السيارات. وشملت الاعتقالات ناشطات مخضرمات مثل عزيزة اليوسف، والمُدوِّنة إيمان النفجان

وشكَّل هذا ذروة ما وصفته جماعات حقوق الإنسان بـ "العام المخزي" للسعودية؛ إذ استُهدِف خلاله شيوخ وناشطون وصحفيون وكُتاب.

وأحيلت 11 سيدة إلى المحاكمة بتهمة "النشاط المنسَّق لتقويض الأمن، والاستقرار والسِّلم الاجتماعي في المملكة"، وكذلك اتهامات بالتواصل مع صحفيين ودبلوماسيين أجانب. وخرجت 7 منهن بكفالة في وقت سابق من العام الحالي، لكن شقيق لُجين يقول إنَّ عائلتها لا تتوقع أن يحدث معها الشيء نفسه.

في حين يقول مراقبون إنَّ لجين الهذلول تحديداً تعرضت لمعاملة سيئة بالسجن، لكونها ناشطة نسائية رائدة، ولأنه يُنظر إلى نضالها على أنه صفعة على وجه رواية المملكة بأنَّ التغيير لمصلحة النساء يجب أن يأتي من رأس الدولة.

ومع المماطلة في عقد المحاكمة، لا يعرف أحد على وجه التحديد إلى متى ستبقى لجين في السجن.             

فهُن "عبرة" لأي سيدة أخرى قد تفكر في فعل الشيء ذاته

من جانبها، قالت الدكتورة هالة الدوسري، وهي ناشطة حقوقية سعودية بارزة وباحثة في Centre for Human Rights and Global Justice بجامعة نيويورك، إنَّ هؤلاء السيدات أحلن إلى المحاكمة "كنوع من الردع. يُعاملن كعِبرَة لأي سيدة أخرى قد تفكر في فعل الشيء ذاته".        

ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، عُزِلَت السيدات في الحبس الانفرادي مدة شهر، وتعرضن للصعق والتعذيب النفسي والجسدي.

احتجاجات لإطلاق سراح الناشطات الحقوقيات/ رويترز
احتجاجات لإطلاق سراح الناشطات الحقوقيات/ رويترز

وتحدَّث وليد الهذلول، شقيق لجين، إلى صحيفة The Guardian البريطانية من كندا، حيث يقيم لتجنُّب حظر سفر مفروض على العائلة بأكملها داخل السعودية.

وقال: "عقب شهر من اعتقالها، اتصلت بوالدي من فندق بجدة. وكلما سأل والديّ عن القضية، كانت تقول إنه لا يمكنها الرد، يبدو أنَّ شخصاً ما كان يملي عليها ما تقول".

وتقول هالة الدوسري إن من بين السيدات المعتقلات انتُقيت لجين تحديداً؛ إذ "تلقت أشد تعذيب في محبسها. وهذا يُظهِر أنَّ الدولة مدركة جيداً لتأثيرها، وكيف أنها تمثل توجُّهاً واسعاً في المجتمع يشبهها هي وتطلعاتها".

مستشار بن سلمان هدد لجين بالقتل والاغتصاب

وقال وليد إنَّ سعود القحطاني، المستشار السابق سيئ السمعة لولي العهد محمد بن سلمان، زار لجين الهذلول في محبسها، للإشراف على تعذيبها.         

وأضاف وليد: "حضر إحدى جلسات (التعذيب)، وقال لها: سأقتلك، سأمزقك أشلاءً، وألقي بك في نظام الصرف. لكن قبل ذلك سأغتصبك".

وتابع وليد أنَّ لجين أشد قلقاً على مصير السيدات خارج السجن من مصيرها.

وقال وليد: "وحتى حين كانت في السجن، ورغم أنها لم تشهد بنفسها السيدات وهن يُسمَح لهن بالقيادة في السعودية، ظلت تسألني عن ماهية شعور السيدات هناك، وهل يتمتعن بحق القيادة. كانت تفكر فيهن رغم أنها في السجن، ولم يكن ذلك الوقت المناسب للتفكير في الآخرين".

وأضاف: "هي لا تستسلم أبداً، وتؤمن بالحقوق الأساسية. وهي تفكر دوماً في الآخرين. هذه هي طبيعتها: تهتم بالآخرين أكثر مما تهتم بنفسها".  

من جانبها، قالت روضة خان، صديقة لجين الهذلول منذ أن التقتا في جامعة بريتش كولومبيا بمدينة فانكوفر الكندية، إنَّ لجين "كانت تعبر دوماً عن آرائها بصراحة بضحكة مُعدِية تلفت الانتباه. وكانت دوماً واثقة بنفسها جداً ومثقفة. لم تخشَ قَط التصريح بأفكارها. من المثير أن تكون صديقاً لشخص كهذا".     

انتقاماً منها لدفاعها عن حقوق المرأة السعودية

أما عروبة جمال، التي ناضلت مع روضة خان ضمن مجموعة "Friends of Loujain" -أو أصدقاء لجين الهذلول – للضغط من أجل إطلاق سراحها، فنشرت تغريدة بها صورة لها من فعالية في جامعة بريتش كولومبيا عام 2012، وعلقت عليها: "كالمعتاد، هي في المنتصف".    

وقالت روضة خان إنَّ لجين كانت تقود أينما استطاعت حين كانت في كندا، وكانت غالباً ما تعرض على أصدقائها توصيلهم. وأضافت: "بالنسبة للآخرين جميعاً، أعتقد أنها حاجة أساسية، لكن أظن لأنها من السعودية، فإمكانية القيادة كانت نوعاً من الرفاهية".

وواصلت لجين الهذلول توسيع وجودها على شبكات الإنترنت، وتعزيز سمعتها بوصفها ناقدة القوانين المشددة المحيطة بوصاية الرجال على النساء في المملكة، والتي تمنع النساء من السفر أو القيام بأي نشاط مستقل دون إذن الرجال. وقالت روضة: "بقدر ما كانت امرأة جريئة وعصرية، كانت وطنية جداً.

لم تكن تسمعها قط تهاجم ثقافتها أو حكومتها بأية طريقة. كانت السعودية وثقافتها جزءاً منها. الشيء الوحيد الذي كانت ترغب فيه هي تحسينات بسيطة ستُدخِلهم إلى العالم المعاصر".        

وإصرارها على ذلك من داخل المملكة

وقال وليد إنَّ شقيقته لن تكون سعيدة أبداً بالدفاع عن حقوق السيدات في السعودية من مكان بعيد.

وتصدَّرت لجين الهذلول عناوين الصحف لأول مرة في 2013، حين صوَّر والدها مقطع فيديو لها وهي تقود من المطار إلى منزلهم كجزء من حركة "قيادة المرأة في السعودية"، وهي الحملة التي قوبلت بقمع من الشرطة. وبعدها بعام، وبينما كانت تقيم لجين بالإمارات، اعتُقِلَت عقب قيادتها السيارة حتى الحدود مع السعودية. وبقيت 73 يوماً في السجن. وهي التجربة التي وصفتها لاحقاً بأنها "مُثرية".     

وقالت هالة الدوسري إنها أُعِجبت بلجين على الفور حين التقتا في مؤتمر بالولايات المتحدة. وأضافت: "شعرت بأنها شخص يستحق الدعم بوصفها أيقونة وأداة للتغيير. بالنسبة لي، شعرت بأنها نموذج مدهش لشخص محظوظ، يتمتع بجميع الإمكانات لعيش حياة مُترَفة، لكنها مستعدة للمخاطرة من أجل الناس".      

وتابعت هالة، التي ظلت تشير إلى لُجين بـ "الأيقونة"، أنَّها أشعلت الخوف في نفوس القوة الحاكمة، لأنَّ "لها صوتاً لا تسيطر عليه الدولة".  

إلا أن ما تعرضت له "دمّرها"

وتنتظر عائلة لجين الهذلول الآن اتصالها الهاتفي المعتاد كل يوم أحد، ليعرفوا أنها تصمد فيما أصبح حبساً انفرادياً، بعد أن أُطلق سراح رفيقاتها بكفالة. ويخشى داعموها أنها ربما تعرضت لمزيد من التعذيب، لكنها لن تفصح عن ذلك، حتى لا تُقلق عائلتها.     

في حين قال شقيقها وليد: "لأنها تعرضت لصدمة، ولا تفكر بشكل سليم، قالت: لأنهم دمروا سمعتي، فمن الأفضل لي أن أظل في السجن، لأن ما فعلوه بي بشع".

لكن ما لحِق بسمعة شقيقته هو أي شيء عدا التدمير. إذ أُهديت لجين، وإيمان النفجان ونوف عبدالعزيز، جائزة "بن/باربي لحرية الكتابة" في شهر مارس/آذار من العام الجاري. وفي أبريل/نيسان 2019، اختارت مجلة Time الأمريكية لُجين ضمن قائمة الشخصيات الـ100 الأكثر تأثيراً في العالم لعام 2019.      

وحققت سمعة لجين الهذلول المتزايدة بأنها ناشطة نسائية مُلهِمة طموح والدتها. إذ تحكي روضة خان أنَّ صديقتها أخبرتها بأنَّ والدتها شاهدت مجلة على غلافها امرأة وُصِفَت بأنها سيدة أعمال ذكية وواثقة، ومؤثرة.   

وأوضحت روضة: "قالت (لجين) إنها جمعتها هي وشقيقاتها، وأخبرتهن بأنها ترغب في أن يصبحن مثل تلك السيدة بالمجلة، وأن يعرفن ما يفعلنه ويكون لديهن طريق واضح. وأخبرتهن بألا يخفن من تحمُّل المسؤولية، وأن يفعلن ما يلزم لتحقيق النتيجة".    

تحميل المزيد