قالت صحيفة The Guardian البريطانية إنه جرى ترحيل عائلة أمريكية من مركز اعتقال سوري مُخصَّص للمشتبه في أنهم أعضاء في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأعيدت إلى الولايات المتحدة، في خطوة يمكن أن تُسفر عن تداعياتٍ على المئات من أطفال الأشخاص غير السوريين العالقين في مأزقٍ قانوني بين الترحيل والإبقاء منذ تفكّك تنظيم داعش.
إعادة العائلة الأمريكية باستثناء واحدة
نُقِلت العائلة المكونة من أربعة أفراد من مخيم روج في شمال شرقي سوريا، نهاية الأسبوع الماضي، وفقاً لما أكَّدته مصادر داخل المخيم للصحيفة البريطانية. ويُعتقَد أن أفرادها مواطنون أمريكيون من أصولٍ كمبودية، وتضم أطفالاً وُلِدوا تحت حُكم داعش.
بينما تُركت مواطنةٌ أمريكية أخرى هناك، وهي هدى مثنى، التي يُزعَم أنَّها كانت تعمل في الدعاية للتنظيم، والتي قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إنَّه لا توجد أسباب قانونية لإعادتها إلى الولايات المتحدة.
يُذكَر أنَّ واشنطن كثيراً ما حثَّت الدول التي لديها مواطنون تابعون لها احتُجِزوا في سوريا أثناء انهيار تنظيم داعش، على إعادتهم إلى أوطانهم من مركزي احتجاز مكتظين بأكثر من 132 ألف شخص، وكان الرد على ذلك من بعض الدول الأوروبية هو أنَّ الولايات المتحدة عليها أن تهتم بإعادة مواطنيها أولاً.
وصحيحٌ أنَّ العدد الإجمالي للمواطنين الأمريكيين المحتجزين ما زال غير واضح، لكنَّ أسرة مكونة من أربعة أفراد تُمثِّل عدداً كبيراً منهم، مما قد يزيد الضغط على الدول الأخرى لإعادة مواطنيها.
لكن الخارجية الأمريكية تقول إنها لا تعرف شيئاً عن مواطنيها بسوريا
ولأسبابٍ تتعلق بالسرية، ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أنَّها لن تُناقش مسألة ترحيل العائلة مباشرةً. وقال متحدثٌ باسم الوزارة رداً على أحد الاستفسارات: "نحن لا نعرف شيئاً إلَّا عن عددٍ قليلٍ من المواطنين الأمريكيين الموجودين في مخيماتٍ بشمال شرقي سوريا، إذ إنَّ خدمة المواطنين الأمريكيين في سوريا معقدة للغاية، بسبب عدم إمكانية ذهاب المسؤولين القنصليين إلى الأماكن التي تشهد احتجازهم".
وأضاف: "نتعامل بجديةٍ مع جميع الادِّعاءات المشروعة المتعلقة بحمل الجنسية الأمريكية، بغضِّ النظر عن مكانها، ونعمل على التحقق من هذه الادِّعاءات، والتعامل معها كلّ على حدة، وستواصل الولايات المتحدة إعادة مواطنيها، كما فعلنا في الماضي".
جديرٌ بالذكر أنَّ انهيار تنظيم داعش ترك المواطنين الذين سافروا للانضمام إليه وسط مأزق قانوني، وخلق صداعاً للعديد من الحكومات التي ما زالت غير مستعدة لإرسال مسؤولين لإنقاذ المحتجزين، والمجازفة بالتعرُّض لردّ فعل حاد من شعوبها.
ويُعد ضمان عودة زوجات مقاتلي داعش وأطفالهم أقل تعقيداً وأكثر جدوى، وقد وجَّهت الأمم المتحدة إلى الدول الأعضاء مناشداتٍ متزايدة لبذل مزيدٍ من الجهد، لاسيما لإعادة الأطفال.
اليونيسيف عن أبناء داعش: يعيشون في ظروف مروعة وتهديدات
قالت هنريتا فور، المديرة التنفيذية لمنظمة اليونيسيف: "آلاف الأطفال المولودين لمقاتلين أجانب ويعيشون وسط معاناةٍ في المخيمات ومراكز الاعتقال ودور الأيتام في سوريا والعراق وأماكن أخرى، هُم من أكثر الأطفال عُرضةً للخطر في العالم، إنهم يعيشون في ظروف مروعة وسط تهديداتٍ مستمرة لصحتهم وسلامتهم ورفاهيتهم، ولديهم قدرٌ ضئيل من الدعم الأسري. وصحيحٌ أنَّ معظمهم أصبحوا عالقين مع أمهاتهم أو بعض أقربائهم الآخرين الذين يعتننون بهم، لكنَّ الكثيرين منهم صاروا وحدهم تماماً".
وأضافت: "في سوريا وحدها، تُقدِّر اليونيسف عدد الأطفال الأجانب بحوالي 29 ألف طفل، معظمهم دون سن 12 عاماً. ومن بينهم حوالي 20 ألف طفلٍ من العراق، بينما يوجد أكثر من 9 آلاف طفل من حوالي 60 دولة أخرى. ويُعتقد كذلك أن هناك 1000 آخرين من أطفال المقاتلين الأجانب في العراق".
وذكرت اليونيسيف أنَّها ساعدت حتى الآن 270 طفلاً على العودة إلى أوطانهم. وقالت فور: "هؤلاء الأطفال (القابعون في المخيمات) يعانون رفضاً مزدوجاً، إذ تراهم مجتمعاتهم وصمة عار، وتنبذهم حكومات بلادهم".
وتابعت: "يواجهون كذلك صعوباتٍ قانونية ولوجستية وسياسية هائلة، في الحصول على الخدمات الأساسية أو العودة إلى بلدانهم الأصلية. جميعهم ضحايا ظروف مأساوية للغاية وانتهاكات فظيعة لحقوقهم، ويجب معاملتهم ورعايتهم بصفتهم أطفالاً".
لكن ما رأي الدبلوماسيين في القضية؟
يخشى بعض الدبلوماسيين الكبار تسييس قضايا المحتجزين، وجعلها رهناً مقابل الحصول على تنازلاتٍ إذا جرت عمليات إعادتهم إلى أوطانهم عبر النظام السوري.
بينما يبحث آخرون بعض خيارات إعادة المحتجزين مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تحافظ على علاقاتها مع النظام السوري. وقد تشمل تلك الخيارات نقل النساء والأطفال عبر العاصمة السورية دمشق.
بريطانيا ودول أخرى قبلت بعودة أطفال من سوريا، لكن دون مساعدة
يُذكَر أنَّ المملكة المتحدة قالت إنَّ "عدداً صغيراً" من الأطفال غادروا سوريا في الأشهر الاثني عشر الماضية، وعادوا إلى بريطانيا عبر بلدان ثالثة، لكنَّ مسؤولي المملكة لم يشاركوا في مساعدتهم على مغادرة سوريا.
بينما جُرِّدت شميمة بيغوم -التي غادرت لندن حين كان عمرها 15 عاماً للانضمام إلى داعش في عام 2015- من جنسيتها البريطانية؛ سعياً لمنعها من العودة إلى البلاد. وقد أنجبت في أحد مراكز الاعتقال طفلاً كان يُعتبر مواطناً بريطانياً، لكنَّه توفي بعد ولادته بثلاثة أسابيع بسبب الالتهاب الرئوي.
يُذكَر أنَّ دول فرنسا وكوسوفو والسويد وألمانيا أعادت إليها مؤخراً بعض النساء والأطفال من مخيَّمي روج والهول، حيث تكافح القوات الكردية لاحتواء فيضان أشخاصٍ من أراضي داعش السابقة، يصل عددهم إلى 132 ألف شخص.
وقد استخدمت العديد من تلك الدول الحدود العراقية الكردية القريبة من المخيمين لإعادة مواطنيها من سوريا، متحديةً مطالب النظام السوري بضرورة تنسيق أي عملية ترحيل مع مسؤوليه.
جديرٌ بالذكر أنَّ منطقة شمال شرقي سوريا كانت واقعة بدرجةٍ كبيرة تحت سيطرة الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة طوال معظم فترات الحرب ضد داعش، وما زالت كذلك، وأنَّ النظام السوري لا يؤدِّي أي دورٍ في إدارة المخيمات. وأكَّد النظام مراراً أنَّ الحكومات التي تعمل في منطقة الشمال الشرقي التي مزقتها الحرب تُفسِد سيادتها.
وفي الشهر الماضي أبريل/نيسان، قال رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون إنَّ بلاده تبحث مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بعض الخيارات لنقل الأطفال الذين أنجبهم مقاتلو داعش. إذ يُعتقد أنَّ هناك حوالي 20 أسترالياً محتجزين في سوريا، نصفهم تقريباً من الأطفال. وكذلك تُفكِّر النرويج في فعل الأمر نفسه.